القرمطي
عدو الله ملك البحرين أبو طاهر ، سليمان بن حسن ، القرمطي الجنابي الأعرابي الزنديق .
الذي سار إلى
مكة في سبعمائة فارس ، فاستباح الحجيج كلهم في
الحرم ، واقتلع
الحجر الأسود ، وردم
زمزم بالقتلى ، وصعد على عتبة
الكعبة ، يصيح :
أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا
[ ص: 321 ] فقتل في سكك
مكة وما حولها زهاء ثلاثين ألفا ، وسبى الذرية ، وأقام
بالحرم ستة أيام .
بذل السيف في سابع ذي الحجة ، ولم يعرف أحد تلك السنة فلله الأمر . وقتل أمير
مكة ابن محارب ، وعرى البيت ، وأخذ بابه ، ورجع إلى بلاد هجر .
وقيل : دخل قرمطي سكران على فرس ، فصفر له ، فبال عند البيت ، وضرب الحجر بدبوس هشمه ثم اقتلعه ، وأقاموا
بمكة أحد عشر يوما ، وبقي
الحجر الأسود عندهم نيفا وعشرين سنة .
ويقال : هلك تحته إلى هجر أربعون جملا ، فلما أعيد كان على قعود ضعيف ، فسمن .
وكان
بجكم التركي دفع لهم فيه خمسين ألف دينار ، فأبوا ، وقالوا : أخذناه بأمر ، وما نرده إلا بأمر .
وقيل : إن الذي اقتلعه صاح : يا حمير ، أنتم قلتم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن دخله كان آمنا [ ص: 322 ] فأين الأمن ؟ قال رجل : فاستسلمت ، وقلت : إن الله أراد ، ومن دخله فأمنوه . فلوى فرسه وما كلمني .
وقد وهم
السمناني فقال في " تاريخه " : إن الذي نزع الحجر
أبو سعيد الجنابي القرمطي ، وإنما هو ابنه
أبو طاهر .
واتفق أن
ابن أبي الساج الأمير نزل
بأبي سعيد الجنابي فأكرمه ، فلما سار لحربه بعث يقول : لك علي حق ، وأنت في خمسمائة وأنا في ثلاثين ألفا . فانصرف ، فقال للرسول : كم مع صاحبك ؟ قال : ثلاثون ألف راكب . قال : ولا ثلاثة . ثم دعا بعبد أسود ، فقال له : خرق بطنك بهذه السكين ، فبدد مصارينه . وقال لآخر : اغرق في النهر . ففعل ، وقال لآخر : اصعد على هذا الحائط ، وانزل على مخك . فهلك ، فقال للرسول : إن كان معه مثل هؤلاء ، وإلا فما معه أحد .
ونقل
القيلوي في الحجر الأسود لما قيل : من يعرفه ؟ فقال
ابن عليم المحدث : إنه يشوف على الماء ، وإن النار لا تسخنه . ففعل به ذلك ، فقبله
ابن عليم ، وتعجب
الجنابي ، ولم يصح هذا .
وقيل : صعد قرمطي لقلع الميزاب ، فسقط ، فمات . وكان ذلك
[ ص: 323 ] سنة سبع عشرة وكان أمير العراقين
منصورا الديلمي ، وجافت
مكة بالقتلى .
قال
المراغي : حدثنا
أبو عبد الله بن محرم -وكان رسول
المقتدر إلى
القرمطي - قال : سألته بعد مناظرات عن استحلاله بما فعل
بمكة ، فأحضر الحجر في الديباج ، فلما أبرز كبرت ، وأريتهم من تعظيمه والتبرك به على حالة كبيرة ، وافتتنت القرامطة
بأبي طاهر ، وكان أبوه قد أطلعه وحده على كنوز دفنها ، فلما تملك كان يقول : هنا كنز . فيحفرون ، فإذا هم بالمال ، فيفتتنون به وقال مرة : أريد أن أحفر هنا عينا . قالوا : لا تنبع . فخالفهم ، فنبع الماء ، فازداد ضلالهم به ، وقالوا : هو إله . وقال قوم : هو
المسيح . وقيل : نبي . وقد هزم جيوش
بغداد غير مرة ، وعتا وتمرد .
