المستكفي
الخليفة المستكفي بالله ، أبو القاسم عبد الله بن المكتفي علي بن المعتضد ، العباسي .
كان ربع القامة مليحا ، معتدل البدن ، أبيض بحمرة ، خفيف العارضين . وأمه أم ولد .
بويع وقت خلع المتقي لله ، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة ، قام ببيعته توزون ، فأقبل أحمد بن بويه ، واستولى على الأهواز والبصرة وواسط ، فبرز لمحاربته جيش بغداد مع توزون ، فدام الحرب بينهما أشهرا ، وينهزم فيها توزون ولازمه الصرع ، وضاق بأحمد الحال والقحط ، فرد إلى الأهواز ، وقطع توزون الجسر وراءه ، وعاد إلى بغداد مشغولا بنفسه .
ووزر أبو الفرج السامري ، ثم عزله توزون بعد أربعين يوما ، وأغرمه ثلاثمائة ألف [ ص: 112 ] دينار . ورد إلى الوزارة أبا جعفر بن شيرزاد واشتد بالعراق القحط ، ومات الناس جوعا ، وهلك ملك الأمراء توزون في أول سنة أربع ، فطمع في منصبه ابن شيرزاد ، وحلف العساكر ، ونزل بظاهر بغداد وبعث المستكفي إليه بالخلع والإقامات ، فصادر التجار والكتاب ، وسلط جنده على العوام ، فهرب الناس ، وانقطع الجلب ، ووهن أمن بغداد .
وأما أحمد بن بويه فقصد بغداد ، ونزل باجسراي وهرب الأتراك إلى الموصل ، واستتر المستكفي وابن شيرزاد ، فنزل معز الدولة أحمد بن بويه بالشماسية ، وبعث إليه الخليفة التحف والخلع ، ثم حضر وبايع ، فلقبه الخليفة بمعز الدولة ، ولقب أخاه عليا عماد الدولة ، وأخاه الآخر الحسن ركن الدولة ، وضربت أسماؤهم على السكة ، ثم ظهر ابن شيرزاد ، وقرر مع معز الدولة أمورا ، منها : في الشهر للخليفة مائة وخمسون ألف درهم ليس إلا .
وكانت علم القهرمانة معظمة عند المستكفي تأمر وتنهى ، فعملت دعوة للأمراء ، فاتهمها معز الدولة وكان أصفبذ قد شفع إلى الخليفة في شيعي مغبن فرده فحقد ، وقال لمعز الدولة : الخليفة يراسلني فيك . فتخيل [ ص: 113 ] منه .
ثم دخل على الخليفة اثنان من الديلم ، فطلبا منه الرزق ، فمد يده للتقبيل ، فجبذاه من سرير الخلافة ، وجراه بعمامته ، ونهبت داره ، وأمسكوا القهرمانة وجماعة ، وساقوا المستكفي ماشيا إلى منزل معز الدولة ، فخلع المستكفي وسمله . فكانت خلافته ستة عشر شهرا .
وبايعوا في الحال الفضل بن المقتدر ، ولقبوه المطيع لله ، بقي المستكفي مسجونا إلى أن مات في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله ست وأربعون سنة .
واستقل بملك العراق معز الدولة ، وضعف دست الخلافة جدا ، وظهر الرفض والاعتزال ببني بويه ، نسأل الله العفو .
وكان إكحال المستكفي بعد أن خلع نفسه ذليلا مقهورا في جمادى الآخرة سنة أربع ثلاثين ، فعاش بعد العزل والكحل أربعة أعوام .