الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      جرير : عن مغيرة ، قال : بعث الحسن وابن جعفر إلى معاوية [ ص: 155 ] يسألانه . فأعطى كلا منهما مائة ألف ، فبلغ ذلك عليا ، فقال لهما : ألا تستحيان ؟ رجل نطعن في عيبه غدوة وعشية تسألانه المال؟ قالا : لأنك حرمتنا وجاد هو لنا .

                                                                                      أبو هلال ، عن قتادة ، قال معاوية : واعجبا للحسن ! شرب شربة من عسل بماء رومة ، فقضى نحبه . ثم قال لابن عباس : لا يسوؤك الله ولا يحزنك في الحسن . قال : أما ما أبقى الله لي أمير المؤمنين فلن يسوءني الله ولن يحزنني . قال : فأعطاه ألف ألف من بين عروض وعين . قال : اقسمه في أهلك .

                                                                                      روى العتبي قال : قيل لمعاوية : أسرع إليك الشيب ، قال : كيف لا ; ولا أعدم رجلا من العرب قائما على رأسي يلقح لي كلاما يلزمني جوابه ، فإن أصبت لم أحمد ، وإن أخطأت سارت به البرد .

                                                                                      قال مالك : إن معاوية قال : لقد نتفت الشيب مدة . قال : وكان يخرج إلى مصلاه ، ورداؤه يحمل من الكبر . ودخل عليه إنسان ، وهو يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : هذا الذي كنتم تمنون لي .

                                                                                      محمد بن الحسن بن أبي يزيد عن مجالد ، عن الشعبي ، قال : لما أصاب معاوية اللقوة بكى ، فقال له مروان : ما يبكيك ؟ قال : راجعت ما كنت عنه عزوفا ، كبرت سني ، ورق عظمي ، وكثر دمعي ، [ ص: 156 ] ورميت في أحسني وما يبدو مني ، ولولا هواي في يزيد ، لأبصرت قصدي .

                                                                                      هشام بن عمار : حدثنا عبد المؤمن بن مهلهل ، حدثني رجل قال : حج معاوية ، فاطلع في بئر عادية بالأبواء ، فضربته اللقوة فدخل داره بمكة ، وأرخى حجابه ، واعتم بعمامة سوداء على شقه الذي لم يصب ، ثم أذن للناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ! إن ابن آدم بعرض بلاء ; إما مبتلى ليؤجر ; أو معاقب بذنب ، وإما مستعتب ليعتب ، وما أعتذر من واحدة من ثلاث ، فإن ابتليت ، فقد ابتلي الصالحون قبلي ، وإن عوقبت ، فقد عوقب الخاطئون قبلي ، وما آمن أن أكون منهم ، وإن مرض عضو مني ، فما أحصي صحيحي . ولو كان الأمر إلى نفسي ، ما كان لي على ربي أكثر مما أعطاني ، فأنا ابن بضع وستين ، فرحم الله من دعا لي بالعافية ، فوالله لئن عتب علي بعض خاصتكم ، لقد كنت حدبا على عامتكم ، فعج الناس يدعون له ، وبكى .

                                                                                      مغيرة : عن الشعبي ، قال : أول من خطب جالسا معاوية حين سمن .

                                                                                      [ ص: 157 ] أبو المليح : عن ميمون بن مهران ، قال : أول من جلس على المنبر ، واستأذن الناس معاوية ; فأذنوا له .

                                                                                      وعن عبادة بن نسي : خطبنا معاوية بالصنبرة فقال : لقد شهد معي صفين ثلاثمائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقي منهم غيري .

                                                                                      إسناده لين .

                                                                                      يوسف بن عبدة ; سمعت ابن سيرين يقول : أخذت معاوية قرة فاتخذ لحفا خفافا تلقى عليه ، فلم يلبث أن يتأذى بها . فإذا رفعت ، سأل أن ترد عليه ، فقال : قبحك الله من دار ، مكثت فيك عشرين سنة أميرا ، وعشرين سنة خليفة ، وصرت إلى ما أرى .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : كان معاوية أول من اتخذ الديوان للختم ، وأمر بالنيروز والمهرجان ، واتخذ المقاصير في الجامع ، وأول من قتل مسلما صبرا وأول من قام على رأسه حرس ، وأول من قيدت بين يديه الجنائب ، وأول من اتخذ الخدام الخصيان في الإسلام ، وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة ، وكان يقول : أنا أول الملوك .

                                                                                      قلت : نعم . فقد روى سفينة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة . ثم تكون ملكا فانقضت خلافة النبوة ثلاثين عاما ، [ ص: 158 ] وولي معاوية ، فبالغ في التجمل والهيئة ، وقل أن بلغ سلطان إلى رتبته ، وليته لم يعهد بالأمر إلى ابنه يزيد ، وترك الأمة من اختياره لهم .

                                                                                      علي بن عاصم : عن ابن جريج ، عن الحسن بن مسلم ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : لما احتضر معاوية ، قال : إني كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصفا ، وإني دعوت بمشقص ، فأخذت من شعره ، وهو في موضع كذا وكذا ، فإذا أنا مت ، فخذوا ذلك الشعر ، فاحشوا به فمي ومنخري .

                                                                                      وروي بإسناد عن ميمون بن مهران نحوه .

                                                                                      محمد بن مصفى : حدثنا بقية عن بحير ، عن خالد بن معدان ، قال : وفد المقدام بن معدي كرب ، وعمرو بن الأسود ، ورجل من الأسد له صحبة إلى معاوية . فقال معاوية للمقدام : توفي الحسن ، فاسترجع . فقال : أتراها مصيبة ؟ قال : ولم لا ؟ وقد وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره وقال : هذا مني ، وحسين من علي . فقال للأسدي : ما تقول أنت ؟ قال : جمرة أطفئت . فقال المقدام : أنشدك الله ! هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن [ ص: 159 ] لبس الذهب والحرير ، وعن جلود السباع والركوب عليها ؟ قال : نعم . قال : فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك . فقال معاوية : عرفت أني لا أنجو منك .

                                                                                      إسناده قوي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية