المهتدي بالله
أمير المؤمنين ، المهتدي بالله ، أبو إسحاق ، وأبو عبد الله ، محمد بن الواثق هارون بن المعتصم محمد بنب الرشيد العباسي .
مولده في دولة جده .
وبويع ابن بضع و ثلاثين سنة لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين . وما قبل مبايعة أحد حتى أحضر
nindex.php?page=showalam&ids=15268المعتز بالله . فلما رآه قام له ،
[ ص: 536 ]
وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وجلس بين يديه ، فجيء بشهود ، فشهدوا على
المعتز أنه عاجز عن أعباء الإمامة ، وأقر بذلك ، ومد يده ، فبايع ابن عمه
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي بالله ، فارتفع حينئذ
المهتدي إلى صدر المجلس ، وقال : لا يجتمع سيفان في غمد ، وأنشد قول
ابن أبي ذؤيب :
تريدين كيما تجمعيني وخالدا وهل يجمع السيفان ، ويحك في غمد؟
!
وكان
المهتدي أسمر رقيقا ، مليح الوجه ، ورعا عادلا صالحا متعبدا بطلا شجاعا ، قويا في أمر الله ، خليقا للإمارة ، لكنه لم يجد معينا ولا ناصرا ، والوقت قابل للإدبار .
نقل
الخطيب عن
أبي موسى العباسي . أنه مازال صائما منذ استخلف إلى أن قتل .
وقال
أبو العباس هاشم بن القاسم : كنت عند
المهتدي عشية في رمضان ، فقمت لأنصرف ، فقال : اجلس . فجلست ، فصلى بنا ، ودعا بالطعام ، فأحضر طبق خلاف عليه أرغفة وآنية فيها ملح وزيت وخل ، فدعاني إلى الأكل ، فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ . فقال : ألم تكن صائما ؟ قلت : بلى . قال : فكل واستوف ، فليس هنا غير ما ترى ؟ ! فعجبت ، ثم قلت : ولم يا أمير المؤمنين ، وقد أنعم الله عليك ؟ قال : إني فكرت أنه كان في
بني أمية عمر بن عبد العزيز ، فغرت على
بني هاشم ، وأخذت نفسي بما رأيت .
[ ص: 537 ]
قال
ابن أبي الدنيا : حدثنا
أبو النضر المروزي ، قال لي
جعفر بن عبد الواحد : ذاكرت
المهتدي بشيء ، فقلت له : كان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يقول به ، ولكنه كان يخالف ، كأني أشرت إلى آبائه ، فقال : رحم الله
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، لو جاز لي لتبرأت من أبي ، تكلم بالحق وقل به ، فإن الرجل ليتكلم بالحق فينبل في عيني .
قال
نفطويه أخبرنا بعض الهاشميين أنه وجد
للمهتدي صفط فيه جبة صوف ، وكساء كان يلبسه في الليل ، ويصلي فيه . وكان قد اطرح الملاهي ، وحرم الغناء ، وحسم أصحاب السلطان عن الظلم ، وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين ، يجلس بنفسه ، ويجلس بين يديه الكتاب ، يعملون الحساب ، ويلزم الجلوس يومي الخميس والاثنين ، وقد ضرب جماعة من الكبار ، ونفى
جعفر بن محمود إلى
بغداد لرفض فيه ، وقدم
موسى بن بغا من
الري فكرهه ، وبعث
بعبد الصمد بن موسى الهاشمي يأمره بالرجوع ، فلم يفعل ، وعزل من القضاء
ابن أبي الشوارب ، وحبسه ، وولى مكانه
عبد الرحمن بن نائل البصري .
