القاضي أبو يوسف
هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة ، أبو يوسف ، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري الكوفي . وسعد بن بجير له صحبة ، وهو سعد بن حبتة ، وهي أمه ، وهو بجلي [ ص: 536 ] من حلفاء الأنصار ، شهد الخندق وغيرها . مولد أبي يوسف في سنة ثلاث عشرة ومائة .
حدث عن : ، هشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ، وعطاء بن السائب ، ويزيد بن أبي زياد وأبي إسحاق الشيباني ، ، وعبيد الله بن عمر ، والأعمش ، وحجاج بن أرطاة ، ولزمه وتفقه به ، وهو أنبل تلامذته ، وأعلمهم ، تخرج به أئمة وأبي حنيفة كمحمد بن الحسن ، ومعلى بن منصور ، وهلال الرأي ، ، وعدة . وابن سماعة
وحدث عنه : ، يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وعلي بن الجعد وأسد بن الفرات ، ، وأحمد بن منيع وعلي بن مسلم الطوسي ، وعمرو بن أبي عمرو الحراني ، ، وعدد كثير . وكان أبوه فقيرا ، له حانوت ضعيف ، فكان وعمرو الناقد أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف . بالدراهم ، مائة بعد مائة .
فروى علي بن حرملة التيمي عنه ، قال : كنت أطلب العلم وأنا مقل ، فجاء أبي فقال : يا بني لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة ، فأنت محتاج ، فآثرت طاعة أبي ، فأعطاني أبو حنيفة مائة درهم ، وقال : الزم الحلقة ، فإذا نفذت هذه ، فأعلمني . ثم بعد أيام أعطاني مائة . ويقال : إنه ربي يتيما ، فأسلمته أمه قصارا .
وعن محمد بن الحسن قال : مرض أبو يوسف ، فعاده أبو حنيفة ، فلما خرج ، قال : إن يمت هذا الفتى ، فهو أعلم من عليها . قال : أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أحمد بن حنبل أبي يوسف [ ص: 537 ] وكان أميل إلى المحدثين من أبي حنيفة ومحمد . قال إبراهيم بن أبي داود البرلسي : سمعت ابن معين يقول : ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ، ولا أحفظ ، ولا أصح رواية من أبي يوسف .
وروى عباس ، عن ابن معين : أبو يوسف صاحب حديث ، صاحب سنة .
وعن يحيى البرمكي قال : قدم أبو يوسف ، وأقل ما فيه الفقه ، وقد ملأ بفقهه الخافقين . قال أحمد : كان أبو يوسف منصفا في الحديث . وعن أبي يوسف قال : صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة . وعن هلال الرأي قال : كان أبو يوسف يحفظ التفسير ، ويحفظ المغازي ، وأيام العرب ، كان أحد علومه الفقه .
وعن ابن سماعة قال : كان ورد أبي يوسف في اليوم مائتي ركعة .
قال ابن المديني : ما أخذ على أبي يوسف إلا حديثه في الحجر ، وكان صدوقا .
قال يحيى بن يحيى التميمي : سمعت أبا يوسف عند وفاته يقول : كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة ، وفي لفظ : إلا ما في القرآن ، واجتمع عليه المسلمون .
قال : سمعت بشر بن الوليد أبا يوسف : من طلب المال بالكيمياء أفلس ، ومن طلب الدين بالكلام تزندق ، ومن تتبع غريب الحديث كذب . [ ص: 538 ] قال : لا بأس به . وقال ابن عدي في طبقات الحنفية : النسائي وأبو يوسف ثقة . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه .
بكار بن قتيبة : سمعت أبا الوليد قال : لما قدم أبو يوسف البصرة مع الرشيد ، اجتمع الفقهاء والمحدثون على بابه ، فأشرف عليهم وقال : أنا من الفريقين جميعا ، ولا أقدم فرقة على فرقة . قال : وكان قاضي الآفاق ، ووزير الرشيد ، وزميله في حجه .
: حدثنا محمد بن شجاع الحسن بن أبي مالك ، سمعت أبا يوسف يقول : لا نصلي خلف من قال : القرآن مخلوق ، ولا يفلح من استحلى شيئا من الكلام .
قلت : بلغ أبو يوسف من رئاسة العلم ما لا مزيد عليه ، وكان الرشيد يبالغ في إجلاله .
قال محمد بن سعدان : حدثنا أبو سليمان الجوزجاني ، سمعت أبا يوسف يقول : دخلت على الرشيد وفي يده درتان يقلبهما ، فقال : هل رأيت أحسن منهما ؟ قلت : نعم ، يا أمير المؤمنين . قال : وما هو ؟ قلت : الوعاء الذي هما فيه . فرمى بهما إلي ، وقال : شأنك بهما .
قال : توفي بشر بن الوليد أبو يوسف يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين ومائة .
وقال غيره : مات في غرة ربيع الآخر ، وعاش تسعا وستين سنة . وقد أفردت له ترجمة في كراس . [ ص: 539 ]
وما أنبل قوله الذي رواه جماعة عن ، سمعت بشر بن الوليد أبا يوسف يقول : العلم بالخصومة والكلام جهل . والجهل بالخصومة والكلام علم .
قلت : مثاله شبه وإشكالات من نتائج أفكار أهل الكلام ، تورد في الجدال على آيات الصفات وأحاديثها ، فيكفر هذا هذا ، وينشأ الاعتزال والتجهم والتجسيم ، وكل بلاء . نسأل الله العافية .