يحيى بن مجاهد
ابن عوانة أبو بكر الفزاري الأندلسي الإلبيري الزاهد . ذكره ابن بشكوال في غير " الصلة " فقال : زاهد عصره ، وناسك [ ص: 245 ] مصره الذي به يتبركون ، وإلى دعائه يفزعون .
كان منقطع القرين ، مجاب الدعوة ، جربت دعوته في أشياء ظهرت ، حج وعني بالقراءات والتفسير ، وله حظ من الفقه ، لكن غلبت عليه العبادة .
وقد جمع يونس بن عبد الله كتابا في فضائله .
وذكره عمر بن عفيف فقال : كان من أهل العلم والزهد والتقشف والعبادة ، وجميل المذهب ، لم تر عيني مثله في الزهد والعبادة ، يلبس الصوف ، ويمشي حافيا مرة ، وينتعل مرة . فحدثني محمد بن أبي عثمان ، عن أبيه أن الحكم المستنصر بالله أحب أن يجتمع بيحيى بن مجاهد الزاهد ، فلم يقدر عليه ، ووجه إليه من يتلطف به ويستعطفه ، فقال : ما لي إليه حاجة ، وإنما يدخل على السلطان الوزراء ، وأهل الهيئة ، وأيش يعمل بأصحاب الأطمار الرثة ، فوجه إليه الحكم جبة صوف وغفارة وقميصا من وسط الثياب ودنانير ، فلما نظر إليها قال : ما لي ولهذه ؟ ! ردوها على صاحبها ، ولئن لم يتركوني سافرت ، فيئس من لقائه وتركه ، وكان يجلس إلى مؤدب بالجامع يأنس به .
قال ابن حيان : أخبرني أبي خلف قال : كنت يوما في حلقة الأستاذ أبي الحسن الأنطاكي في الجامع ، وإذا بحس في المقصورة ، فخرج منها فتى ، وبيده كرسي جلد ، فجاء حتى وقف على الشيخ ، ووضع الكرسي على مقربة منه ، وقال : أمير المؤمنين يخرج الساعة ، ويقول لك : لا تقم ولا تتغير إكراما لمجلسك وإعظاما لما أنت عليه ، فلم يلبثوا إلا يسيرا ، وإذا برجة في المقصورة ، فإذا الفتيان والعبيد قد خرجوا والحكم معهم ، فجاء [ ص: 246 ] وسلم ، فرد عليه السلام ، وبقي القارئ يقرأ على حالته التي كانت ، ولم يتجرأ أحد يتغير عن مكانه ، وإذا السفرة من العبيد والفتيان من أمير المؤمنين إلى الباب ومن الباب إلى أمير المؤمنين ، فقام وسلم وخرج .
قال ابن حيان : فاتبعته ، فركب فرسا وكبار القواد حوله ، فجاء حتى وقف على ابن مجاهد وهو يقرأ في المصحف ، فسلم عليه أمير المؤمنين ، فقال : السلام عليك يا أبا بكر فقال : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ودعا له دعوات يسيرة ، ثم أقبل على مصحفه ، ورجع أمير المؤمنين إلى منزله .
توفي ابن مجاهد في جمادى الآخرة سنة ست وستين وثلاثمائة وهو ابن سبعين سنة أو نحوها .