قال
محمد بن رزام الكوفي : حكى لي
ابن حمدان الطيب ، قال : أقمت
بالقطيف أعالج مريضا ، فقال لي رجل : إن الله ظهر ، فخرجت ، فإذا الناس يهرعون إلى دار
أبي طاهر ، فإذا هو ابن عشرين سنة ، شاب مليح عليه عمامة صفراء ، وثوب أصفر على فرس أشهب ، وإخوته حوله . فصاح : من عرفني عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا
أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن الجنابي ، اعلموا أنا كنا -وإياكم - حميرا ، وقد من الله علينا بهذا . وأشار إلى غلام أمرد ، فقال : هذا ربنا وإلهنا ، وكلنا عباده .
فأخذ الناس التراب ، فوضعوه على رءوسهم . ثم قال
أبو طاهر : إن الدين قد ظهر وهو دين أبينا
آدم ، وجميع ما أوصلت إليكم الدعاة باطل من ذكر
موسى وعيسى ومحمد ، هؤلاء دجالون ، وهذا الغلام هو
أبو الفضل المجوسي ،
[ ص: 324 ] شرع لهم اللواط ، ووطء الأخت ، وأمر بقتل من امتنع .
فأدخلت عليه وبين يديه عدة رءوس ، فسجدت له ،
وأبو طاهر والكبراء حوله قيام ، فقال
لأبي طاهر : الملوك لم تزل تعد الرءوس في خزائنها ، فسلوه كيف بقاؤها ؟ فسئلت ، فقلت : إلهنا أعلم ، ولكني أقول : فجملة الإنسان إذا مات يحتاج كذا وكذا صبرا وكافورا . والرأس جزء فيعطى بحسابه . فقال : ما أحسن ما قال . ثم قال الطبيب : ما زلت أسمعهم تلك الأيام يلعنون
إبراهيم وموسى ومحمدا وعليا ، ورأيت مصحفا مسح بغائط .
وقال
أبو الفضل يوما لكاتبه : اكتب إلى الخليفة ، فصل لهم على
محمد ، وكل من جراب النورة . قال : والله ما تنبسط يدي لذلك ، فافتض
أبو الفضل أختا
لأبي طاهر الجنابي ، وذبح ولدها في حجرها ، ثم قتل زوجها ، وهم بقتل
أبي طاهر ، فاتفق
أبو طاهر مع كاتبه
ابن سنبر ، وآخر عليه فقالا : يا إلهنا ، إن والدة
أبي طاهر قد ماتت ، فاحضر لتحشو جوفها نارا ، قال : وكان سنه له ، فأتى ، فقال : ألا تجيبها ؟ قال : لا ; فإنها ماتت كافرة . فعاوده ، فارتاب وقال : لا تعجلا علي ، دعاني أخدم دوابكما إلى أن يأتي أبي .
قال
ابن سنبر : ويلك هتكتنا ، ونحن نرتب هذه الدعوة من ستين سنة ، فلو رآك أبوك لقتلك ، اقتله يا
أبا طاهر . قال : أخاف أن يمسخني ، فضرب أخو
أبي طاهر عنقه ، ثم جمع
ابن سنبر الناس ، وقال : إن هذا الغلام ورد بكذب سرقه من معدن حق وإنا وجدنا فوقه من ينكحه ، وقد كنا نسمع أنه لا بد للمؤمنين من فتنة يظهر بعدها حق ، فأطفئوا بيوت النيران ، وارجعوا عن نكاح الأم ، ودعوا اللواط ، وعظموا الأنبياء . فضجوا ، وقالوا : كل وقت تقولون لنا قولا . فأنفق
أبو طاهر الذهب حتى سكنوا .
[ ص: 325 ] قال الطبيب : فأخرج إلي
أبو طاهر الحجر ، وقال : هذا كان يعبد . قلت : كلا ، قال : بلى قلت : أنت أعلم ، وأخرجه في ثوب دبيقي ممسك .
