ابن أسد بن عبيد الله بن بشير بن صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكرة نفيع بن الحارث ، الثقفي البكراوي البصري ، القاضي الكبير ، العلامة المحدث ، أبو بكرة ، الفقيه الحنفي ، قاضي القضاة بمصر .
مولده في سنة اثنتين وثمانين ومائة بالبصرة .
وسمع أبا داود الطيالسي ، ، وروح بن عبادة وعبد الله بن بكر السهمي ، وأبا عاصم ، ، ووهب بن جرير وسعيد بن عامر الضبعي ، وطبقتهم .
وعني بالحديث ، وكتب الكثير ، وبرع في الفروع ، وصنف واشتغل .
حدث عنه : أبو عوانة في " صحيحه " ، وابن خزيمة ، وعبد الله بن عتاب الزفتي ، ويحيى بن صاعد ، وابن جوصا ، ، وأبو جعفر الطحاوي وابن زياد النيسابوري ، ، وابن أبي حاتم ، ومحمد بن المسيب الأرغياني وأبو علي بن حبيب الحصائري ، وأبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو الخامي ، وأحمد بن سليمان بن حذلم ، ومحمد بن محمد بن أبي حذيفة الدمشقي ، وأبو العباس الأصم ، والحسن بن محمد بن النعمان الصيداوي ، وأبو بكر محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري ، وأحمد بن عبد الله الناقد ، وخلق كثير من أهل مصر ودمشق ، ومن الرحالة ، وكان من قضاة العدل . [ ص: 600 ]
قال : حدثنا أبو بكر بن المقرئ محمد بن بكر الشعراني بالقدس ، حدثنا أحمد بن سهل الهروي قال : كنت ساكنا في جوار بكار بن قتيبة ، فانصرفت بعد العشاء ، فإذا هو يقرأ : يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله قال : ثم نزلت في السحر ، فإذا هو يقرؤها ، ويبكي ، فعلمت أنه كان يتلوها من أول الليل .
قال محمد بن يوسف الكندي : قدم بكار قاضيا إلى أن توفي ، فأقامت مصر بلا قاض بعده سبع سنين ، ثم ولى خمارويه محمد بن عبدة القضاء . قال : وكان أحمد بن طولون أراد بكارا على لعن الموفق ، -يعني : ولي العهد- فامتنع ، فسجنه ، إلى أن مات أحمد بن طولون ، فأطلق القاضي بكار ، وبقي يسيرا ومات ، فغسل ليلا ، وكثر الناس ، فلم يدفن إلى العصر .
قلت : كان عظيم الحرمة ، وافر الجلالة ، من العلماء العاملين ، كان السلطان ينزل إليه ، ويحضر مجلسه ، فذكر أبو أن جعفر الطحاوي بكار بن قتيبة استعظم فسخ حكم في قضية الحارث بن مسكين ابن السائح ، -يعني لما حكم عليه- فأخرج من يده دار الفيل ، وتوجه ابن السائح إلى العراق بغوث على ابن مسكين . قال : وكان الطحاوي الحارث إنما حكم فيها بمذهب أهل المدينة ، فلم يزل يكلم القاضي يونس بن عبد الأعلى بكارا ، ويجسده حتى جسد ، ورد إلى ابني السائح الدار . ولا أحصي كم كان أحمد بن طولون يجيء إلى مجلس بكار وهو يملي ، ومجلسه مملوء بالناس ، فيتقدم الحاجب ، ويقول : لا يتغير أحد من مكانه ، فما يشعر بكار إلا وأحمد إلى جانبه ، فيقول له : أيها الأمير ، ألا تركتني كنت أقضي [ ص: 601 ] حقك وأقوم ؟ قال : ثم فسد الحال بينهما حتى حبسه ، وفعل به ما فعل .
وقيل : إن بكارا صنف كتابا ينقض فيه على رده على الشافعي أبي حنيفة ، وكان يأنس بيونس بن عبد الأعلى ، ويسأله عن أهل مصر وعدولهم . ولما اعتقله لم يمكنه أن يعزله; لأن القضاء لم يكن إليه أمره . ابن طولون
وقيل : إن بكارا كان يشاور في حكم يونس ، والرجل الصالح موسى ولد عبد الرحمن بن القاسم ، فبلغنا أن موسى سأله : من أين المعيشة ؟ قال : من وقف لأبي أتكفى به . قال : أريد أن أسألك يا أبا بكرة ، هل ركبك دين بالبصرة ؟ قال : لا . قال : فهل لك ولد أو زوجة ؟ قال : ما نكحت قط ، وما عندي سوى غلامي . قال : فأكرهك السلطان على القضاء؟ قال : لا . قال : فضربت آباط الإبل بغير حاجة إلا لتلي الدماء والفروج ؟ لله علي لا عدت إليك ، قال : أقلني يا أبا هارون . قال : أنت ابتدأت بمسألتي ، انصرف ، ولم يعد إليه .
قلت : رضي الله عن موسى ، فلقد صدقه ، وصدعه بالحق . ولم يكن بكار مكابرا ، فيقول : تعين علي القضاء .
وقال الحسن بن زولاق في ترجمة بكار : لما اعتل أحمد بن طولون ، راسل بكارا ، وقال : إنا رادوك إلى منزلك ، فأجبني ، فقال : [ ص: 602 ] قل له : شيخ فان وعليل مدنف ، والملتقى قريب ، والقاضي الله عز وجل . فأبلغها الرسول أحمد ، فأطرق ، ثم أقبل يكرر ذلك على نفسه ، ثم أمر بنقله من السجن إلى دار اكتريت له ، وفيها كان يحدث ، فلما مات الملك قيل لأبي بكرة : انصرف إلى منزلك ، فقال : هذه الدار بأجرة ، وقد صلحت لي ، فأقام بها .