وفي أوائل خلافته عبأ
موسى بن بغا جيشه ، وشهر السلاح
بسامراء لقتل
صالح بن وصيف بدم
المعتز ، ولأخذه أموال أمه
قبيحة ، وأموال الدواوين . وصاحت الغوغاء على
صالح : يا فرعون ، جاءك
موسى . فطلب
موسى الإذن على
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي بالله ، فلم يأذن له ، فهجم بمن معه
والمهتدي جالس في دار العدل ، فأقاموه وحملوه على أكدش ، وانتهبوا
[ ص: 538 ] القصر . ولما دخلوا
دار ناجور أدخلوا
المهتدي إليها ، وهو يقول : يا
موسى ، اتق الله ، ويحك ما تريد ؟ ! ! قال : والله ما نريد إلا خيرا ، وحلف له لا نالك سوء . ثم حلفوه أن لا يمالئ
صالح بن وصيف ، فحلف لهم ، فبايعوه حينئذ ، ثم طلبوا
صالحا ليحاققوه ، فاختفى .
ورد
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي بالله إلى داره ، ثم قتل
صالح شر قتلة فيما بعد .
وفي المحرم من سنة ست ذكر أن
سيما الشرابي زعم أن امرأة جاءت بكتاب فيه نصيحة لأمير المؤمنين ، وإن طلبتموني فأنا في مكان كذا وكذا . قال : فطلبت ، فلم تقع ، فجمع الأمراء ، وقال : هذا كتاب تعرفونه ؟ فقال رجل : نعم هو خط صالح ، وفيه يذكر أنه مستخف
بسامراء ، وأن الأموال علمها عند
الحسن بن مخلد . وكان كتابه دالا على قوة نفسه ، فأشار
المهتدي بالصلح ، فاتهمه
ابن بغا وذووه ، ونافسوه ، ثم من الغد تكلموا في خلعه ، فقال
باكيال : ويحكم ! قتلتم
ابن المتوكل ، وتريدون قتل هذا الصوام الدين ! لئن فعلتم لأصيرن إلى
خراسان ، ولأشنعن عليكم . ثم خرج
المهتدي وعليه ثياب بيض وتقلد سيفا ، وأمر بإدخالهم إليه . فقال : قد بلغني شأنكم ، ولست
كالمستعين والمعتز ، والله ما خرجت إلا وأنا متحنط ، وقد أوصيت ، وهذا سيفي فلأضربن به ما استمسك بيدي . أما دين أما حياء ، أما رعة ؟ كم يكون الخلاف على الخلفاء ، والجرأة على الله ؟ ثم قال : ما أعلم أين هو
صالح . قالوا : فاحلف لنا . قال : إذا كان يوم الجمعة ، وصليت حلفت ، فرضوا
[ ص: 539 ] وانفصلوا على هذا .
ثم ورد من
فارس مال نحو عشرة آلاف ألف درهم ، فانتشر في العامة أن
الأتراك على خلع
المهتدي ، فثار العوام والقواد ، وكتبوا رقاعا ألقوها في المساجد : معاشر المسلمين ، ادعوا لخليفتكم العدل الرضي المضاهي
عمر بن عبد العزيز أن ينصره الله على عدوه .
وراسل أهل الكرخ والدور
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي بالله في الوثوب على
موسى بن بغا ، فجزاهم خيرا ، ووعدهم بالجميل ، وعاثت
الزنج بالبصرة ،
ويعقوب الصفار بخراسان . وقتل
المهتدي الأمير باكيال ، فثار أصحابه ، وأحاطوا
بدار الجوسق ، فألقي الرأس إليهم ، وركب أعوان الخليفة ، فتمت ملحمة كبرى ، قتل فيها من
الأتراك ألوف وقيل بل ألف في رجب سنة ست ، ثم أصبحوا على الحرب ، فركب
المهتدي ،
وصالح بن علي في عنقه المصحف يصيح : أيها الناس ، انصروا إمامكم ، فحمل عليه أخو
باكيال في خمسمائة ، وخامر
الأتراك الذين مع الخليفة إليه ، وحمي الوطيس ، وتفلل جمع
المهتدي واستحر بهم القتل . فولى والسيف في يده يقول : أيها الناس ، قاتلوا عن خليفتكم ، ثم دخل دار
صالح بن محمد بن يزداد ، ورمى السلاح ، ولبس البياض ليهرب من السطح ، وجاء حاجب
باكيال ، فأعلم به فهرب ، فرماه واحد بسهم ، ونفحه بالسيف ، ثم حمل إلى الحاجب ، فأركبوه بغلا وخلفه سائس ، وضربوه وهم يقولون : أين الذهب ؟ فأقر لهم بستمائة ألف دينار مودعة
ببغداد ، فأخذوا خطه بها . وعصر تركي على أنثييه فمات ، وقيل : أرادوا منه أن يخلع نفسه ، فأبى ، فقتلوه -رحمه الله- وبايعوا
المعتمد على الله .