ثم جرت
لأبي طاهر مع المسلمين حروب أوهنته . وقتل جنده ، وطلب الأمان على أن يرد الحجر ، وأن يأخذ عن كل حاج دينارا ويخفرهم .
قلت : ثم هلك بالجدري -لا رحمه الله - في رمضان سنة اثنتين وثلاثمائة بهجر كهلا . وقام بعده
أبو القاسم سعيد .
الْقِرْمِطِيُّ
عَدُوُّ اللَّهِ مَلِكُ الْبَحْرَيْنِ أَبُو طَاهِرٍ ، سُلَيْمَانُ بْنُ حَسَنٍ ، الْقِرْمِطِيُّ الْجَنَابِيُّ الْأَعْرَابِيُّ الزِّنْدِيقُ .
الَّذِي سَارَ إِلَى
مَكَّةَ فِي سَبْعِمِائَةِ فَارِسٍ ، فَاسْتَبَاحَ الْحَجِيجَ كُلَّهُمْ فِي
الْحَرَمِ ، وَاقْتَلَعَ
الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ، وَرَدَمَ
زَمْزَمَ بِالْقَتْلَى ، وَصَعِدَ عَلَى عَتَبَةِ
الْكَعْبَةِ ، يَصِيحُ :
أَنَا بِاللَّهِ وَبِاللَّهِ أَنَا يَخْلُقُ الْخَلْقَ وَأُفْنِيهِمْ أَنَا
[ ص: 321 ] فَقَتَلَ فِي سِكَكِ
مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا زُهَاءَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ ، وَأَقَامَ
بِالْحَرَمِ سِتَّةَ أَيَّامٍ .
بَذَلَ السَّيْفَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ تِلْكَ السَّنَةَ فَلِلَّهِ الْأَمْرُ . وَقَتَلَ أَمِيرَ
مَكَّةَ ابْنَ مُحَارِبٍ ، وَعَرَّى الْبَيْتَ ، وَأَخَذَ بَابَهُ ، وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِ هَجَرَ .
وَقِيلَ : دَخَلَ قِرْمِطِيٌّ سَكْرَانٌ عَلَى فَرَسٍ ، فَصَفَّرَ لَهُ ، فَبَالَ عِنْدَ الْبَيْتِ ، وَضَرَبَ الْحَجَرَ بِدَبُّوسٍ هَشَّمَهُ ثُمَّ اقْتَلَعَهُ ، وَأَقَامُوا
بِمَكَّةَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَبَقِيَ
الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ عِنْدَهُمْ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً .
وَيُقَالُ : هَلَكَ تَحْتَهُ إِلَى هَجَرَ أَرْبَعُونَ جَمَلًا ، فَلَمَّا أُعِيدَ كَانَ عَلَى قُعُودٍ ضَعِيفٍ ، فَسَمِنَ .
وَكَانَ
بُجْكُمُ التُّرْكِيُّ دَفَعَ لَهُمْ فِيهِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَأَبَوْا ، وَقَالُوا : أَخَذْنَاهُ بِأَمْرٍ ، وَمَا نَرُدُّهُ إِلَّا بِأَمْرٍ .
وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي اقْتَلَعَهُ صَاحَ : يَا حِمْيَرُ ، أَنْتُمْ قُلْتُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [ ص: 322 ] فَأَيْنَ الْأَمْنُ ؟ قَالَ رَجُلٌ : فَاسْتَسْلَمْتُ ، وَقُلْتُ : إِنَّ اللَّهَ أَرَادَ ، وَمَنْ دَخَلَهُ فَأَمِّنُوهُ . فَلَوَى فَرَسَهُ وَمَا كَلَّمَنِي .
وَقَدْ وَهِمَ
السِّمْنَانِيُّ فَقَالَ فِي " تَارِيخِهِ " : إِنَّ الَّذِي نَزَعَ الْحَجَرَ
أَبُو سَعِيدٍ الْجَنَّابِيُّ الْقِرْمِطِيُّ ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُهُ
أَبُو طَاهِرٍ .
