أبو النجيب 
الشيخ الإمام العالم المفتي المتفنن الزاهد العابد القدوة شيخ المشايخ أبو النجيب ، عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه بن  [ ص: 476 ] سعد بن الحسن بن القاسم بن علقمة بن النضر بن معاذ بن الفقيه عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، القرشي التيمي البكري السهروردي الشافعي الصوفي الواعظ ، شيخ بغداد   . ولد تقريبا بسهرورد  في سنة تسعين وأربعمائة . 
وقدم بغداد  نحو سنة عشر ، فسمع من أبي علي بن نبهان  كتاب " غريب الحديث " ، وسمع من زاهر الشحامي  ، وأبي بكر الأنصاري  وجماعة ، فأكثر ، وحصل الأصول ، وكان يعظ الناس في مدرسته . 
أثنى عليه السمعاني  كثيرا ، وقال : تفقه في النظامية ، ثم هب له نسيم الإقبال والتوفيق ، فدله على الطريق ، وانقطع مدة ، ثم رجع ، ودعا إلى الله ، وتزهد به خلق ، وبنى له رباطا على الشط ، حضرت عنده مرات ، وانتفعت بكلامه ، وكتبت عنه . 
وقال عمر بن علي القرشي   : هو من أئمة الشافعية ، وعلم من أعلام الصوفية ، ذكر لي أنه دخل بغداد  سنة سبع ، وسمع " غريب الحديث " ، وتفقه على أسعد الميهني  ، وتأدب على الفصيحي ، ثم آثر الانقطاع ، فتجرد ، ودخل البرية حافيا ، وحج ، وجرت له قصص ، وسلك طريقا وعرا في المجاهدة ، ودخل أصبهان  ، وجال في الجبال ، ثم صحب الشيخ  [ ص: 477 ] حمادا الدباس  ، ثم شرع في دعاء الخلق إلى الله ، فأقبل الناس عليه ، وصار له قبول عظيم ، وأفلح بسببه أمة صاروا سرجا ، وبنى مدرسة ورباطين ، ودرس وأفتى ، وولي تدريس النظامية ، ولم أر له أصلا يعتمد عليه ب " الغريب " . 
وقال ابن النجار   : كان مطرحا للتكلف في وعظه بلا سجع ، وبقي سنين يستقي بالقربة بالأجرة ، ويتقوت ، ويؤثر من عنده ، وكانت له خربة يأوي إليها هو وأصحابه ، ثم اشتهر ، وصار له القبول عند الملوك ، وزاره السلطان ، فبنى الخربة رباطا ، وبنى إلى جانبه مدرسة ، فصار حمى لمن لجأ إليه من الخائفين يجير من الخليفة والسلطان ، ودرس بالنظامية  سنة 45 ، ثم عزل بعد سنتين ، أملى مجالس ، وصنف مصنفات . . . . إلى أن قال : وصحب الشيخ أحمد الغزالي الواعظ  ، وسلكه . 
قلت : قد أوذي عند موت السلطان مسعود  ، وأحضر إلى باب النوبي ، فأهين ، وكشف رأسه ، وضرب خمس درر ، وحبس مدة لأنه درس بجاه مسعود . 
قال ابن النجار   : وأنبأنا يحيى بن القاسم  ، حدثنا أبو النجيب  قال : كنت أدخل على الشيخ حماد  وفي فتور ، فيقول : دخلت علي وعليك ظلمة ، وكنت أبقى اليومين والثلاثة لا أستطعم بزاد ، فأنزل في دجلة  أتقلب ليسكن جوعي ، ثم اتخذت قربة أستقي بها ، فمن أعطاني شيئا أخذته ، ومن لم يعطني لم أطالبه ، ولما تعذر ذلك في الشتاء علي ، خرجت إلى سوق ، فوجدت رجلا بين يديه طبرزد ، وعنده جماعة يدقون الأرز ، فقلت :  [ ص: 478 ] استعملني . قال : أرني يدك . فأريته ، قال : هذه يد لا تصلح إلا للقلم ، وأعطاني ورقة فيها ذهب ، فقلت : لا آخذ إلا أجرة عملي ، فإن شئت نسخت لك بالأجرة . قال : اصعد ، وقال لغلامه : ناوله المدقة ، فدققت معهم وهو يلحظني ، فلما عملت ساعة ، قال : تعال ، فناولني الذهب ، وقال : هذه أجرتك ، فأخذته ، ثم أوقع الله في قلبي الاشتغال بالعلم ، فاشتغلت حتى أتقنت المذهب ، وقرأت الأصلين ، وحفظت " الوسيط " للواحدي في التفسير ، وسمعت كتب الحديث المشهورة . 
قال  أبو القاسم بن عساكر   : ذكر لي أبو النجيب  أنه سمع من أبي علي الحداد  ، واشتغل بالمجاهدة ، ثم استقى بالأجرة ، ثم وعظ ودرس بالنظامية  ، قدم دمشق  سنة ثمان وخمسين لزيارة بيت المقدس  ، فلم يتفق له لانفساخ الهدنة . 
قلت : حدث عنه هو والقاسم  ابنه ، والسمعاني  ، وابن سكينة  ، وزين الأمناء  ، وأبو نصر بن الشيرازي  ، وابن أخيه الشيخ شهاب الدين عمر  ، وخلق . 
مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وخمسمائة ودفن بمدرسته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					