قصة بحيرى  
 [ نزول أبي طالب  ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببحيرى    ] 
قال ابن إسحاق    : ثم إن أبا طالب  خرج في ركب تاجرا إلى الشام  ، فلما تهيأ للرحيل ، وأجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون - فرق له ( أبو طالب    ) وقال : والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا ، أو كما قال . فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى  من أرض الشام  ،   [ ص: 181 ] وبهما راهب يقال له بحيرى  في صومعة له ، وكان إليه علم أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب ، إليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون ، يتوارثونه كابرا عن كابر . 
فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى  وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام . فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته ، يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في صومعته ، في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم . قال : ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه . فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها . 
فلما رأى ذلك بحيرى  نزل من صومعته ، ثم أرسل إليهم ، فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش  ، فأنا أحب أن تحضروا كلكم ، صغيركم وكبيركم ، وعبدكم وحركم : فقال له رجل منهم : والله يا بحيرى  إن لك لشأنا اليوم ، فما كنت تصنع هذا بنا ، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرى    : صدقت ، قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف ، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم . فاجتمعوا إليه ، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم ، لحداثة سنه ، في رحال القوم تحت الشجرة . 
فلما نظر بحيرى  في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده ، فقال : يا معشر قريش  ، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي ؛ قالوا له : يا بحيرى  ، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام ، وهو أحدث القوم سنا ، فتخلف في رحالهم ؛ فقال : لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم . قال : فقال رجل من قريش  مع القوم ؛ واللات والعزى ، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب  عن طعام من   [ ص: 182 ] بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم . فلما رآه بحيرى  جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده ، قد كان يجدها عنده من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى  ، فقال ( له ) : يا غلام ، أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ؛ وإنما قال له بحيرى  ذلك ، لأنه سمع قومه يحلفون بهما . فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( له ) : لا تسألني باللات والعزى ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ، فقال له بحيرى    : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ؛ فقال له : سلني عما بدا لك . فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره ؛ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره ، فيوافق ذلك ما عند بحيرى  من صفته ، ثم نظر إلى ظهره ، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده . 
قال ابن هشام    : وكان مثل أثر المحجم . 
قال ابن إسحاق    : فلما فرغ ، أقبل على عمه أبي طالب  ، فقال له : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني . قال له بحيرى    : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا ؛ قال : فإنه ابن أخي ؛ قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات وأمه حبلى به ؛ قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه يهود ، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرع به إلى بلاده .   [ ص: 183 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					