جيش بن محمد
ابن صمصامة ، الأمير الكبير ، نائب دمشق أبو الفتح المغربي .
ولي البلد من قبل خاله الأمير أبي محمود الكتامي في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، ثم وليها مستقلا بعد موت خاله سنة سبعين ، ثم صرف بعد عامين ، ثم وليها سنة تسع وثمانين .
وكان ظلوما متجبرا سفاكا للدماء ، مصادرا ، خبيث العقيدة ، عج الخلق فيه إلى الله حتى هلك بالجذام .
وكان قدم 72 الشام في جيش ، فنزل الرملة ، وبادر إلى خدمته نواب الشام ، فقبض على سليمان بن فلاح الأمير ، وجهز طائفة لمنازلة صور لأنهم عصوا ، وأمروا عليهم علاقة الملاح ، فاستنجد بالروم ، فأمده بسيل الملك [ ص: 54 ] بعدة مراكب ، فالتقوا هم وأسطول جيش ، فأخذت مراكب الروم ، وهرب من نجا ، ثم أخذت صور ، وأسر علاقة ، وسلخ بمصر حيا ، وولي على صور حسين بن صاحب الموصل ناصر الدولة . وهرب مفرج أمير العرب من جيش إلى جبال طيئ .
وأقبل جيش طالبا لجموع الروم النازلين على فامية وأقبل على أحداث دمشق واحترمهم ، وخلع على أعيانهم وسار إلى حمص ، وأتته الأمداد والمطوعة ، فالتقاه الذوفس -لعنه الله- ، وحملت الروم ، فطحنت القلب ، ثم انهزمت ميسرة جيش وعليها ميسور نائب طرابلس ، وهرب جيش في الميمنة ، فركبت الروم أقفيتهم ، وقتلوا نحو الألفين ، وأخذوا الخيام ، فثبت بشارة الإخشيدي في خمسمائة فارس ، فضج الخلق من داخل فامية إلى الله بالدعاء ، وكان طاغية الروم الذوفس على رابية بين يديه ابناه وعشرة فوارس ، فقصده أحمد بن ضحاك الكردي على جواده ، فظنه مستأمنا ، فلما قرب طعنه أحمد ، قتله ، فصاح أهل فامية : ألا إن عدو الله قتل ، فانهزمت الملاعين ثم تراجعت المصريون وركبوا أقفية العدو وألجئوهم إلى مضيق الجبل ، إلى جانب بحيرة فامية ، وأسر ولد الطاغية ، وحمل إلى مصر من رءوسهم نحو عشرين ألف رأس ، وألفا [ ص: 55 ] أسير ، وسار جيش إلى أنطاكية فسبى وغنم .
وقدم دمشق وقد عظمت سطوته ، ونزل بظاهرها ، وزينت دمشق ، فأظهر العدل ، وشرع يلاطف الأحداث حتى طمنهم ، وأمر قواده بالأهبة ، وهيأ رقاعا مختومة ، وقسم البلد ، وعين كل درب لقائد ، وأن يبذلوا السيف ، وهيأ في حمام داره التي ببيت لهيا مائتين بالسيوف ، ومد السماط للأحداث ، فلما قاموا لغسل الأيدي أغلق عليهم ، وكان كل مقدم من الأحداث يركب في جمعه بالسلاح ، وكان الذين أغلق عليهم اثني عشر مقدما ، فقتلوا ، ومالت أعوانه على أصحابهم قتلا ، ودخلت المصريون دمشق بالسيف ، فكان يوما عصيبا -نسأل الله العافية- ، ثم جهز إلى قرى الغوطة والمرج نصرون القائد ، فقتل نحو الألف ، واستغاث أهل البلد إلى جيش : العفو العفو . فكف ، وطلب الأكابر ، فلما اجتمعوا ، أخرج رءوس الأحداث قد ضرب أعناقهم ، ثم شرع في المصادرة والعذاب ، ووضع عليهم خمسمائة ألف دينار ، فقيل : عدة من قتل من الأحداث والشطار ثلاثة آلاف نفس ، فاستأصله الله بعد أشهر ، في ربيع الآخر سنة تسعين وثلاثمائة .
ولقد لقي المسلمون من العبيدية والمغاربة أعظم البلاء في النفس والمال والدين -فالأمر لله- ، وابتلي جيش بما لا مزيد عليه ، حتى ألقى ما في بطنه ، وكان يقول لأصحابه ، اقتلوني ، ويلكم ! أريحوني من الحياة . [ ص: 56 ] ويقال : نفذت فيه دعوة أبي بكر بن الحرمي الزاهد ، وأراق له خمورا فما سلطه الله عليه .