الإمام الأوحد العلامة اللغوي المحدث أبو عمر محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم ، البغدادي الزاهد ، المعروف بغلام ثعلب .
ولد سنة إحدى وستين ومائتين .
وسمع من : موسى بن سهل الوشاء ، وأحمد بن عبيد الله النرسي ، ومحمد بن يونس الكديمي ، ، والحارث بن أبي أسامة وأحمد بن زياد بن مهران السمسار ، وإبراهيم بن الهيثم البلدي ، ، وإبراهيم الحربي وبشر بن موسى الأسدي ، وأحمد بن سعيد الجمال ، ومحمد بن هشام بن البختري ، ومحمد بن عثمان العبسي .
ولازم ثعلبا في العربية ، فأكثر عنه إلى الغاية ، وهو في عداد الشيوخ [ ص: 509 ] في الحديث لا الحفاظ ; وإنما ذكرته لسعة حفظه للسان العرب ، وصدقه ، وعلو إسناده .
حدث عنه : أبو الحسن بن رزقويه ، وابن منده ، ، وأبو عبد الله الحاكم والقاضي أبو القاسم بن المنذر ، وأبو الحسين بن بشران ، والقاضي محمد بن أحمد بن المحاملي ، وعلي بن أحمد الرزاز ، وأبو الحسن الحمامي ، وأبو علي بن شاذان ، وخلق كثير .
وقع لي أربعة أجزاء من حديثه .
قرأت على أحمد بن إسحاق الزاهد ، أنبأنا ظفر بن سالم ببغداد سنة عشرين وستمائة ، أخبرنا هبة الله بن أحمد الشبلي سنة 557 ، أخبرنا محمد بن علي بن أبي عثمان ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم سنة سبع وأربعمائة ، حدثنا أبو عمر غلام ثعلب ، حدثنا موسى بن سهل الوشاء ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان حسان بن عطية ، عن أبي منيب الجرشي ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : . بعثت بين يدي الساعة بالسيف ، حتى يعبد الله وحده ، لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم
إسناده صالح .
[ ص: 510 ] قال أبو الحسن بن المرزبان : كان أبو محمد بن ماسي من دار كعب ينفذ إلى أبي عمر غلام ثعلب وقتا بعد وقت كفايته ما ينفق على نفسه ، فقطع ذلك عنه مدة لعذر ، ثم أنفذ إليه جملة ما كان في رسمه ، وكتب إليه يعتذر ، فرده ، وأمر أن يكتب على ظهر رقعته : أكرمتنا فملكتنا ، ثم أعرضت عنا ، فأرحتنا .
قلت : هو كما قال أبو عمر ، لكنه لم يجمل في الرد ، فإن كان قد ملكه بإحسانه القديم ، فالتملك بحاله ، وجبر التأخير بمجيئه جملة وباعتذاره ، ولو أنه قال : وتركتنا فأعتقتنا ، لكان أليق .
قال الخطيب أبو بكر في ترجمة : أبي عمر الزاهد ابن ماسي لا أشك أنه إبراهيم بن أيوب ، والد أبي محمد عبد الله .
قال : وأخبرني عباس بن عمر ، سمعت أبا عمر الزاهد يقول : ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة ، وفي قضاء حقوقهم رفعة .
قال الخطيب : سمعت غير واحد يحكي عن أبي عمر أن الأشراف والكتاب كانوا يحضرون عنده ليسمعوا منه كتب ثعلب وغيرها . وله جزء قد جمع فيه فضائل معاوية ، فكان لا يترك واحدا منهم يقرأ عليه شيئا حتى يبتدئ بقراءة ذلك الجزء .
وكان جماعة من أهل الأدب لا يوثقون أبا عمر في علم اللغة حتى قال [ ص: 511 ] لي عبيد الله بن أبي الفتح يقال : إن أبا عمر كان لو طار طائر لقال : حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي ، ثم يذكر شيئا في معنى ذلك .
فأما الحديث فرأيت جميع شيوخنا يوثقونه فيه ، وحدثنا علي بن أبي علي ، عن أبيه ، قال : ومن الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم أبو عمر غلام ثعلب ، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة فيما بلغني ، وجميع كتبه إنما أملاها بغير تصنيف ، ولسعة حفظه اتهم . وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر أن السائل وضعه ، فيجيب عنه ، ثم يسأله غيره بعد سنة ، فيجيب بجوابه .
أخبرت أنه سئل عن قنطزة فقيل : ما هي ؟ فقال : كذا وكذا ، قال : فتضاحكنا ، ولما كان بعد شهور هيأنا من سأله عنها ، فقال : أليس قد سئلت عن هذه منذ شهور وأجبت ؟
قال ابن خلكان : استدرك على " الفصيح " لثعلب كراسا ، سماه " فائت الفصيح " ، وله كتاب " الياقوتة " وكتاب " الموضح " ، وكتاب " الساعات " ، وكتاب " يوم وليلة " ، وكتاب " المستحسن " ، وكتاب " الشورى " ، وكتاب " البيوع " ، وكتاب " تفسير أسماء الشعراء " ، وكتاب " القبائل " وكتاب " المكنون والمكتوم " ، وكتاب " التفاحة " ، وكتاب [ ص: 512 ] " المداخل " وكتاب " فائت الجمهرة " ، وكتاب " فائت العين " ، وأشياء .
قال الخطيب : حكى لي رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن عمن حدثه ، أن أبا عمر الزاهد ، كان يؤدب ولد أبي عمر محمد بن يوسف القاضي ، فأملى يوما على الغلام ثلاثين مسألة في اللغة ، وختمها ببيتين . قال : فحضر ابن دريد ، ، وابن الأنباري وأبو بكر بن مقسم عند القاضي ، فعرض عليهم المسائل ، فما عرفوا منها شيئا ، وأنكروا الشعر ، فقال لهم القاضي : ما تقولون فيها ؟ فقال ابن الأنباري : أنا مشغول بتصنيف " مشكل القرآن " . وقال ابن مقسم : وذكر اشتغاله بالقراءات ، وقال ابن دريد : هي من وضع أبي عمر ، ولا أصل لشيء منها في اللغة ، فبلغ أبا عمر ، فسأل من القاضي إحضار دواوين جماعة عينهم له ففتح خزائنه ، وأخرج تلك الدواوين ، فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة ، ويخرج لها شاهدا ، ويعرضه على القاضي حتى تممها ، ثم قال : والبيتان أنشدناهما ثعلب بحضرة القاضي ، وكتبهما القاضي على ظهر الكتاب الفلاني ، فأحضر القاضي الكتاب ، فوجدهما ، وانتهى الخبر إلى ابن دريد ، فما ذكر أبا عمر الزاهد بلفظة حتى مات .
[ ص: 513 ] ثم قال رئيس الرؤساء : وقد رأيت أشياء كثيرة مما استنكر على أبي عمر ، واتهم فيها مدونة في كتب أئمة العلم ، خاصة في " غريب المصنف " لأبي عبيد ، أو كما قال .
قال الخطيب : سمعت عبد الواحد بن برهان يقول : لم يتكلم في علم اللغة أحد من الأولين والآخرين أحسن كلاما من كلام أبي عمر الزاهد . قال : وله كتاب " غريب الحديث " ألفه على مسند . أحمد بن حنبل
ولليشكري في أبي عمر قصيدة منها :
فلو أنني أقسمت ما كنت كاذبا بأن لم ير الراءون حبرا يعادله
إذا قلت شارفنا أواخر علمه تفجر حتى قلت هذا أوائله