الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 408 ] الهجيمي

                                                                                      شيخ الصوفية ، العابد القانت ، أحمد بن عطاء الهجيمي ، البصري القدري المبتدع ، فما أقبح بالزهاد ركوب البدع .

                                                                                      كان تلميذ شيخ البصرة عبد الواحد بن زيد ، ذكره أبو سعيد بن الأعرابي في " طبقات النساك " فقال : برز في العبادة والاجتهاد ، وأخذ المعلوم من القوت ، وذكر أن الطريق إلى الله لا يكون إلا من هذه الأبواب : الصوم ، والصلاة ، والجوع ، وكان يميل إلى اكتساب القوت بيده ، ولزم طريق شيخه في اللطف ، فكان قدريا غير معتزلي ، وكتب شيئا من الحديث .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن عمر رسته : رآني ابن مهدي يوم جمعة جالسا إلى جنب أحمد بن عطاء ، وكان يتكلم في القدر ، وكان أزهد من رأيت فاعتذرت إلى عبد الرحمن ، فقال : لا تجالسه ، فإن أهون ما ينزل بك أن تسمع منه شيئا يجب لله عليك أن تقول له : كذبت ، ولعلك لا تفعل .

                                                                                      وكان ابن عطاء قد نصب نفسه للأستاذية ، ووقف دارا في بلهجيم للمتعبدين والمريدين يقص عليهم ، قال ابن الأعرابي : وأحسبها أول دار وقفت بالبصرة للعبادة .

                                                                                      صحبه جماعة منهم أحمد بن غسان الزاهد ، وأبو بكر [ ص: 409 ] العطشي وأبو عبد الله الحمال ، وجلس في المشيخة بعده ابن غسان ، فوقف دارا لنفسه .

                                                                                      قال الدارقطني : أحمد بن عطاء الهجيمي يروي عن خالد العبد ، وعن الضعفاء ، متروك الحديث .

                                                                                      وقال زكريا الساجي : هو صاحب المضمار ، وكان مجتهدا - يعني في العبادة - وكان مغفلا يحدث بما لم يسمع .

                                                                                      وقال علي بن المديني : أتيته يوما ، فوجدت معه درجا يحدث به ، فقلت له : أسمعت هذا ؟ قال : لا ولكن اشتريته وفيه أحاديث حسان أحدث بها هؤلاء ، فقلت : أما تخاف الله ؟ تقرب العباد إلى الله بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! .

                                                                                      قلت : ما كان الرجل يدري ما الحديث ، ولكنه عبد صالح ، وقع في القدر ، نعوذ بالله من ترهات الصوفة ، فلا خير إلا في الاتباع ، ولا يمكن الاتباع إلا بمعرفة السنن .

                                                                                      توفي الهجيمي هذا سنة مائتين .

                                                                                      ومات أحمد بن غسان قبل الثلاثين ومائتين . ولكنه رجع عن القدر ، وامتنع من القول بخلق القرآن ، فأخذ ، وحبس ، فرأى في الحبس أحمد بن حنبل ، والبويطي ، فأعجبهما سمته وكلامه ، وخاطباه ، فانتفع .

                                                                                      قال ابن الأعرابي : إلا أن أصحابه ينكرون رجوعه عن القدر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية