وروى عن ، قال : الناس على أربع طبقات : مليح يتملح ، ومليح يتبغض ، وبغيض يتملح ، وبغيض يتبغض ، فالأول : هو المنى ، الثاني : يحتمل ، وأما بغيض يتملح ، فإني أرحمه ، وأما البغيض ، الذي يتبغض ، فأفر منه . إبراهيم الحربي
قال ابن بشكوال في أخبار : نقلت من كتاب إبراهيم الحربي ابن عتاب : كان رجلا صالحا من أهل العلم ، بلغه أن قوما من الذين كانوا يجالسونه يفضلونه على إبراهيم الحربي ، فوقفهم على ذلك ، فأقروا به ، فقال : ظلمتموني بتفضيلكم لي على رجل لا أشبهه ، ولا ألحق به في حال من أحواله ، فأقسم بالله ، لا أسمعكم شيئا من العلم أبدا ، فلا تأتوني بعد يومكم . أحمد بن حنبل
مات الحربي ببغداد ، فدفن في داره يوم الاثنين ، لسبع بقين من ذي الحجة ، سنة خمس وثمانين ومائتين في أيام المعتضد .
قال المسعودي : كانت وفاة الحربي المحدث الفقيه في الجانب [ ص: 365 ] الغربي ، وله نيف وثمانون سنة . . . . وكان صدوقا ، عالما ، فصيحا ، جوادا ، عفيفا ، زاهدا ، عابدا ، ناسكا ، وكان مع ذلك ضاحك السن ، ظريف الطبع . . . ولم يكن معه تكبر ولا تجبر ، وربما مزح مع أصدقائه بما يستحسن منه ، ويستقبح من غيره .
وكان شيخ البغداديين في وقته ، وظريفهم ، وزاهدهم ، وناسكهم ، ومسندهم في الحديث ، وكان يتفقه لأهل العراق ، وكان له مجلس في المسجد الجامع الغربي يوم الجمعة ، فأخبرني إبراهيم بن جابر ، قال : كنت أجلس في حلقة ، وكان يجلس إلينا غلامان في نهاية الحسن والجمال من الصورة والبزة وكأنهما روح في جسد ، إن قاما قاما معا ، وإن حضرا ، فكذلك . إبراهيم الحربي
فلما كان في بعض الجمع ، حضر أحدهما وقد بان الاصفرار بوجهه والانكسار في عينيه . . . ، فلما كانت الجمعة الثانية ، حضر الغائب ، ولم يحضر الذي جاء في الجمعة الأولى منهما ، وإذ الصفرة والانكسار بين في لونه . . . وقلت : إن ذلك للفراق الواقع بينهما ، وذلك للألفة الجامعة لهما .
فلم يزالا يتسابقان في كل جمعة إلى الحلقة ، فأيهما سبق صاحبه إلى الحلقة لم يجلس الآخر . . . فلما كان في بعض الجمع ، حضر أحدهما فجلس إلينا ، ثم جاء الآخر فأشرف على الحلقة فوجد صاحبه قد سبق ، وإذا المسبوق قد أخذته العبرة ، فتبينت ذلك منه في دائرة عينيه ، وإذا في يسراه رقاع صغار [ ص: 366 ] مكتوبة ، فقبض بيمينه رقعة منها ، وحذف بها في وسط الحلقة ، وانساب بين الناس مستخفيا وأنا أرمقه ، وكان ثم أبو عبيدة بن حربويه ، فنشر الرقعة وقرأها . . . وفيها دعاء ، أن يدعو لصاحبها مريضا كان أو غير ذلك ، ويؤمن على الدعاء من حضر .
فقال الشيخ : اللهم اجمع بينهما ، وألف قلوبهما ، واجعل ذلك فيما يقرب منك ، ويزلف لديك . وأمنوا على دعائه . . ثم طوى الرقعة وحذفني بها ، فتأملت ما فيها . . . فإذا فيها مكتوب :
عفا الله عن عبد أعان بدعوة لخليلين كانا دائمين على الود إلى أن وشى واشي الهوى بنميمة
إلى ذاك من هذا فحالا عن العهد
قال القفطي في " تاريخ النحاة " له : كان رأسا في الزهد ، عارفا بالمذاهب ، بصيرا بالحديث ، حافظا له . . . . له في اللغة كتاب : " غريب الحديث " ، وهو من أنفس الكتب وأكبرها في هذا النوع . إبراهيم الحربي
[ ص: 367 ] أبو الحسن بن جهضم -واه- : حدثنا ، حدثنا جعفر الخلدي أحمد بن عبد الله بن ماهان : سمعت إبراهيم بن إسحاق يقول : أجمع عقلاء كل ملة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه .
وكان يقول : قميصي أنظف قميص ، وإزاري أوسخ إزار ، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط ، وفرد عقبي صحيح والآخر مقطوع ، ولا أحدث نفسي أني أصلحهما ، ولا شكوت إلى أهلي وأقاربي حمى أجدها ، لا يغم الرجل نفسه وعياله ، ولي عشر سنين أبصر بفرد عين ، ما أخبرت به أحدا .
وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين ، إن جاءتني بهما أمي أو أختي ، وإلا بقيت جائعا إلى الليلة الثانية ، وأفنيت ثلاثين سنة برغيف في اليوم والليلة ، إن جاءتني امرأتي أو بناتي به ، وإلا بقيت جائعا ، والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة ، وقام إفطاري في رمضان هذا بدرهم ودانقين ونصف .