وَاتَّفَقَ أَنَّ
ابْنَ أَبِي السَّاجِ الْأَمِيرَ نَزَلَ
بِأَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيَّ فَأَكْرَمَهُ ، فَلَمَّا سَارَ لِحَرْبِهِ بَعَثَ يَقُولُ : لَكَ عَلَيَّ حَقٌّ ، وَأَنْتَ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَأَنَا فِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا . فَانْصَرَفَ ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ : كَمْ مَعَ صَاحِبِكَ ؟ قَالَ : ثَلَاثُونَ أَلْفَ رَاكِبٍ . قَالَ : وَلَا ثَلَاثَةٌ . ثُمَّ دَعَا بِعَبْدٍ أَسْوَدَ ، فَقَالَ لَهُ : خَرِّقْ بَطْنَكَ بِهَذِهِ السِّكِّينِ ، فَبَدَّدَ مَصَارِينَهُ . وَقَالَ لِآخَرَ : اغْرَقْ فِي النَّهْرِ . فَفَعَلَ ، وَقَالَ لِآخَرَ : اصْعَدْ عَلَى هَذَا الْحَائِطِ ، وَانْزِلْ عَلَى مُخِّكَ . فَهَلَكَ ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ : إِنْ كَانَ مَعَهُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ ، وَإِلَّا فَمَا مَعَهُ أَحَدٌ .
وَنَقَلَ
الْقِيلُوِيُّ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَمَّا قِيلَ : مَنْ يَعْرِفُهُ ؟ فَقَالَ
ابْنُ عُلَيْمٍ الْمُحَدِّثُ : إِنَّهُ يَشُوفُ عَلَى الْمَاءِ ، وَإِنَّ النَّارَ لَا تُسَخِّنُهُ . فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، فَقَبِلَهُ
ابْنُ عُلَيْمٍ ، وَتَعَجَّبَ
الْجَنَّابِيُّ ، وَلَمْ يَصِحَّ هَذَا .
وَقِيلَ : صَعِدَ قِرْمِطِيٌّ لِقَلْعِ الْمِيزَابِ ، فَسَقَطَ ، فَمَاتَ . وَكَانَ ذَلِكَ
[ ص: 323 ] سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَكَانَ أَمِيرُ الْعِرَاقَيْنِ
مَنْصُورًا الدَّيْلِمِيَّ ، وَجَافَتْ
مَكَّةُ بِالْقَتْلَى .
قَالَ
الْمَرَاغِيُّ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّمٍ -وَكَانَ رَسُولَ
الْمُقْتَدِرِ إِلَى
الْقِرْمِطِيِّ - قَالَ : سَأَلَتُهُ بَعْدَ مُنَاظَرَاتٍ عَنِ اسْتِحْلَالِهِ بِمَا فَعَلَ
بِمَكَّةَ ، فَأَحْضَرَ الْحَجَرَ فِي الدِّيبَاجِ ، فَلَمَّا أَبْرَزَ كَبَّرْتُ ، وَأَرَيْتُهُمْ مِنْ تَعْظِيمِهِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ عَلَى حَالَةٍ كَبِيرَةٍ ، وَافْتُتِنَتِ الْقَرَامِطَةُ
بِأَبِي طَاهِرٍ ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ أَطْلَعَهُ وَحْدَهُ عَلَى كُنُوزٍ دَفْنَهَا ، فَلَمَّا تَمَلَّكَ كَانَ يَقُولُ : هُنَا كَنْزٌ . فَيَحْفِرُونَ ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَالِ ، فَيُفْتَتَنُونَ بِهِ وَقَالَ مَرَّةً : أُرِيدُ أَنْ أَحْفِرَ هُنَا عَيْنًا . قَالُوا : لَا تَنْبُعُ . فَخَالَفَهُمْ ، فَنَبَعَ الْمَاءُ ، فَازْدَادَ ضَلَالُهُمْ بِهِ ، وَقَالُوا : هُوَ إِلَهٌ . وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ
الْمَسِيحُ . وَقِيلَ : نَبِيٌّ . وَقَدْ هَزَمَ جُيُوشَ
بَغْدَادَ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَعَتَا وَتَمَرَّدَ .
