إدريس بن علي بن حمود الحسني
الإدريسي ، أخو
المعتلي بالله ، لما قتل أخوه بادر
أبو جعفر أحمد بن موسى بن بقنة ونجا الصقلبي الخادم ، فأتيا
مالقة وهي دار ملكهم ، فأخبرا
إدريس بن علي بقتل أخيه وكان
بسبتة ، فدخل
الأندلس .
[ ص: 142 ]
بويع
بمالقة بالخلافة ، ولقب
بالمتأيد ، بالله ، وجعل ابن أخيه
حسن بن المعتلي واليا على
سبتة .
ثم إنه استنجد
بإدريس محمد البربري على حرب عسكر
إشبيلية ، فأمده بجيش عليهم
ابن بقنة ، فهزموا عسكر
إشبيلية ، وكان عليه
إسماعيل ولد القاضي ابن عباد ، وقتل
إسماعيل ، وحمل رأسه إلى
إدريس بن علي ، فوافاه وهو عليل ، فلم يعش إلا يومين ومات ، وخلف من الولد
محمدا الذي لقب بالمهدي ،
والحسن الذي لقب بالسامي .
وكان
المعتلي بالله قد اعتقل
محمدا وحسنا ابني عمه
القاسم بن حمود بالجزيرة الخضراء ، ووكل بهما رجلا من المغاربة ، فحين بلغه خبر مقتل
المعتلي جمع من كان في
الجزيرة من
البربر والسودان ، وأخرج
محمدا وحسنا ، وقال : هذان سيداكم ، فسارعوا إلى الطاعة لهما . فبويع
محمد ، وتملك
الجزيرة ، لكنه لم يتسم بالخلافة ، وأما أخوه
الحسن ، فأقام معه مدة ، ثم تزهد ، ولبس الصوف ، وفرغ عن الدنيا ، وحج بأخته
فاطمة .
ولما بلغ
نجا الصقلبي وهو
بسبتة موت
إدريس ، عدى إلى
مالقة ومعه
حسن بن يحيى بن علي ، فخارت قوى
ابن بقنة ، وهرب فتحصن بحصن
لمارش وهو على بريد من
مالقة ، فبويع
الحسن بن يحيى بالخلافة ،
[ ص: 143 ] وتسمى
بالمستعلي ، ثم آمن
ابن بقنة ، فلما قدم عليه قتله ، ثم قتل ابن عمه
يحيى بن إدريس بن علي ، ورجع
نجا إلى
سبتة ، ثم هلك
حسن المستعلي ، بعد سنتين .
فجاز
نجا ليملك البلاد ، فقتلته
البربر ، وأخرجوا من السجن
إدريس بن المعتلي ، فبايعوه ، وتلقب
بالعالي وكان ذا رأفة ورقة ، لكن كان دنيء النفس يقرب السفل ، ولا يحجب حرمه عنهم ، وله تدبير سيئ . ثم إن
البربر مقتوه ، وأجمعوا على
محمد بن القاسم بن حمود الإدريسي الكائن
بالجزيرة الخضراء ، فبايعوه ، ولقبوه
بالمهدي ، وصار الأمر في غاية الأخلوقة ، اجتمع في الوقت أربعة يدعون بأمير المؤمنين في رقعة من
الأندلس ، مقدار ما بينهم ثلاثون فرسخا في مثلها ، ثم افترقوا عن
محمد بعد أيام ، ورد خاسئا ، فمات غما بعد أيام ، وخلف ثمانية أولاد .
فتولى أمر
الجزيرة الخضراء بعده ولده
القاسم بن محمد بن القاسم الإدريسي .
