[ ] تشبيب كعب بنساء المسلمين والحيلة في قتله
ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة [ ص: 55 ] من لي بابن الأشرف ؟ فقال له محمد بن مسلمة ، أخو بني عبد الأشهل : أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله ، قال : فافعل إن قدرت على ذلك . فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاه ، فقال له : لم تركت الطعام والشراب ؟ فقال : يا رسول الله ، قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا ؟ فقال : إنما عليك الجهد ؛ فقال : يا رسول الله ، إنه لا بد لنا من أن نقول : قال : قولوا ما بدا لكم ، فأنتم في حل من ذلك
فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة ، وسلكان بن سلامة بن وقش ، وهو أبو نائلة ، أحد بني عبد الأشهل ، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة ، ، أحد وعباد بن بشر بن وقش بني عبد الأشهل ، والحارث بن أوس بن معاذ ، أحد بني عبد الأشهل ، ، أحد وأبو عبس بن جبر بني حارثة ؛ ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف ، قبل أن يأتوه ، سلكان بن سلامة ، أبا نائلة ، فجاءه ، فتحدث معه ساعة ، وتناشدوا شعرا ، وكان أبو نائلة يقول الشعر ، ثم قال : ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك ، فاكتم عني ؛ قال : أفعل ؛ قال : كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء ، عادتنا به العرب ، ورمتنا عن قوس واحدة ، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال ، وجهدت الأنفس ، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا .
فقال كعب : أنا ابن الأشرف ، أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول ؛ فقال له سلكان : إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك ، ونحسن في ذلك ، فقال : أترهنونني أبناءكم ؟ قال : لقد أردت أن تفضحنا إن معي أصحابا لي على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم ، فتبيعهم وتحسن في ذلك ، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء ، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها ؛ قال : إن في الحلقة لوفاء ؛ قال : فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه ، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : ويقال : أترهنونني نساءكم ؟ قال : كيف نرهنك نساءنا ، وأنت أشب أهل يثرب وأعطوهم ، قال : أترهنونني أبناءكم ؟
قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . قال [ ص: 56 ] مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ، ثم وجههم ، فقال : ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، وهو في ليلة مقمرة ، وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ، فهتف به انطلقوا على اسم الله ؛ اللهم أعنهم أبو نائلة ، وكان حديث عهد بعرس ، فوثب في ملحفته ، فأخذت امرأته بناحيتها ، وقالت : إنك امرؤ محارب ، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة ؛ قال : إنه أبو نائلة ، لو وجدني نائما لما أيقظني ؛ فقالت : والله إني لأعرف في صوته الشر ؛ قال : يقول لها كعب : لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب . فنزل فتحدث معهم ساعة ، وتحدثوا معه ، ثم قال : هل لك يا ابن الأشرف أن تتماشى إلى شعب العجوز ، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ؟ قال : إن شئتم . فخرجوا يتماشون ، فمشوا ساعة ، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ، ثم شم يده فقال : ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها ، فأخذ بفود رأسه ، ثم قال : اضربوا عدو الله ، فضربوه ، فاختلفت عليه أسيافهم ، فلم تغن شيئا .
قال محمد بن مسلمة : فذكرت مغولا في سيفي ، حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا ، فأخذته ، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار قال : فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله ، وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ ، فجرح في رأسه أو في رجله ، أصابه بعض أسيافنا . قال : فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ، [ ص: 57 ] ثم على بني قريظة ، ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض ، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ، ونزفه الدم ، فوقفنا له ساعة ، ثم أتانا يتبع آثارنا . قال : فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل ، وهو قائم يصلي ، فسلمنا عليه ، فخرج إلينا . فأخبرناه بقتل عدو الله ، وتفل على جرح صاحبنا ، فرجع ورجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله ، فليس بها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه .