الصفار
الملك ، أبو يوسف ، يعقوب بن الليث ، السجستاني ، المستولي على خراسان .
قيل : كان هو وأخوه عمرو بن الليث يعملان في النحاس ، فتزهدا ، وجاهدا مع صالح المطوعي المحارب للخوارج .
قال غلب ابن الأثير صالح على سجستان ، ثم استنقذها منه طاهر بن عبد الله بن طاهر ، فظهر بها درهم بن حسين المطوعي ، فاستولى أيضا عليها ، وجعل يعقوب بن الليث قائد عسكره ، ثم رأى أصحاب درهم عجزه ، فملكوا يعقوب لحسن سياسته ، فأذعن لهم درهم ، واشتهرت صولة [ ص: 514 ] يعقوب ، وغلبه على هراة وبوشنج ، وحارب الترك ، وظفر برتبيل ، فقتله ، وقتل ثلاثة ملوك ورجع معه ألوف من الرؤوس ، فهابته الملوك . وكان بوجهه ضربة سيف مخيطة .
بعث هدية إلى المعتز ، منها مسجد فضة يسع خمسة عشر نفسا ، يحمل على قطار جمال ، ثم إنه حارب متولي فارس ، ونصر عليه ، وقتل رجاله . فكتب إليه الصلحاء ينكرون عليه تسرعه في الدماء ، وحاصرهم ، وأخذ شيراز ، فأمنهم ، وأخذ من متوليها أربع مائة بدرة ، وعذبه ، ورد إلى سجستان ، فجبى الأموال .
وكان يحمل إلى المعتمد في العام خمسة آلاف ألف درهم . وقنع المعتمد بمداراته .
ثم أخذ بلخ ونيسابور ، وأسر متوليها ابن طاهر في ستين نفسا من آله ، وقصد جرجان ، فهزم المتغلب عليها ، وغنم منه ثلاثمائة حمل مال ، وأخذ آمل ثم التقاه الحسن بن زيد العلوي العلوي فهزم يعقوب ، ثم دخل جرجان ، فظلم وعسف ، فجاءت زلزلة قتلت من جنده ألفين .
واستغاث جماعة جرجانيون ببغداد من يعقوب ، فعزم المعتمد على حربه ، ونفذ كتبا إلى أعيان خراسان بذم يعقوب ، وبأن يهتموا لاستئصاله ، فكاتب المعتمد يخضع ويراوغ ، ويطلب التقليد بتوليه المشرق ، ففعل المعتمد ذاك وأخوه الموفق لاشتغالهم بحرب الزنج .
وأقبل يعقوب ليملك العراق ، وبرز المعتمد ، فالتقى الجمعان بدير العاقول ، وكشف الموفق الخوذة ، وحمل ، وقال : أنا الغلام الهاشمي . [ ص: 515 ] وكثرت القتلى ، فانهزم يعقوب ، وجرح أمراؤه ، وذهبت خزائنه ، وغرق منهم خلق في نهر .
وقال أبو الساج ليعقوب : ما رأيت منك شيئا من تدبير الحرب ، فكيف غلبت الناس ؟ فإنك تركت ثقلك وأسراءك أمامك ، وقصدت بلدا على جهل منك بأنهاره ومخائضه ، وأسرعت ، وأحوال جندك مختلة ؟ قال : لم أظن أني محارب ، ولم أشك في الظفر .
قال أبو الفرج الأصبهاني . لم تزل كتب يعقوب تصل إلى المعتمد بالمراوغة ، ويقول : عرفت أن نهوض أمير المؤمنين ليشرفني ويتلقاني . والمعتمد يبعث يحثه على الانصراف . فما نفع . ثم عبأ المعتمد جيوشه ، وشقوا المياه على الطرق ، فكان ذلك سبب كسرتهم ، وتوهم الناس أن انهزامه مكيدة فما تبعوه ، وخلص ابن طاهر ، فجاء في قيده إلى بين يدي المعتمد ، وكان بعض جيوش يعقوب نصارى ، وكان المصاف في رجب سنة 262 فذهب يعقوب إلى واسط ، ثم إلى تستر ، فأخذها ، وتراجع جيشه ، وعظمت وطأته ، وكاد أن يملك الدنيا ، ثم كان موته بالقولنج ، ووصفت له حقنة ، فأبى ، وتلف بعد أسبوعين ، وكان المعتمد قد بعث إليه رسولا يترضاه ، ويتألفه ، وكان العلوي صاحب جرجان يسميه : يعقوب السندان من ثباته . وقل أن رئي متبسما .
مات بجنديسابور في سنة خمس وستين ومائتين .