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ رِزَامٍ الْكُوفِيُّ : حَكَى لِي
ابْنُ حَمْدَانَ الطَّيِّبُ ، قَالَ : أَقَمْتُ
بِالْقَطِيفِ أُعَالِجُ مَرِيضًا ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ : إِنَّ اللَّهَ ظَهَرَ ، فَخَرَجْتُ ، فَإِذَا النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَى دَارِ
أَبِي طَاهِرٍ ، فَإِذَا هُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً ، شَابٌّ مَلِيحٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ ، وَثَوْبٌ أَصْفَرُ عَلَى فَرَسٍ أَشْهَبَ ، وَإِخْوَتُهُ حَوْلَهُ . فَصَاحَ : مَنْ عَرَفَنِي عَرَفَنِي ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي ، فَأَنَا
أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْحَسَنُ الْجَنَّابِيُّ ، اعْلَمُوا أَنَّا كُنَّا -وَإِيَّاكُمْ - حَمِيرًا ، وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِهَذَا . وَأَشَارَ إِلَى غُلَامٍ أَمَرَدَ ، فَقَالَ : هَذَا رَبُّنَا وَإِلَهُنَا ، وَكُلُّنَا عِبَادُهُ .
فَأَخَذَ النَّاسُ التُّرَابَ ، فَوَضَعُوهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ . ثُمَّ قَالَ
أَبُو طَاهِرٍ : إِنَّ الدِّينَ قَدْ ظَهَرَ وَهُوَ دِينُ أَبِينَا
آدَمَ ، وَجَمِيعُ مَا أَوْصَلَتْ إِلَيْكُمُ الدُّعَاةُ بَاطِلٌ مِنْ ذِكْرِ
مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ ، هَؤُلَاءِ دَجَّالُونَ ، وَهَذَا الْغُلَامُ هُوَ
أَبُو الْفَضْلِ الْمَجُوسِيُّ ،
[ ص: 324 ] شَرَعَ لَهُمُ اللِّوَاطَ ، وَوَطْءَ الْأُخْتِ ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنِ امْتَنَعَ .
فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عِدَّةُ رُءُوسٍ ، فَسَجَدْتُ لَهُ ،
وَأَبُو طَاهِرٍ وَالْكُبَرَاءُ حَوْلَهُ قِيَامٌ ، فَقَالَ
لِأَبِي طَاهِرٍ : الْمُلُوكُ لَمْ تَزَلْ تَعُدُّ الرُّءُوسَ فِي خَزَائِنِهَا ، فَسَلُوهُ كَيْفَ بَقَاؤُهَا ؟ فَسُئِلْتُ ، فَقُلْتُ : إِلَهُنَا أَعْلَمُ ، وَلَكِنِّي أَقُولُ : فَجُمْلَةُ الْإِنْسَانِ إِذَا مَاتَ يَحْتَاجُ كَذَا وَكَذَا صَبْرًا وَكَافُورًا . وَالرَّأْسُ جُزْءٌ فَيُعْطَى بِحِسَابِهِ . فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ . ثُمَّ قَالَ الطَّبِيبُ : مَا زِلْتُ أَسْمَعُهُمْ تِلْكَ الْأَيَّامَ يَلْعَنُونَ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَمُحَمَّدًا وَعَلِيًّا ، وَرَأَيْتُ مُصْحَفًا مُسِحَ بِغَائِطٍ .
