أحمد بن أبي الحواري ( د ، ق )
واسم أبيه عبد الله بن ميمون الإمام الحافظ القدوة ، شيخ أهل الشام أبو الحسن ، الثعلبي الغطفاني الدمشقي الزاهد أحد الأعلام أصله من الكوفة .
وقد قال : سألني : متى مولدك ؟ قلت : في سنة أربع [ ص: 86 ] وستين ومائة قال : هي مولدي . أحمد بن حنبل
قلت : عني بهذا الشأن أتم عناية .
وسمع من : سفيان بن عيينة ، ، وعبد الله بن إدريس ، وأبي معاوية ، والوليد بن مسلم ، وعبد الله بن وهب وأبي الحسن الكسائي ، ، ووكيع ، وحفص بن غياث ، وطبقتهم . ودخل وشعيب بن حرب دمشق ، فصحب الشيخ أبا سليمان الداراني مدة ، وأخذ عن مروان بن محمد ، وأبي مسهر الغساني وطائفة ، ثم أقبل على العبادة والتأله .
حدث عنه : سلمة بن شبيب ، ، وأبو زرعة الدمشقي ، وأبو زرعة الرازي وأبو داود ، في سننهما ، وابن ماجه وأبو حاتم ، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي ، ومحمد بن المعافى الصيداوي ، وأبو الجهم بن طلاب ، ومحمد بن محمد الباغندي ، وابنه عبد الله بن أحمد ، وعمر بن بحر الأسدي ، ، ومحمد بن خريم ويوسف بن الحسين الرازي ، وإبراهيم بن نائلة الأصبهاني ، ومحمد بن علي بن خلف ، ، وخلق كثير آخرهم وأبو بكر بن أبي داود أحمد بن سليمان بن زبان الكندي ، أحد الضعفاء .
قال هارون بن سعيد الأيلي ، عن ، وذكر يحيى بن معين أحمد بن [ ص: 87 ] أبي الحواري ، فقال : أهل الشام به يمطرون .
وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يحسن الثناء عليه ، ويطنب فيه .
وقال فياض بن زهير : سمعت ، وذكر يحيى بن معين أحمد بن أبي الحواري ، فقال : أظن أهل الشام يسقيهم الله به الغيث .
قال محمود بن خالد ، وذكر أحمد بن أبي الحواري ، فقال : ما أظن بقي على وجه الأرض مثله .
وروي عن الجنيد قال : أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام .
قال أبو زرعة الدمشقي : حدثني أحمد بن أبي الحواري قال : قلت لشيخ دخل مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- : دلني على مجلس إبراهيم بن أبي يحيى ، فما كلمني ، فإذا هو . عبد العزيز بن محمد الدراوردي
قال أحمد بن عطاء : سمعت عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري ، يقول : كنا نسمع بكاء أبي بالليل حتى نقول : قد مات . ثم نسمع ضحكة حتى نقول : قد جن .
قال محمد بن عوف الحمصي : رأيت أحمد بن أبي الحواري عندنا بأنطرسوس ، فلما صلى العتمة قام يصلي ، فاستفتح ب الحمد لله إلى إياك نعبد وإياك نستعين فطفت الحائط كله ، ثم رجعت ، [ ص: 88 ] فإذا هو لا يجاوزها ثم نمت ، ومررت في السحر ، وهو يقرأ : إياك نعبد فلم يزل يرددها إلى الصبح .
قال سعيد بن عبد العزيز : سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : من عمل بلا اتباع سنة فعمله باطل .
وقال : من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب ، أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه .
قال أبو عبد الرحمن السلمي في " تاريخ الصوفية " سمعت محمد بن جعفر بن مطر ، سمعت إبراهيم بن يوسف الهسنجاني يقول : رمى أحمد بن أبي الحواري بكتبه في البحر ، وقال : نعم الدليل كنت والاشتغال بالدليل بعد الوصول محال .
السلمي : سمعت محمد بن عبد الله الطبري يقول : سمعت يوسف بن الحسين يقول : طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة ، ثم حمل كتبه كلها إلى البحر ، فغرقها ، وقال : يا علم ، لم أفعل بك هذا استخفافا ، ولكن لما اهتديت بك استغنيت عنك .
أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه ، عن عبد الرحيم بن محمد الكاغدي ، وأخبرنا إسحاق بن خليل ، أخبرنا الكاغدي ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا إسحاق بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال : قلت لراهب في دير حرملة ، [ ص: 89 ] وأشرف من صومعته : ما اسمك ؟ قال : جريج . قلت : ما يحبسك ؟ قال : حبست نفسي عن الشهوات . قلت : أما كان يستقيم لك أن تذهب معنا ها هنا ، وتجيء وتمنعها الشهوات ؟ قال : هيهات ! ! هذا الذي تصفه قوة ، وأنا في ضعف ، قلت : ولم تفعل هذا ؟ قال : نجد في كتبنا أن بدن ابن آدم خلق من الأرض ، وروحه خلق من ملكوت السماء ، فإذا أجاع بدنه وأعراه وأسهره وأقمأه نازع الروح إلى الموضع الذي خرج منه ، وإذا أطعمه وأراحه أخلد البدن إلى المواضع الذي منه خلق ، فأحب الدنيا . قلت : فإذا فعل هذا يعجل له في الدنيا الثواب ؟ قال : نعم ، نور يوازيه . قال : فحدثت بهذا أبا سليمان الداراني ، فقال : قاتله الله ، إنهم يصفون .
قلت : الطريقة المثلى هي المحمدية ، وهو الأخذ من الطيبات ، وتناول الشهوات المباحة من غير إسراف ، كما قال تعالى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : فلم يشرع لنا الرهبانية ، ولا [ ص: 90 ] التمزق ولا الوصال بل ولا صوم الدهر ، ودين الإسلام يسر وحنيفية سمحة ، فليأكل المسلم من الطيب إذا أمكنه ، كما قال -تعالى- : لكني أصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآتي النساء ، وآكل اللحم . فمن رغب عن سنتي فليس مني لينفق ذو سعة من سعته وقد كان النساء أحب شيء إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- . وكذلك اللحم والحلواء والعسل والشراب الحلو البارد والمسك ، وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى الله تعالى . ثم العابد العري من العلم ، متى زهد وتبتل وجاع ، وخلا بنفسه ، وترك اللحم والثمار ، واقتصر على الدقة والكسرة ، صفت حواسه ولطفت ، ولازمته خطرات النفس ، وسمع خطابا يتولد من الجوع والسهر ، لا وجود لذلك الخطاب - والله - في الخارج ، وولج الشيطان في باطنه وخرج ، فيعتقد أنه قد وصل ، وخوطب وارتقى ، فيتمكن منه الشيطان ، ويوسوس له ، فينظر إلى المؤمنين بعين الازدراء ، ويتذكر ذنوبهم ، وينظر إلى نفسه بعين الكمال ، وربما آل به الأمر إلى أن يعتقد أنه ولي ، صاحب كرامات وتمكن ، وربما حصل له شك ، وتزلزل إيمانه . فالخلوة والجوع أبو جاد الترهب ، وليس ذلك من شريعتنا في شيء . بلى ، السلوك الكامل هو الورع في القوت ، والورع في المنطق ، وحفظ اللسان ، وملازمة الذكر ، وترك مخالطة العامة ، والبكاء على الخطيئة ، والتلاوة بالترتيل والتدبر ، ومقت النفس وذمها في ذات الله ، والإكثار من الصوم المشروع ، ودوام التهجد ، والتواضع للمسلمين ، وصلة الرحم ، والسماحة وكثرة البشر ، والإنفاق مع الخصاصة ، وقول الحق المر برفق وتؤدة ، والأمر بالعرف ، والأخذ بالعفو ، والإعراض عن الجاهلين ، والرباط بالثغر ، وجهاد العدو ، وحج البيت ، وتناول الطيبات [ ص: 91 ] في الأحايين ، وكثرة الاستغفار في السحر . فهذه شمائل الأولياء ، وصفات المحمديين . أماتنا الله على محبتهم .
وبالإسناد إلى أبي نعيم : حدثنا أبو أحمد الحافظ ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، سمعت أحمد بن أبي الحواري ، يقول : من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه . ثم روى أبو نعيم ، عن السلمي الحكايتين في تغريق كتب أحمد في البحر .
وبه : حدثنا عبد الله بن محمد إملاء ، حدثنا عمر بن بحر ، سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : بينا أنا في قبة بالمقابر بلا باب إلا كساء أسبلته ، فإذا أنا بامرأة تدق على الحائط ، فقلت : من هذا ؟ قالت : ضالة ، فدلني على الطريق . فقلت : رحمك الله ، أي الطريق تسلكين ، فبكت ، ثم قالت : على طريق النجاة ، يا أحمد . قلت : هيهات ! إن بيننا وبينها عقابا ، وتلك العقاب لا تقطع إلا بالسير الحثيث ، وتصحيح المعاملة ، وحذف العلائق الشاغلة . فبكت ، ثم قالت : سبحان من أمسك عليك جوارحك فلم تتقطع ، وفؤادك فلم يتصدع . ثم خرت مغشيا عليها .