[ ص: 540 ] بنو المهتدي بالله :
أبو جعفر عبد الله ،
وأبو الحسن عبد الصمد ،
وأبو بكر عبد الرحمن ،
وأبو أحمد عبد الله ،
وأبو الفضل هبة الله . وفي ذريته علماء وخطباء .
الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ ، أَبُو إِسْحَاقَ ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، مُحَمَّدُ بْنُ الْوَاثِقِ هَارُونَ بْنِ الْمُعْتَصِمِ مُحَمَّدِ بْنِب الرَّشِيدِ الْعَبَّاسِيُّ .
مَوْلِدُهُ فِي دَوْلَةِ جَدِّهِ .
وَبُويِعَ ابْنُ بِضْعٍ وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً لِلَّيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ . وَمَا قَبِلَ مُبَايَعَةَ أَحَدٍ حَتَّى أَحْضَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15268الْمُعْتَزَّ بِاللَّهِ . فَلَمَّا رَآهُ قَامَ لَهُ ،
[ ص: 536 ]
وَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَجِيءَ بِشُهُودٍ ، فَشَهِدُوا عَلَى
الْمُعْتَزِّ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ أَعْبَاءِ الْإِمَامَةِ ، وَأَقَرَّ بِذَلِكَ ، وَمَدَّ يَدَهُ ، فَبَايَعَ ابْنَ عَمِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15345الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ ، فَارْتَفَعَ حِينَئِذٍ
الْمُهْتَدِي إِلَى صَدْرِ الْمَجْلِسِ ، وَقَالَ : لَا يَجْتَمِعُ سَيْفَانِ فِي غِمْدٍ ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ
ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ :
تُرِيدِينَ كَيْمَا تَجْمَعِينِي وَخَالِدًا وَهَلْ يُجْمَعُ السَّيْفَانِ ، وَيْحَكِ فِي غِمْدِ؟
!
وَكَانَ
الْمُهْتَدِي أَسْمَرَ رَقِيقًا ، مَلِيحَ الْوَجْهِ ، وَرِعًا عَادِلًا صَالِحًا مُتَعَبِّدًا بَطَلًا شُجَاعًا ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ ، خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مُعِينًا وَلَا نَاصِرًا ، وَالْوَقْتُ قَابِلٌ لِلْإِدْبَارِ .
نَقَلَ
الْخَطِيبُ عَنْ
أَبِي مُوسَى الْعَبَّاسِيِّ . أَنَّهُ مَازَالَ صَائِمًا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ إِلَى أَنْ قُتِلَ .
وَقَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ : كُنْتُ عِنْدَ
الْمُهْتَدِي عَشِيَّةً فِي رَمَضَانَ ، فَقُمْتُ لِأَنْصَرِفَ ، فَقَالَ : اجْلِسْ . فَجَلَسْتُ ، فَصَلَّى بِنَا ، وَدَعَا بِالطَّعَامِ ، فَأَحْضَرَ طَبَقَ خِلَافٍ عَلَيْهِ أَرْغِفَةٌ وَآنِيَةٌ فِيهَا مِلْحٌ وَزَيْتٌ وَخَلٌّ ، فَدَعَانِي إِلَى الْأَكْلِ ، فَأَكَلْتُ أَكْلَ مَنْ يَنْتَظِرُ الطَّبِيخَ . فَقَالَ : أَلَمْ تَكُنْ صَائِمًا ؟ قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : فَكُلْ وَاسْتَوْفِ ، فَلَيْسَ هُنَا غَيْرُ مَا تَرَى ؟ ! فَعَجِبْتُ ، ثُمَّ قُلْتُ : وَلِمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : إِنِّي فَكَّرْتُ أَنَّهُ كَانَ فِي
بَنِي أُمِّيَّةَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَغِرْتُ عَلَى
بَنِي هَاشِمٍ ، وَأَخَذْتُ نَفْسِي بِمَا رَأَيْتَ .