وَقَالَ
أَبُو الْفَضْلِ يَوْمًا لِكَاتِبِهِ : اكْتُبْ إِلَى الْخَلِيفَةِ ، فَصَلِّ لَهُمْ عَلَى
مُحَمَّدٍ ، وَكِلْ مِنْ جِرَابِ النُّورَةِ . قَالَ : وَاللَّهِ مَا تَنْبَسِطُ يَدِي لِذَلِكَ ، فَافْتَضَّ
أَبُو الْفَضْلِ أُخْتًا
لِأَبِي طَاهِرٍ الْجَنَّابِيِّ ، وَذَبَحَ وَلَدَهَا فِي حِجْرِهَا ، ثُمَّ قَتَلَ زَوْجَهَا ، وَهَمَّ بِقَتْلِ
أَبِي طَاهِرٍ ، فَاتَّفَقَ
أَبُو طَاهِرٍ مَعَ كَاتِبِهِ
ابْنِ سَنْبَرٍ ، وَآخَرَ عَلَيْهِ فَقَالَا : يَا إِلَهَنَا ، إِنَّ وَالِدَةَ
أَبِي طَاهِرٍ قَدْ مَاتَتْ ، فَاحْضُرْ لِتَحْشُوَ جَوْفَهَا نَارًا ، قَالَ : وَكَانَ سَنَّهُ لَهُ ، فَأَتَى ، فَقَالَ : أَلَا تُجِيبُهَا ؟ قَالَ : لَا ; فَإِنَّهَا مَاتَتْ كَافِرَةً . فَعَاوَدَهُ ، فَارْتَابَ وَقَالَ : لَا تَعْجَلَا عَلَيَّ ، دَعَانِي أَخْدُمْ دَوَابَّكُمَا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ أَبِي .
قَالَ
ابْنُ سَنْبَرٍ : وَيْلَكَ هَتَكْتَنَا ، وَنَحْنُ نُرَتِّبُ هَذِهِ الدَّعْوَةَ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً ، فَلَوْ رَآكَ أَبُوكَ لَقَتَلَكَ ، اقْتُلْهُ يَا
أَبَا طَاهِرٍ . قَالَ : أَخَافُ أَنْ يَمْسَخَنِي ، فَضَرَبَ أَخُو
أَبِي طَاهِرٍ عُنُقَهُ ، ثُمَّ جَمَعَ
ابْنُ سَنْبَرٍ النَّاسَ ، وَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْغُلَامَ وَرَدَ بِكَذِبٍ سَرَقَهُ مِنْ مَعْدِنِ حَقٍّ وَإِنَّا وَجَدْنَا فَوْقَهُ مَنْ يَنْكِحُهُ ، وَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ فِتْنَةٍ يَظْهَرُ بَعْدَهَا حَقٌّ ، فَأَطْفِئُوا بُيُوتَ النِّيرَانِ ، وَارْجِعُوا عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ ، وَدَعُوا اللِّوَاطَ ، وَعَظِّمُوا الْأَنْبِيَاءَ . فَضَجُّوا ، وَقَالُوا : كُلَّ وَقْتٍ تَقُولُونَ لَنَا قَوْلًا . فَأَنْفَقَ
أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبَ حَتَّى سَكَنُوا .
[ ص: 325 ] قَالَ الطَّبِيبُ : فَأَخْرَجَ إِلَيَّ
أَبُو طَاهِرٍ الْحَجَرَ ، وَقَالَ : هَذَا كَانَ يُعْبَدُ . قُلْتُ : كَلَّا ، قَالَ : بَلَى قُلْتُ : أَنْتَ أَعْلَمُ ، وَأَخْرَجَهُ فِي ثَوْبٍ دَبِيقِيٍّ مُمَسَّكٍ .
ثُمَّ جَرَتْ
لِأَبِي طَاهِرٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حُرُوبٌ أَوْهَنَتْهُ . وَقُتِلَ جُنْدُهُ ، وَطَلَبَ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْحَجَرَ ، وَأَنْ يَأْخُذَ عَنْ كُلِّ حَاجٍّ دِينَارًا وَيَخْفِرَهُمْ .
قُلْتُ : ثُمَّ هَلَكَ بِالْجُدَرِيِّ -لَا رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ بِهَجَرَ كَهْلًا . وَقَامَ بَعْدَهُ
أَبُو الْقَاسِمِ سَعِيدٌ .