ابن حمدين
من أكابر أهل قرطبة ، تسمى بأمير المسلمين بعد هلاك ابن تاشفين ، وشن الغارات على بلاد عبد الله بن عياض ، وترك الجهاد لسوء رأي وزرائه ، فاشتعلت الفتنة ، والمرابطون بغرناطة في ألفي فارس ، ثم إن ابن حمدين التقى هو ويحيى ابن غانية فانتصر ابن غانية ، وانهزم ابن حمدين إلى قرطبة ، وخذله أصحابه ، فاتبعه ابن غانية ، وأحس ابن حمدين بالعجز ، ففر إلى فرنجواش ، واستنجد بالسليطين طاغية الروم ، واشترط له أموالا ، وابن غانية مضايق لابن حمدين ، فجاء الطاغية في مائة ألف ، ففر ابن غانية ، ودخل قرطبة ، فنازل اللعين وابن حمدين قرطبة ، فتقدم ابن حمدين إلى أهلها ، فمال إليه خلق ، ودخلتها الروم لعظم شوارعها ، فقتلوا من وجدوه ، وتفرقت الكلمة مع أن أهلها ينيفون على أربعمائة ألف مقاتل .
قال ابن اليسع الغافي : سمعت أبا مروان بن مسرة وقد سأله عبد المؤمن عن عدة مقاتلة أهل قرطبة ، فقال : أحصينا فيها ممن يحضر المساجد أربعمائة ألف مقاتل ، ولما تمكن العدو منها زحف إلى القصر ، [ ص: 244 ] فقاتل ابن غانية بقية يومه ، وكان عنده نمط من الروم ، فأخرجه إلى ملك الروم طالبا عهده على مال جعله له ، فحل عن قتاله ، وخرج إليه بماله ، وذكر الملك بأحوال المصامدة ، وخوفه من عبد المؤمن بن علي ، وقال له : إني خادمك في هذا البلد ، وحائل بينك وبين عبد المؤمن ، وكان للمصامدة إذ ذاك وقع في النفوس ، فاستنابه عليها ، وخرج السليطين بجملته عنها ، وخرج عنها أيضا ابن غانية يريد إشبيلية ، فدخل قرطبة أبو الغمر نائبا عن عبد المؤمن ، وهو أبو الغمر بن غلبون أحد الأبطال وصاحب رندة ، وثار بإشبيلية وبلادها أبو الحسن علي بن ميمون ، وثار بكل ناحية رئيس ، ثم اتفق رأي الجميع على تجويز المصامدة الذين تلقبوا بالموحدين من سبتة إلى الجزيرة الخضراء ، وجرت فتن كبار ، وزالت دولة المرابطين ، وأقبلت دولة الموحدين .
ولد ابن حمدين قبل الخمسمائة بقرطبة .
وهو القاضي أبو جعفر حمدين بن محمد بن علي بن محمد بن عبد العزيز بن حمدين الثعلبي ، قاضي الجماعةبقرطبة .
ولي القضاء سنة تسع وعشرين وخمسمائة بعد مقتل الشهيد القاضي أبي عبد الله بن الحاج .
وكان من بيت حشمة وجلالة ، صارت إليه رئاسة قرطبة عند اختلال أمر الملثمين وقيام ابن قسي عليهم بقرب الأندلس ، فلقب ابن حمدين بأمير المسلمين المنصور بالله في رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، ودعي له في الخطبة على أكثر منابر الأندلس ، ولكن لم يطل ذلك ، ثم تعاورته المحن في قصص يطول شرحها ، ثم تحول إلى مالقة ، وأقام بها خاملا إلى أن توفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة .