ابن المعتمد
الواعظ الكبير المتكلم أبو الفتوح ، محمد بن الفضل الإسفراييني ، [ ص: 140 ] المعروف بابن المعتمد .
كان رأسا في الوعظ ، فصيحا ، عذب العبارة ، حلو الإيراد ، ظريفا ، عالما ، كثير المحفوظ ، صوفي الشارة ، جيد التصنيف .
ولد سنة أربع وسبعين وأربعمائة .
وسمع من أبي الحسن بن الأخرم ، وشيرويه الديلمي .
روى عنه : السمعاني ، . وابن عساكر
قال ابن النجار : كان من أفراد الدهر في الوعظ ، دقيق الإشارة ، وكان أوحد وقته في مذهب الأشعري ، وله في التصوف قدم راسخ ، صنف في الحقيقة كتبا ، منها : كتاب " كشف الأسرار " ، وكتاب " بيان القلب " ، وكتاب " بث السر " ، وكل كتبه نكت وإشارات ، ظهر له القبول التام ببغداد ، وكان يتكلم بمذهب الأشعري ، فثارت الحنابلة ، فأمر المسترشد بإخراجه ، فلما ولي المقتفي رجع إلى بغداد ، وعاد فعادت الفتن ، فأخرجوه إلى بلده .
قال هو أجرأ من رأيته لسانا وجنانا ، وأكثرهم فيما يورد إعرابا وإحسانا ، وأسرعهم جوابا ، وأسلسهم خطابا ، مع ما رزق بعد صحة العقيدة من الخصال الحميدة ، وإرشاد الخلق ، وبذل النفس في نصرة الحق . . . إلى أن قال : فمات مبطونا شهيدا غريبا ، لازمت مجلسه ، فما رأيت مثله واعظا . ابن عساكر
قال ابن النجار : قرأت في كتاب أبي بكر المارستاني قال : حدثني [ ص: 141 ] قاضي القضاة أبو طالب بن الحديثي قال : مر بنا أبو الفتوح وحوله خلق ، منهم من يصيح : لا نحرف ولا نصوب بل عبادة ، فرجمه العوام حتى تراجموا بكلب ميت ، وعظمت الفتنة ، لولا قربها من باب النوبي ، لهلك جماعة ، فاتفق جواز عميد بغداد موفق الملك ، فهرب من معه ، فنزل ، ودخل إلى بعض الدكاكين ، وأغلقها ، ثم اجتمع بالسلطان ، فحكى له ، فأمر بالقبض على أبي الفتوح وتسفيره إلى همذان ، ثم إلى إسفرايين ، وأشهد عليه أنه متى خرج منها ، فدمه هدر .
قال السمعاني : أزعج عن بغداد ، فأدركه الموت ببسطام في ثاني ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة ، فدفن بجنب الشيخ أبي يزيد البسطامي .
قال في " المنتظم " قدم السلطان ابن الجوزي مسعود بغداد ومعه الحسن بن أبي بكر النيسابوري الحنفي ، أحد المناظرين ، فجالسته ، فجلس بجامع القصر ، وكان يلعن الأشعري جهرا ، ويقول : كن شافعيا ولا تكن أشعريا ، وكن حنفيا ولا تكن معتزليا ، وكن حنبليا ، ولا تكن مشبها .
. وكان على باب النظامية اسم الأشعري ، فأمر السلطان بمحوه ، وكتب مكانه : ، وكان الشافعي الإسفراييني يعظ في رباطه ، ويذكر محاسن مذهب الأشعري ، فتقع الخصومات ، فذهب الغزنوي ، فأخبر السلطان بالفتن ، وقال : إن أبا الفتوح صاحب فتنة ، وقد رجم غير مرة ، والصواب إخراجه ، فأخرج ، وعاد الحسن النيسابوري إلى وطنه ، وقد كانت اللعنة قائمة في [ ص: 142 ] الأسواق وكان بين الإسفراييني وبين الواعظ أبي الحسن الغزنوي شنآن ، فنودي في بغداد أن لا يذكر أحد مذهبا .
قلت : لما سمع بوفاة ابن عساكر الإسفراييني أملى مجلسا في المعنى ، سمعناه بالاتصال ، فينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن ، ولا يشغب بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع ، فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيرا ، بل تثير شرا وعداوة ومقتا للصلحاء والعباد من الفريقين ، فتمسك بالسنة ، والزم الصمت ، ولا تخض فيما لا يعنيك ، وما أشكل عليك فرده إلى الله ورسوله ، وقف ، وقل : الله ورسوله أعلم .