المستعين
صاحب الأندلس ، الملقب بالمستعين ، أبو الربيع ، سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر لدين الله عبد الرحمن ، الأموي المرواني الأندلسي .
خرج على ابن عمه المؤيد بالله هشام على رأس عام أربعمائة ، والتف عليه البربر بالأندلس ، وغلبوا على قلعة رباح ، وملكوه ، وجمعوا له [ ص: 284 ] أموالا نحو المائة ألف دينار ، فسار بهم إلى طليطلة ، فحاربهم ، واستولى عليها ، وذبح واليها ، ثم هزم عسكرا واقعوه ، ثم قصد قرطبة ، فبرز لقتاله جيش محمد بن عبد الجبار المهدي ، فحطمهم سليمان ، وغرق خلق منهم في النهر ، وقتل خلق ، وكانت ملحمة كبرى ، ذهب فيها عدة من العلماء والصلحاء ، فعمد المهدي ، فأخرج المؤيد بالله بعد أن زعم أنه مات ، فأجلسه للناس ، وجعل القاضي ابن ذكوان يقول : هذا أمير المؤمنين ، وإنما ابن عبد الجبار نائبه . فقالت البربر : يا ابن ذكوان ، بالأمس تصلي عليه ، واليوم تحييه ! وأما الرعية فخرجوا يطلبون أمانا من سليمان ، فأكرمهم ، واختفى ابن عبد الجبار ، واستوسق لسليمان الأمر ، ودخل القصر ، ووارى الناس قتلاهم ، فكانوا اثني عشر ألفا ، وهرب ابن عبد الجبار إلى طليطلة ، فقاموا معه ، واستنجد بالفرنجية ، وبعث إليهم من بيت المال بذهب عظيم - فلله الأمر - ثم أقبل في عسكر عظيم ، فكان المصاف على عقبة البقر بقرب قرطبة ، فينهزم ابن عبد الجبار ، وقتل من الفرنج ثلاثة آلاف ، وغرق خلائق ، ثم ظفروا بابن عبد الجبار ، فذبح صبرا ، وقطعت أربعته في يوم التروية سنة أربعمائة ، وله أربع وثلاثون سنة .
ثم استمر في الملك المؤيد بالله ، وعاث المستعين بالبربر ، وجرت أمور طويلة ، وحاصر قرطبة مدة طويلة إلى شوال سنة ثلاث ، فشدوا ، وزحفوا على البلد ، فأخذوه ، وبذلوا السيف والنهب وبعض السبي ، وقتلوا المؤيد ، فيقال : قتل بقرطبة نيف وعشرون ألفا ، وفعلت عساكر المستعين ما لا تفعله النصارى ، واستوسق الأمر للمستعين ، فعسف وجار ، وأخرب البلاد ، وكان من قواده القاسم وعلي ابنا حمود بن ميمون العلوي الإدريسي ، فقدمهما على جيشه ، ثم استناب أحدهما على الجزيرة الخضراء ، والآخر على سبتة ، فراسل علي متولي سبتة جماعة ، وحدث نفسه بالخلافة ، فبادر إليه خلق [ ص: 285 ] وبايعوه ، فعدى إلى الأندلس ، فانضم إليه أمير مالقة ، واستفحل أمره ، ثم نازل قرطبة ، فبرز لحربه محمد ولد المستعين ، فالتقوا ، فانهزم محمد ، وهجم الإدريسي قرطبة ، وتملك ، وذبح المستعين - ولله الحمد - بيده صبرا ، وذبح أباه الحكم أيضا . وكان شيخا من أبناء الثمانين ، وذلك في المحرم سنة سبع وأربعمائة ، وزالت الدولة المروانية ، وعاش المستعين نيفا وخمسين سنة ، وله شعر جيد قد تقدم منه .