قال : فأقام بها بعد الطحاوي أحمد أربعين يوما ومات .
قلت : كان ولي العهد الموفق قد استبد بالأمور ، وضيق على أخيه الخليفة المعتمد .
قال الصولي : تخيل المعتمد من أخيه ، فكاتب أحمد بن طولون ، واتفقا ، وقال المعتمد :
أليس من العجائب أن مثلي يرى ما قل ممتنعا عليه وتؤكل باسمه الدنيا جميعا
وما من ذاك شيء في يديه؟
فبلغنا أن جمع العلماء والأعيان ، وقال : قد نكث ابن طولون بأمير المؤمنين ، فاخلعوه من العهد فخلعوه ، إلا الموفق أبو أحمد بكار بن قتيبة . وقال : أنت أوردت علي كتاب المعتمد بتوليته العهد ، فهات كتابا آخر منه بخلعه . قال : إنه محجور عليه ومقهور؟ قال : لا أدري . فقال له : غرك الناس بقولهم : ما في الدنيا مثل بكار ، أنت قد خرفت وقيده وحبسه ، وأخذ منه جميع عطائه من سنين ، فكان عشرة آلاف دينار ، فقيل : إنها وجدت بختومها وحالها . وبلغ ذلك الموفق ، فأمر بلعن على المنابر . [ ص: 603 ] ونقل القاضي ابن طولون ابن خلكان أن كان ينفذ إلى ابن طولون بكار في العام ألف دينار ، سوى المقرر له ، فيتركها بختمها ، فلما دعاه إلى خلع الموفق ، طالبه بجملة المال ، فحمله إليه بختومه ثمانية عشر كيسا ، فاستحيا عند ذلك ، ثم أمره أن يسلم القضاء إلى ابن طولون محمد بن شاذان الجوهري ، ففعل ، واستخلفه ، وكان يحدث من طاقة السجن; لأن أصحاب الحديث طلبوا ذلك من أحمد ، فأذن لهم على هذه الصورة .
قال ابن خلكان : وكان بكار تاليا للقرآن ، بكاء صالحا دينا ، وقبره مشهور قد عرف باستجابة الدعاء عنده .
قال : كان على نهاية في الحمد على ولايته ، وكان الطحاوي على نهاية في تعظيمه وإجلاله إلى أن أراد منه خلع ابن طولون الموفق ، قال : فلما رأى أنه لا يلتئم له ما يحاوله ألب عليه سفهاء الناس ، وجعله لهم خصما ، فكان يقعد له من يقيمه ، مقام الخصوم ، فلا يأبى ، ويقوم بالحجة لنفسه ، ثم حبسه في دار ، فكان كل جمعة يلبس ثيابه وقت الصلاة ، ويمشي إلى الباب ، فيقولون له الموكلون به : ارجع ، فيقول : اللهم اشهد .
قال أبو عمر الكندي : قدم بكار قاضيا من قبل المتوكل في جمادى [ ص: 604 ] الآخرة سنة ست وأربعين ومائتين ، فلم يزل قاضيا إلى أن توفي في ذي الحجة سنة سبعين ومائتين . وقيل : شيعه خلق عظيم أكثر ممن يشهد صلاة العيد ، وأمهم عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة الثقفي . رحمه الله تعالى .
قلت : عاش تسعا وثمانين سنة .
وفيها مات أحمد بن طولون صاحب مصر ، وإبراهيم بن مرزوق ، وأسيد بن عاصم ، والحسن بن علي بن عفان ، والربيع المرادي ، وزكريا بن يحيى المروزي ، وعباس بن الوليد بن مزيد ، ، ومحمد بن مسلم بن وارة ومحمد بن هشام بن ملاس ، ومحمد بن ماهان رفيقه ، وأحمد بن المقدام الهروي ، وأحمد بن عبد الله البرقي ، ، وداود الظاهري وأبو بكر الصغاني ، وأبو البختري ابن شاكر .
أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورا في سنة تسع وست مائة ، أخبرنا علي بن المسلم ، أخبرنا ابن طلاب ، أخبرنا ابن جميع ، حدثنا الحسن بن محمد بن النعمان بصور ، حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو مطرف بن أبي الوزير ، حدثنا موسى بن عبد الملك بن عمير ، عن أبيه ، عن شيبة الحجبي ، عن عمه -يعني : عثمان بن طلحة - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ثلاث يصفين لك ود أخيك : تسلم عليه إذا لقيته ، وتوسع له في المجلس ، وتدعوه بأحب أسمائه إليه . [ ص: 605 ]
أخبرنا علي بن أحمد الحسيني بالإسكندرية ، أخبرنا محمد بن أحمد ببغداد ، أخبرنا محمد بن عبيد الله ، أخبرنا أبو نصر الزينبي ، أخبرنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا يحيى بن محمد ، حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا ، حدثنا أبو داود الطيالسي سليم بن حيان ، حدثنا ، حدثنا سعيد بن ميناء ابن الزبير ، عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها : لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية ، لهدمت الكعبة ، وألزقتها بالأرض ، ولجعلت لها بابين : بابا شرقيا ، وبابا غربيا ، ولزدت ستة أذرع من الحجر في البيت ، فإن قريشا استقصرت لما بنت البيت . أخبرتني