محمد بن سعد
بن محمد بن مردنيش الجذامي الأندلسي ، الملك أبو عبد الله ، صاحب مرسية وبلنسية .
كان صهرا للملك المجاهد الورع أبي محمد عبد الله بن عياض ، فلما توفي ابن عياض ، اتفق رأي أجناده على تقديم ابن مردنيش هذا عليهم ، وكان صغير السن شابا ، لكنه كان ممن يضرب بشجاعته المثل ، وابتلي بجيش عبد المؤمن يحاربونه ، فاضطر إلى الاستعانة بالفرنج ، فلما توفي الخليفة عبد المؤمن تمكن ابن مردنيش ، وقوي سلطانه ، وجرت له حروب وخطوب .
ذكره اليسع في " تاريخه " ، وقال : نازلت الروم المرية عند علمهم بموت ابن عياض ، ولكون ابن مردنيش شابا ، ولكن عنده من الإقدام ما لا يوجد في أحد حتى أضر به في مواضع شاهدناها معه ، والرأي قبل الشجاعة ، وإلا فهو في القوة والشجاعة في محل لا يتمكن منه أحد في عصره ، ما استتم خمسة عشر عاما حتى ظهرت شجاعته ، فإن العدو نازل إفراغة ، فقرب فارس منهم إلى السور ، فخرج محمد ، وأبوه سعد لا [ ص: 241 ] يعرف ، فالتقيا على حافة النهر ، فضربه محمد ألقاه مع حصانه في الماء ، فلما كان الغد طلب فارس من الروم مبارزته ، وقال : أين قاتل فارسنا بالأمس ؟ فامتنع والده من إخراجه له ، فلما كان وقت القائلة وقد نام أبوه ، ركب حصانه ، وخرج حتى وصل إلى خيام العدو ، فقيل للملك : هذا ابن سعد . فأحضره مجلسه ، وأكرمه ، وقال : ما تريد ؟ قال : منعني أبي من المبارزة ، فأين الذي يبارز ؟ فقال : لا تعص أباك . فقال له : لا بد . فحضر المبارز ، فالتقيا ، فضرب العلج محمدا في طارقته ، وضرب هو العلج ألقاه ، ثم أومأ إليه بالرمح ليقتله ، فحالت الروم بينهما ، وأعطاه الملك جائزة .
ومن شجاعته يوم نوله كان في مائة فارس ، والروم في ألف ، فحمل بنفسه ، فاجتمعت فيه أكثر من عشرين رمحا ، فما قلبوه ، ولولا حصانة عدته لهلك ، فكشف عنه أصحابه ، وانهزم الروم ، فاتبعهم من الظهر إلى الليل ، ثم هادن الروم عشر سنين .
قلت : ولليسع بن حزم في ابن مردنيش عدة تواريخ ، وقال : له في المملكة خمسة وعشرون عاما إلى تاريخنا هذا .
قلت : أحسبه تملك بعيد الأربعين وخمسمائة .
قال : ولم تزل الأيام تخدمه ، وقد اهتم بجمع الصناع لآلات الحروب وللبناء والترخيم ، واشتغل ببناء القصور العجيبة والنزه والبساتين العظيمة ، وصاهر الرئيس القائد أبا إسحاق بن همشك .
[ ص: 242 ] قلت : هذا كان في أيام الملك نور الدين ، ولا أذكر متى توفي ، فلعله بعد الستين وخمسمائة نعم قد مر في ترجمة ابن عياض أن ابن مردنيش بقي إلى سنة ثمان وستين .