فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبى جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب ( الخثعمي ) حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذ بأذنه . فقال : ابرك محمود ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه
فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى ، فضربوا ( في ) رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك فأرسل [ ص: 53 ] الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت .
وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
قال ابن هشام : قوله : ليس الغالب عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال نفيل أيضا :ألا حييت عنا يا ردينا نعمناكم مع الإصباح عينا
( أتانا قابس منكم عشاء فلم يقدر لقابسكم لدينا )
ردينة لو رأيت - ولا تريه لدى جنب المحصب ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت الله إذ أبصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا
وكل القوم يسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينا
قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث : أن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رئي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام .