أمير الجيوش
الملك الأفضل أبو القاسم شاهنشاه ابن الملك أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني .
[ ص: 508 ] كان أبوه نائبا بعكا ، فسار في البحر في ترميم دولة المستنصر العبيدي ، فاستولى على الإقليم ، وأباد عدة أمراء ، ودانت له الممالك ، إلى أن مات ، فقام بعده ابنه هذا ، وعظم شأنه ، وأهلك نزارا ولد المستنصر صاحب دعوة الباطنية وأتابكه أفتكين متولي الثغر ، وكان بطلا شجاعا ، وافر الهيبة ، عظيم الرتبة ، فلما هلك المستعلي ، نصب في الإمامة ابنه الآمر ، وحجر عليه وقمعه ، وكان الآمر طياشا فاسقا ، فعمل على قتل الأفضل ، فرتب عدة وثبوا عليه ، فأثخنوه ، ونزل إليه الآمر ، توجع له ، فلما قضى ، استأصل أمواله ، وبقي الآمر في داره أربعين صباحا والكتبة تضبط تلك الأموال والذخائر ، وحبس أولاده ، وكانت أيامه ثمانيا وعشرين سنة ، وكانت الأمراء تكرهه لكونه سنيا ، فكان يؤذيهم ، وكان فيه عدل ، فظهر بعده الظلم والبدعة ، وولي الوزارة بعده المأمون البطائحي .
قتلوه في رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة وله ثمان وخمسون سنة .
قال ابن خلكان في " تاريخه " : قال صاحب الدول المنقطعة : خلف الأفضل ستمائة ألف ألف دينار ، ومائتين وخمسين إردبا من الدراهم ، وخمسين ألف ثوب ديباج ، وعشرين ألف ثوب حرير ، .
[ ص: 509 ] وثلاثين راحلة كذا وكذا ، ودواة مجوهرة باثني عشر ألف دينار ، وعشرة مجالس ; في المجلس مضروب عشرة مسامير من الذهب ، على المسمار منديل مشدود فيه بدلة ثياب ، وخمس مائة صندوق ، فيها كسوة ومتاع ، سوى الدواب والمماليك والبقر والغنم ، ولبن مواشيه يباع في السنة بثلاثين ألف دينار .
قلت : هذه الأشياء ممكنة ، سوى الدنانير والدراهم ، فلا أجوز ذلك ، بل أستبعد عشره ، ولا ريب أن جمعه لهذه الأموال موجب لضعف جيش مصر ، ففي أيامه استولت الفرنج على القدس وعكا ، وصور وطرابلس والسواحل ، فلو أنفق ربع ماله ، لجمع جيشا يملأ الفضاء ، ولأباد الفرنج ، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا .
قال أبو يعلى بن القلانسي كان الأفضل حسن الاعتقاد ، سنيا ، حميد السيرة ، كريم الأخلاق ، لم يأت الزمان بمثله .
قلت : وصلب البطائحي المتولي بعده سنة تسع عشرة .
ووزر بعد هلاك الآمر أمير الجيوش أبو علي أحمد بن الأفضل ، وكان شهما مطاعا ، وبطلا شجاعا ، سائسا سنيا ، كأبيه وجده ، فحجر على الحافظ ، ومنعه من أعباء الأمور ، فشد عليه مملوك للحافظ إفرنجي ، فطعنه قتله ، ووزر يانس الحافظي وكان أبو علي أحمد قد بالغ في الاحتجار على الحافظ ، وحول ذخائر القصر إلى داره ، وادعى أنها أموال أبيه .
[ ص: 510 ] وقيل : إنه ترك من الخطبة اسم الحافظ ، وخطب لنفسه ، وقطع الأذان بحي على خير العمل ، فنفرت منه الرعية ، وغالبهم شيعة . ، فقتل وهو يلعب بالكرة سنة ست وعشرين وخمسمائة وجددوا البيعة حينئذ للحافظ ، فمات الوزير يانس بعد ثلاث سنين ، فوزر ولي العهد حسن بن الحافظ .