وولي
مالقة محمد بن إدريس بن المعتلي ، فبقي عليها إلى أن مات سنة خمس وأربعين وأربعمائة ، وعزل أبوه هذه المدة ، ثم ردوه بعد ولده إلى إمرة
مالقة ، فهو آخر من ملكها من
الإدريسيين فلما مات اجتمع رأي
[ ص: 144 ] البربر على نفي
الإدريسية عن
الأندلس إلى
العدوة ، والاستبداد بضبط ما بأيديهم من الممالك ، ففعلوا ذلك ، فكانت
الجزيرة وما والاها إلى
تاكزونة ،
ومالقة وغرناطة إلى قبيلة أخرى ، ولم يزالوا كذلك إلى أن قوي
المعتضد بالله عباد بن القاضي بن عباد ، وغلب على
الأندلس ، فأجلاهم عنها ، وذلك مذكور في " تاريخ "
nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي وغيره ، وغلب على كل قطر متغلب تسمى
بالمأمون ، ومنهم من تسمى
بالمعتصم ، وآخر
بالمتوكل ، حتى قال
الحسن بن رشيق :
مما يزهدني في أرض أندلس سماع معتصم فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
إِدْرِيسُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمُّودٍ الْحَسَنِيُّ
الْإِدْرِيسِيُّ ، أَخُو
الْمُعْتَلِي بِاللَّهِ ، لَمَّا قُتِلَ أَخُوهُ بَادَرَ
أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ بَقَنَّةَ وَنَجَا الصَّقْلَبِيُّ الْخَادِمُ ، فَأَتَيَا
مَالِقَةَ وَهِيَ دَارُ مُلْكِهِمْ ، فَأَخْبَرَا
إِدْرِيسَ بْنَ عَلِيٍّ بِقَتْلِ أَخِيهِ وَكَانَ
بِسَبْتَةَ ، فَدَخَلَ
الْأَنْدَلُسَ .
[ ص: 142 ]
بُويِعَ
بِمَالِقَةَ بِالْخِلَافَةِ ، وَلُقِّبَ
بِالْمُتَأَيِّدِ ، بِاللَّهِ ، وَجَعَلَ ابْنَ أَخِيهِ
حَسَنَ بْنَ الْمُعْتَلِي وَالِيًا عَلَى
سَبْتَةَ .
ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَنْجَدَ
بِإِدْرِيسَ مُحَمَّدٌ الْبَرْبَرِيُّ عَلَى حَرْبِ عَسْكَرِ
إِشْبِيلِيَّةَ ، فَأَمَدَّهُ بِجَيْشٍ عَلَيْهِمُ
ابْنُ بَقَنَّةَ ، فَهَزَمُوا عَسْكَرَ
إِشْبِيلِيَّةَ ، وَكَانَ عَلَيْهِ
إِسْمَاعِيلُ وَلَدُ الْقَاضِي ابْنِ عَبَّادٍ ، وَقُتِلَ
إِسْمَاعِيلُ ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى
إِدْرِيسَ بْنِ عَلِيٍّ ، فَوَافَاهُ وَهُوَ عَلِيلٌ ، فَلَمْ يَعِشْ إِلَّا يَوْمَيْنِ وَمَاتَ ، وَخَلَّفَ مِنَ الْوَلَدِ
مُحَمَّدًا الَّذِي لُقِّبَ بِالْمَهْدِيِّ ،
وَالْحَسَنَ الَّذِي لُقِّبَ بِالسَّامِيِّ .
وَكَانَ
الْمُعْتَلِي بِاللَّهِ قَدِ اعْتَقَلَ
مُحَمَّدًا وَحَسَنًا ابْنَيْ عَمِّهِ
الْقَاسِمِ بْنِ حَمُّودٍ بِالْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ ، وَوَكَّلَ بِهِمَا رَجُلًا مِنَ الْمَغَارِبَةِ ، فَحِينَ بَلَغَهُ خَبَرُ مَقْتَلِ
الْمُعْتَلِي جَمَعَ مَنْ كَانَ فِي
الْجَزِيرَةِ مِنَ
الْبَرْبَرِ وَالسُّودَانِ ، وَأَخْرَجَ
مُحَمَّدًا وَحَسَنًا ، وَقَالَ : هَذَانَ سَيِّدَاكُمْ ، فَسَارِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ لَهُمَا . فَبُويِعَ
مُحَمَّدٌ ، وَتَمَلَّكَ
الْجَزِيرَةَ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَسَمَّ بِالْخِلَافَةِ ، وَأَمَّا أَخُوهُ
الْحَسَنُ ، فَأَقَامَ مَعَهُ مُدَّةً ، ثُمَّ تَزَهَّدَ ، وَلَبِسَ الصُّوفَ ، وَفَرَغَ عَنِ الدُّنْيَا ، وَحَجَّ بِأُخْتِهِ
فَاطِمَةَ .
وَلَمَّا بَلَغَ
نَجَا الصَّقْلَبِيَّ وَهُوَ
بِسَبْتَةَ مَوْتُ
إِدْرِيسَ ، عَدَّى إِلَى
مَالِقَةَ وَمَعَهُ
حَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَلِيٍّ ، فَخَارَتْ قُوَى
ابْنِ بَقَنَّةَ ، وَهَرَبَ فَتَحَصَّنَ بِحِصْنٍ
لِمَارِشٍ وَهُوَ عَلَى بَرِيدٍ مِنْ
مَالِقَةَ ، فَبُويِعَ
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بِالْخِلَافَةِ ،
[ ص: 143 ] وَتَسَمَّى
بِالْمُسْتَعْلِي ، ثُمَّ آمَنَ
ابْنَ بَقَنَّةَ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَتَلَهُ ، ثُمَّ قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ
يَحْيَى بْنَ إِدْرِيسَ بْنِ عَلِيٍّ ، وَرَجَعَ
نَجَا إِلَى
سَبْتَةَ ، ثُمَّ هَلَكَ
حَسَنٌ الْمُسْتَعْلِي ، بَعْدَ سَنَتَيْنِ .
فَجَازَ
نَجَا لِيَمْلِكَ الْبِلَادَ ، فَقَتَلَتْهُ
الْبَرْبَرُ ، وَأَخْرَجُوا مِنَ السِّجْنِ
إِدْرِيسَ بْنَ الْمُعْتَلِي ، فَبَايَعُوهُ ، وَتَلَقَّبَ
بِالْعَالِي وَكَانَ ذَا رَأْفَةٍ وَرِقَّةٍ ، لَكِنْ كَانَ دَنِيءَ النَّفْسِ يُقَرِّبُ السَّفِلَ ، وَلَا يَحْجُبُ حَرَمَهُ عَنْهُمْ ، وَلَهُ تَدْبِيرٌ سَيِّئٌ . ثُمَّ إِنَّ
الْبَرْبَرَ مَقَتُوهُ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى
مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمُّودٍ الْإِدْرِيسِيِّ الْكَائِنِ
بِالْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ ، فَبَايَعُوهُ ، وَلَقَّبُوهُ
بِالْمَهْدِيِّ ، وَصَارَ الْأَمْرُ فِي غَايَةِ الْأُخْلُوقَةِ ، اجْتَمَعَ فِي الْوَقْتِ أَرْبَعَةٌ يُدْعَوْنَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ
الْأَنْدَلُسِ ، مِقْدَارُ مَا بَيْنَهُمْ ثَلَاثُونَ فَرْسَخًا فِي مِثْلِهَا ، ثُمَّ افْتَرَقُوا عَنْ
مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَيَّامٍ ، وَرُدَّ خَاسِئًا ، فَمَاتَ غَمًّا بَعْدَ أَيَّامٍ ، وَخَلَّفَ ثَمَانِيَةَ أَوْلَادٍ .
فَتَوَلَّى أَمْرَ
الْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ
الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْإِدْرِيسِيُّ .
وَوَلِيَ
مَالِقَةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْمُعْتَلِي ، فَبَقِيَ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَعُزِلَ أَبُوهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ ، ثُمَّ رَدُّوهُ بَعْدَ وَلَدِهِ إِلَى إِمْرَةِ
مَالِقَةَ ، فَهُوَ آخِرُ مَنْ مَلَكَهَا مِنَ
الْإِدْرِيسِيِّينَ فَلَمَّا مَاتَ اجْتَمَعَ رَأْيُ
[ ص: 144 ] الْبَرْبَرِ عَلَى نَفْيِ
الْإِدْرِيسِيَّةِ عَنِ
الْأَنْدَلُسِ إِلَى
الْعُدْوَةِ ، وَالِاسْتِبْدَادِ بِضَبْطِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْمَمَالِكِ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، فَكَانَتِ
الْجَزِيرَةُ وَمَا وَالَاهَا إِلَى
تَاكَزُونَةَ ،
وَمَالِقَةَ وَغَرْنَاطَةَ إِلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى ، وَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنْ قَوِيَ
الْمُعْتَضِدُ بِاللَّهِ عَبَّادُ بْنُ الْقَاضِي بْنِ عَبَّادٍ ، وَغَلَبَ عَلَى
الْأَنْدَلُسِ ، فَأَجْلَاهُمْ عَنْهَا ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي " تَارِيخِ "
nindex.php?page=showalam&ids=14171الْحُمَيْدِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَغَلَبَ عَلَى كُلِّ قُطْرٍ مُتَغَلِّبٌ تَسَمَّى
بِالْمَأْمُونِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَسَمَّى
بِالْمُعْتَصِمِ ، وَآخَرُ
بِالْمُتَوَكِّلِ ، حَتَّى قَالَ
الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ :
مِمَّا يُزَهِّدُنِي فِي أَرْضِ أَنْدَلُسٍ سَمَاعُ مُعْتَصِمٍ فِيهَا وَمُعْتَضِدِ أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا
كَالْهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخًا صَوْلَةَ الْأَسَدِ