ابن مندة
الإمام الكبير الحافظ المجود أبو عبد الله ، محمد بن يحيى بن مندة ، واسم مندة : إبراهيم بن الوليد بن سندة بن بطة بن أستندار بن جهاربخت العبدي مولاهم الأصبهاني ، جد صاحب التصانيف الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد .
ولد في حدود العشرين ومائتين في حياة جدهم مندة .
سمع إسماعيل بن موسى السدي ، ، وعبد الله بن معاوية الجمحي ومحمد بن سليمان لوين ، وأبا كريب محمد بن العلاء ، ، وهناد بن السري ومحمد بن بشار ، وأبا سعيد الأشج ، ، وطبقتهم وأحمد بن الفرات بالكوفة والبصرة وأصبهان ، وجمع وصنف .
حدث عنه : القاضي أبو أحمد العسال ، وأبو القاسم الطبراني ، ، وأبو الشيخ وأبو إسحاق بن حمزة ، ومحمد بن أحمد بن عبد الوهاب ، وولده إسحاق بن محمد ، وخلق سواهم من شيوخ ، الذين لقيهم أبي نعيم الحافظ بأصبهان .
[ ص: 189 ] وكان ينازع الحافظ أحمد بن الفرات ، ويذاكره ، ويرادده وهو شاب .
قال أبو الشيخ في " تاريخه " : هو أستاذ شيوخنا وإمامهم ، أدرك سهل بن عثمان .
قلت : سهل من شيوخ مسلم ، مات سنة نيف وثلاثين ومائتين .
قال أبو الشيخ : ومات ابن مندة في رجب سنة إحدى وثلاثمائة .
أخبرنا محمد بن يوسف المقرئ : أخبرنا عبد الوهاب بن الحافظ أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة ، أخبرنا أبي وعماي قالوا : أخبرنا أبونا أبو عبد الله ، أخبرنا أبي ، حدثني أبي ، حدثنا سعيد بن عنبسة ، حدثنا بقية ، عن بحير ، عن خالد بن معدان ، عن أبي زياد ، قال : . سألت عائشة عن أكل البصل ، فقالت : آخر طعام أكله النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بصل
هذا حديث غريب صالح الإسناد ، رواه الإمام في مسنده عن أحمد بن حنبل حيوة بن شريح عن بقية .
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر : أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا أبو المكارم التيمي ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا ، حدثنا أبو نعيم الحافظ سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن يحيى بن مندة ، حدثنا أبو بكر بن أبي النضر ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا أبو عقيل الثقفي ، حدثنا مجالد ، حدثنا عون بن عبد الله [ ص: 190 ] بن عتبة ، عن أبيه قال : ما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قرأ وكتب .
قلت : لم يرد أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب شيئا ، إلا ما في " صحيح البخاري " من أنه يوم صلح الحديبية كتب اسمه " محمد بن عبد الله " . واحتج بذلك القاضي وقام عليه طائفة من أبو الوليد الباجي فقهاء الأندلس بالإنكار ، وبدعوه حتى كفره بعضهم . والخطب يسير ، فما خرج عن كونه أميا بكتابة اسمه الكريم ، فجماعة من الملوك ما علموا من الكتابة سوى مجرد العلامة ، وما عدهم الناس بذلك كاتبين ، بل هم أميون ، فلا عبرة بالنادر ; وإنما الحكم للغالب ، والله -تعالى- فمن حكمته لم يلهم نبيه تعلم الكتابة ، ولا قراءة الكتب حسما لمادة المبطلين ، كما قال تعالى : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون .
ومع هذا فقد افتروا وقالوا : أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه فانظر إلى قحة المعاند ، فمن الذي كان بمكة وقت المبعث يدري أخبار الرسل والأمم الخالية ؟ ما كان بمكة أحد بهذه الصفة أصلا . ثم ما المانع من تعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه ، وقوة فهمه ، ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف ، ثم هذا خاتمه في يده ، [ ص: 191 ] ونقشه : محمد رسول الله .
فلا يظن عاقل ، أنه -عليه السلام- ما تعقل ذلك ، فهذا كله يقتضي أنه عرف كتابة اسمه واسم أبيه ، وقد أخبر الله بأنه -صلوات الله عليه- ما كان يدري ما الكتاب ؟ ثم علمه الله -تعالى- ما لم يكن يعلم . ثم الكتابة صفة مدح .
قال تعالى : الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فلما بلغ الرسالة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، شاء الله لنبيه أن يتعلم الكتابة النادرة التي لا يخرج بمثلها عن أن يكون أميا ، ثم هو القائل : فصدق إخباره بذلك ; إذ الحكم للغالب ، فنفى عنه وعن أمته الكتابة والحساب لندور ذلك فيهم وقلته ، وإلا فقد كان فيهم كتاب الوحي وغير ذلك ، وكان فيهم من يحسب ، وقال تعالى : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ولتعلموا عدد السنين والحساب .
. ومن علمهم الفرائض ، وهي تحتاج إلى حساب وعول ، وهو -عليه السلام- فنفى عن الأمة الحساب ، فعلمنا أن المنفي كمال علم ذلك ودقائقه التي يقوم بها القبط والأوائل ، فإن ذلك ما لم يحتج إليه دين الإسلام ولله الحمد ، فإن القبط عمقوا في الحساب والجبر ، وأشياء تضيع الزمان . وأرباب [ ص: 192 ] الهيئة تكلموا في سير النجوم والشمس والقمر ، والكسوف والقران بأمور طويلة لم يأت الشرع بها ، فلما ذكر -صلى الله عليه وسلم- الشهور ومعرفتها ، بين أن معرفتها ليست بالطرق التي يفعلها المنجم وأصحاب التقويم ، وأن ذلك لا نعبأ به في ديننا ، ولا نحسب الشهر بذلك أبدا . ثم بين أن الشهر بالرؤية فقط ، فيكون تسعا وعشرين ، أو بتكملة ثلاثين فلا نحتاج مع الثلاثين إلى تكلف رؤية .
وأما الشعر : فنزهه الله -تعالى- عن الشعر ، قال تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له فما قال الشعر مع كثرته وجودته في قريش ، وجريان قرائحهم به ، وقد يقع شيء نادر في كلامه -عليه السلام- موزونا ، فما صار بذلك شاعرا قط ، كقوله : وقوله : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب [ ص: 193 ] ومثل هذا قد يقع في كتب الفقه والطب وغير ذلك مما يقع اتفاقا ، ولا يقصده المؤلف ولا يشعر به ، أفيقول مسلم قط : إن قوله تعالى : هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وجفان كالجوابي وقدور راسيات هو بيت ؟ ! معاذ الله ! وإنما صادف وزنا في الجملة ، والله أعلم .