فقلت لبعض النساء : أي شيء حالها ؟ فقمن ، ففتشنها ، فإذا وصيتها في جيبها : كفنوني في أثوابي هذه . فإن كان لي عند الله خير فهو أسعد لي ، وإن كان غير ذلك فبعدا لنفسي ، قلت : ما هي ؟ فحركوها ، فإذا هي ميتة .
فقلت : لمن هذه الجارية ؟ قالوا : جارية قرشية مصابة ، وكان قرينها يمنعها من الطعام ، وكانت تشكو إلينا وجعا بجوفها ، فكنا نصفها للأطباء ، فتقول : [ ص: 92 ] خلوا بيني وبين الطبيب الراهب ، تعني : أحمد بن أبي الحواري ، أشكو إليه بعض ما أجد من بلائي ، لعله أن يكون عنده شفائي .
وبه : حدثنا سليمان الطبراني ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال : كنت أسمع يبتدئ قبل أن يحدث ، فيقول : ما هنالك إلا عفوه ، ولا نعيش إلا في ستره ، ولو كشف الغطاء لكشف عن أمر عظيم . وكيعا
وبه : حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا إبراهيم بن نائلة ، حدثنا أحمد ، سمعت شعيب بن حرب يقول لرجل : إن دخلت القبر ومعك الإسلام ، فأبشر .
وبه : حدثنا إسحاق بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا ابن أبي الحواري ، قلت لأبي بكر بن عياش : حدثنا . قال : دعونا من الحديث ، فقد كبرنا ونسينا ، جيئونا بذكر المعاد وبذكر المقابر . لو أني أعرف أهل الحديث ، لأتيتهم إلى بيوتهم أحدثهم .
وبه قال أبو نعيم : أسند أحمد بن أبي الحواري عن المشاهير والأعلام ما لا يعد كثرة .
أبو الدحداح الدمشقي : حدثنا الحسين بن حامد أن كتاب المأمون ورد على إسحاق بن يحيى بن معاذ أمير دمشق : أن أحضر المحدثين بدمشق ، فامتحنهم . قال : فأحضر هشام بن عمار ، وسليمان بن عبد [ ص: 93 ] الرحمن ، وابن ذكوان ، وابن أبي الحواري ، فامتحنهم امتحانا ليس بالشديد ، فأجابوا خلا أحمد بن أبي الحواري ، فجعل يرفق به ، ويقول : أليس السماوات مخلوقة ؟ أليس الأرض مخلوقة ، وأحمد يأبى أن يطيعه ، فسجنه في دار الحجارة ، ثم أجاب بعد ، فأطلقه .
قال أحمد السلمي في " محن الصوفية " : أحمد بن أبي الحواري شهد عليه قوم أنه يفضل الأولياء على الأنبياء وبذلوا الخطوط عليه ، فهرب من دمشق إلى مكة ، وجاور حتى كتب إليه السلطان ، يسأله أن يرجع ، فرجع .
قلت : إن صحت الحكاية فهذا من كذبهم على أحمد ، هو كان أعلم بالله من أن يقول ذلك .
ونقل السلمي حكاية منكرة ، عن محمد بن عبد الله ، ونقلها ابن باكويه ، عن أبي بكر الغازي ، سمعا أبا بكر الشباك ، سمعت يوسف بن الحسين يقول : كان بين أبي سليمان الداراني وأحمد بن أبي الحواري عقد لا يخالفه في أمر ، فجاءه يوما وهو يتكلم في مجلسه ، فقال أحمد : إن التنور قد سجر ، فما تأمر ؟ فلم يجبه ، فأعاد مرتين أو ثلاثا ، فقال : اذهب فاقعد فيه - كأنه ضاق به - وتغافل أبو سليمان ساعة ثم ذكر ، فقال : اطلبوا أحمد فإنه في التنور ، لأنه على عقد أن لا يخالفني ، فنظروا فإذا هو في التنور لم يحترق منه شعرة . [ ص: 94 ] توفي أحمد سنة ست وأربعين ومائتين .
أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن عبد الرحيم بن محمد الكاغدي ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا ، حدثنا أبو نعيم الحافظ إسحاق بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا أبو معاوية ، عن ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة عائشة ، عن عاصم بن عمر ، قال : قال عمر -رضي الله عنه- : من يحرص على الإمارة لم يعدل فيها . توفي مع ابن أبي الحواري ، أحمد بن إبراهيم الدورقي وأبو عمر الدوري المقرئ ، ومحمد بن سليمان لوين ، والمسيب بن واضح ، ومحمد بن مصفى ، ، والحسين بن الحسن المروزي وحامد بن يحيى البلخي ، رحمهم الله .