[ ص: 537 ]
قَالَ
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا
أَبُو النَّضْرِ الْمَرْوَزِيُّ ، قَالَ لِي
جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ : ذَاكَرْتُ
الْمُهْتَدِيَ بِشَيْءٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُخَالَفُ ، كَأَنِّي أَشَرْتُ إِلَى آبَائِهِ ، فَقَالَ : رَحِمَ اللَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ، لَوْ جَازَ لِي لَتَبَرَّأْتُ مِنْ أَبِي ، تَكَلَّمْ بِالْحَقِّ وَقُلْ بِهِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَتَكَلَّمُ بِالْحَقِّ فَيَنْبُلُ فِي عَيْنِي .
قَالَ
نِفْطَوَيْهِ أَخْبَرَنَا بَعْضُ الْهَاشِمِيِّينَ أَنَّهُ وُجِدَ
لِلْمُهْتَدِي صَفَطٌ فِيهِ جُبَّةُ صُوفٍ ، وَكِسَاءٌ كَانَ يَلْبَسُهُ فِي اللَّيْلِ ، وَيُصَلِّي فِيهِ . وَكَانَ قَدِ اطَّرَحَ الْمَلَاهِيَ ، وَحَرَّمَ الْغِنَاءَ ، وَحَسَمَ أَصْحَابَ السُّلْطَانِ عَنِ الظُّلْمِ ، وَكَانَ شَدِيدَ الْإِشْرَافِ عَلَى أَمْرِ الدَّوَاوِينِ ، يَجْلِسُ بِنَفْسِهِ ، وَيُجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكُتَّابَ ، يَعْمَلُونَ الْحِسَابَ ، وَيَلْزَمُ الْجُلُوسَ يَوْمَيِ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ ، وَقَدْ ضَرَبَ جَمَاعَةً مِنَ الْكِبَارِ ، وَنَفَى
جَعْفَرَ بْنَ مَحْمُودٍ إِلَى
بَغْدَادَ لِرَفْضٍ فِيهِ ، وَقَدِمَ
مُوسَى بْنُ بُغَا مِنَ
الرَّيِّ فَكَرِهَهُ ، وَبَعَثَ
بِعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى الْهَاشِمِيِّ يَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، وَعَزَلَ مِنَ الْقَضَاءِ
ابْنَ أَبِي الشَّوَارِبِ ، وَحَبَسَهُ ، وَوَلَّى مَكَانَهُ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ نَائِلٍ الْبَصْرِيَّ .
وَفِي أَوَائِلِ خِلَافَتِهِ عَبَّأَ
مُوسَى بْنُ بُغَا جَيْشَهُ ، وَشَهَرَ السِّلَاحَ
بِسَامَرَّاءَ لِقَتْلِ
صَالِحِ بْنِ وَصَيْفٍ بِدَمِ
الْمُعْتَزِّ ، وَلِأَخْذِهِ أَمْوَالَ أُمِّهِ
قَبِيحَةَ ، وَأَمْوَالَ الدَّوَاوِينِ . وَصَاحَتِ الْغَوْغَاءُ عَلَى
صَالِحٍ : يَا فِرْعَوْنُ ، جَاءَكَ
مُوسَى . فَطَلَبَ
مُوسَى الْإِذْنَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15345الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ ، فَهَجَمَ بِمَنْ مَعَهُ
وَالْمُهْتَدِي جَالِسٌ فِي دَارِ الْعَدْلِ ، فَأَقَامُوهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى أَكْدَشَ ، وَانْتَهَبُوا
[ ص: 538 ] الْقَصْرَ . وَلَمَّا دَخَلُوا
دَارَ نَاجُورَ أَدْخَلُوا
الْمُهْتَدِي إِلَيْهَا ، وَهُوَ يَقُولُ : يَا
مُوسَى ، اتَّقِ اللَّهَ ، وَيْحَكَ مَا تُرِيدُ ؟ ! ! قَالَ : وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ إِلَّا خَيْرًا ، وَحَلَفَ لَهُ لَا نَالَكَ سُوءٌ . ثُمَّ حَلَّفُوهُ أَنْ لَا يُمَالِئَ
صَالِحَ بْنَ وَصَيْفٍ ، فَحَلَفَ لَهُمْ ، فَبَايَعُوهُ حِينَئِذٍ ، ثُمَّ طَلَبُوا
صَالِحًا لِيُحَاقِقُوهُ ، فَاخْتَفَى .
وَرُدَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15345الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ إِلَى دَارِهِ ، ثُمَّ قُتِلَ
صَالِحٌ شَرَّ قِتْلَةٍ فِيمَا بَعْدُ .
وَفِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ ذُكِرَ أَنَّ
سِيَمَا الشَّرَابِيَّ زَعَمَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِكِتَابٍ فِيهِ نَصِيحَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنْ طَلَبْتُمُونِي فَأَنَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَطُلِبْتُ ، فَلَمْ تَقَعْ ، فَجَمَعَ الْأُمَرَاءَ ، وَقَالَ : هَذَا كِتَابٌ تَعْرِفُونَهُ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ هُوَ خَطُّ صَالِحٍ ، وَفِيهِ يَذْكُرُ أَنَّهُ مُسْتَخِفٍّ
بِسَامَرَّاءَ ، وَأَنَّ الْأَمْوَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ
الْحَسَنِ بْنِ مَخْلَدٍ . وَكَانَ كِتَابُهُ دَالًّا عَلَى قُوَّةِ نَفْسِهِ ، فَأَشَارَ
الْمُهْتَدِي بِالصُّلْحِ ، فَاتَّهَمَهُ
ابْنُ بُغَا وَذَوُوهُ ، وَنَافَسُوهُ ، ثُمَّ مِنَ الْغَدِ تَكَلَّمُوا فِي خَلْعِهِ ، فَقَالَ
بَاكْيَالُ : وَيْحَكُمُ ! قَتَلْتُمُ
ابْنَ الْمُتَوَكِّلِ ، وَتُرِيدُونَ قَتْلَ هَذَا الصَّوَّامِ الدَّيِّنِ ! لَئِنْ فَعَلْتُمْ لِأَصِيرَنَّ إِلَى
خُرَاسَانَ ، وَلَأُشَنِّعَنَّ عَلَيْكُمْ . ثُمَّ خَرَجَ
الْمُهْتَدِي وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ وَتَقَلَّدَ سَيْفًا ، وَأَمَرَ بِإِدْخَالِهِمْ إِلَيْهِ . فَقَالَ : قَدْ بَلَغَنِي شَأْنُكُمْ ، وَلَسْتُ
كَالْمُسْتَعِينِ وَالْمُعْتَزِّ ، وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ إِلَّا وَأَنَا مُتَحَنِّطٌ ، وَقَدْ أَوْصَيْتُ ، وَهَذَا سَيَفِي فَلَأَضْرِبَنَّ بِهِ مَا اسْتَمْسَكَ بِيَدِي . أَمَا دِينٌ أَمَا حَيَاءٌ ، أَمَا رِعَةٌ ؟ كَمْ يَكُونُ الْخِلَافُ عَلَى الْخُلَفَاءِ ، وَالْجُرْأَةُ عَلَى اللَّهِ ؟ ثُمَّ قَالَ : مَا أَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ
صَالِحٌ . قَالُوا : فَاحْلِفْ لَنَا . قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ ، وَصَلَّيْتُ حَلَفْتُ ، فَرَضُوا
[ ص: 539 ] وَانْفَصَلُوا عَلَى هَذَا .
ثُمَّ وَرَدَ مِنْ
فَارِسَ مَالٌ نَحْوُ عَشَرَةِ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَانْتَشَرَ فِي الْعَامَّةِ أَنَّ
الْأَتْرَاكَ عَلَى خَلْعِ
الْمُهْتَدِي ، فَثَارَ الْعَوَامُّ وَالْقُوَّادُ ، وَكَتَبُوا رِقَاعًا أَلْقَوْهَا فِي الْمَسَاجِدِ : مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ ، ادْعُوا لِخَلِيفَتِكُمُ الْعَدْلِ الرَّضِيِّ الْمُضَاهِي
عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّهِ .
وَرَاسَلَ أَهْلُ الْكَرْخِ وَالدُّورِ
nindex.php?page=showalam&ids=15345الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ فِي الْوُثُوبِ عَلَى
مُوسَى بْنِ بُغَا ، فَجَزَاهُمْ خَيْرًا ، وَوَعَدَهُمْ بِالْجَمِيلِ ، وَعَاثَتِ
الزَّنْجُ بِالْبَصْرَةِ ،
وَيَعْقُوبُ الصَّفَّارُ بِخُرَاسَانَ . وَقَتَلَ
الْمُهْتَدِي الْأَمِيرَ بَاكْيَالَ ، فَثَارَ أَصْحَابُهُ ، وَأَحَاطُوا
بِدَارِ الْجَوْسَقِ ، فَأُلْقِيَ الرَّأْسُ إِلَيْهِمْ ، وَرَكِبَ أَعْوَانُ الْخَلِيفَةِ ، فَتَمَّتْ مَلْحَمَةٌ كُبْرَى ، قُتِلَ فِيهَا مِنَ
الْأَتْرَاكِ أُلُوفٌ وَقِيلَ بَلْ أَلْفٌ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ ، ثُمَّ أَصْبَحُوا عَلَى الْحَرْبِ ، فَرَكِبَ
الْمُهْتَدِي ،
وَصَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ فِي عُنُقِهِ الْمُصْحَفُ يَصِيحُ : أَيُّهَا النَّاسُ ، انْصُرُوا إِمَامَكُمْ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَخُو
بَاكْيِالَ فِي خَمْسِمِائَةٍ ، وَخَامَرَ
الْأَتْرَاكَ الَّذِينَ مَعَ الْخَلِيفَةِ إِلَيْهِ ، وَحَمِيَ الْوَطِيسُ ، وَتَفَلَّلَ جَمْعُ
الْمُهْتَدِي وَاسْتَحَرَّ بِهِمُ الْقَتْلُ . فَوَلَّى وَالسَّيْفُ فِي يَدِهِ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ ، قَاتِلُوا عَنْ خَلِيفَتِكُمْ ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ
صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزْدَادَ ، وَرَمَى السِّلَاحَ ، وَلَبِسَ الْبَيَاضَ لِيَهْرُبَ مِنَ السَّطْحِ ، وَجَاءَ حَاجِبُ
بَاكْيِالَ ، فَأُعْلِمَ بِهِ فَهَرَبَ ، فَرَمَاهُ وَاحِدٌ بِسَهْمٍ ، وَنَفَحَهُ بِالسَّيْفِ ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى الْحَاجِبِ ، فَأَرْكَبُوهُ بَغْلًا وَخَلْفَهُ سَائِسٌ ، وَضَرَبُوهُ وَهُمْ يَقُولُونَ : أَيْنَ الذَّهَبُ ؟ فَأَقَرَّ لَهُمْ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ مُودَعَةٍ
بِبَغْدَادَ ، فَأَخَذُوا خَطَّهُ بِهَا . وَعَصَرَ تُرْكِيٌّ عَلَى أُنْثَيَيْهِ فَمَاتَ ، وَقِيلَ : أَرَادُوا مِنْهُ أَنْ يَخْلَعَ نَفْسَهُ ، فَأَبَى ، فَقَتَلُوهُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَبَايَعُوا
الْمُعْتَمِدَ عَلَى اللَّهِ .
[ ص: 540 ] بَنُو الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ :
أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ ،
وَأَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الصَّمَدِ ،
وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ،
وَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ ،
وَأَبُو الْفَضْلِ هِبَةُ اللَّهِ . وَفِي ذُرِّيَّتِهِ عُلَمَاءُ وَخُطَبَاءُ .