شاور
وزير الديار المصرية ، الملك ، أبو شجاع ، شاور بن مجير السعدي الهوازني .
كان الصالح بن رزيك قد ولاه الصعيد .
وكان شهما شجاعا فارسا سائسا .
ولما قتل الصالح ثار شاور ، وحشد ، وجمع ، أقبل على واحات يخترق البر حتى خرج عند تروجة وقصد القاهرة ، فدخلها ، وقتل العادل رزيك بن الصالح ، واستقل بالأمر ، ثم تزلزل أمره ، فسار إلى نور الدين صاحب الشام ، فأمده بأسد الدين بن شيركوه فثبته في منصبه ، [ ص: 515 ] فتلاءم على شيركوه ولم يف له ، وعمل قبائح ، واستنجد بالفرنج ، وكادوا أن يملكوا مصر ، وجرت أمور عجيبة ، ثم استظهر شيركوه ، وتمرض ، فعاده شاور ، فشد عليه جرديك النوري فقتله في ربيع الآخر سنة أربع وستين وقيل : بل قتله صلاح الدين لا جرديك .
قال إمام مسجد الزبير إبراهيم بن إسماعيل الهاشمي : تملك شاور البلاد ، ولم شعث القصر ، وأدر الأرزاق الكثيرة على أهل القصر ، وكان قد نقصهم الصالح أشياء كثيرة ، وتجبر وظلم -أعني شاور - فخرج عليه الأمير ضرغام وأمراء ، وتهيؤوا لحربه ، ففر إلى الشام ، وقتل ولده طي في رمضان سنة ثمان وخمسين ، واختبط الناس ، وأقبلت الروم إلى الحوف ، فحاصروا بلبيس ، وجرت وقعة كبرى قتل فيها خلق ، ورد العدو إلى الشام ، فأتى شاور ، فاجتمع بنور الدين ، فأكرمه ، ووعده بالصرة ، وقال شاور له : أنا أملكك مصر ، فجهز معه شيركوه بعد عهود وأيمان ، فالتقى شيركوه هو وعسكر ضرغام ، فانكسر المصريون ، وحوصر ضرغام بالقاهرة ، وتفلل جمعه ، فهرب ، فأدرك وقتل عند جامع ابن طولون ، وطيف برأسه ، ودخل شاور ، فعاتبه العاضد على ما فعل من تطريق الترك إلى مصر ، فضمن له أن يصرفهم ، فخلع عليه ، فكتب إلى الروم يستنفرهم ويمنيهم ، فأسقط في يد شيركوه ، وحاصر القاهرة ، فدهمته الروم ، فسبق إلى بلبيس ، فنزلها ، فحاصره العدو بها شهرين ، وجرت له معهم وقعات ، ثم فتروا ، وترحلوا وبقي خلق من الروم يتقوى بهم شاور ، وقرر لهم مالا ، ثم فارقوه .
[ ص: 516 ] وبالغ شاور في العسف والمصادرة ، وتمنوا أن يلي شيركوه عليهم ، فسار إليهم ثانيا من الشام ، فاستصرخ شاور -لا سلمه الله- بملك الفرنج مري ، فبادر في جمع عظيم ، فعبر شيركوه إلى ناحية الصعيد ، ثم نزل بأرض الجيزة ، ونزلت الفرنج بإزائه في الفسطاط ، وقرر شاور للفرنج أربعمائة ألف دينار وإقامات ، ثم ترحل شيركوه إلى نحو الصعيد ، فتبعه شاور والفرنج ، ونهب للفرنج أشياء كثيرة ، ورجعوا مغلولين ، فنزلوا بالجيزة ، فرد شيركوه ، وقدم الإسكندرية ، وتبعته الفرنج ، ففتح أهل الثغر لشيركوه ، وفرحوا به ، فاستخلف بها ابن أخيه صلاح الدين ، وكر إلى الفيوم ، ونهب جنده القرى ، وظلموا ، وذهب هو فصادر أهل الصعيد ، وبالغ ، وحاصر شاور والروم الإسكندرية ، وبها صلاح الدين ، واشتد القتال ، ثم قدم شيركوه مصر ، وترددت الرسل في الصلح ، ورجعت الروم إلى بلادهم ، ثم أقبل الطاغية مري في جيوشه ، وغدر ، وخندق شاور على مصر ، وعظم الخطب ، واستباحت الروم بلبيس قتلا وسبيا ، وهرب المصريون على الصعب والذلول ، وأحرقت دور مصر ، وتهتكت الأستار ، وعم الدمار ، ودام البلاء أشهرا يحاصرهم الطاغية ، فطلبوا المهادنة ، فاشترط الكلب شروطا لا تطاق ، فأجمع رأي العاضد وأهل القصر على الاستصراخ بنور الدين ، فكر شيركوه في جيشه ، فتقهقر العدو إلى الساحل وفي أيديهم اثنا عشر ألف أسير ، وقدم شيركوه ، فما وسع شاور إلا الخروج إليه منتصلا معتذرا ، فصفح عنه ، وقبل عذره ، وبرزت الخلع لشيركوه وشاور وفي النفوس ما فيها ، وتحرز هذا من هذا ، إلى أن وقع لشاور أن يعمل دعوة لشيركوه ، وركب إليه ، فأحس شيركوه بالمكيدة ، فعبى جنده ، وأخذ شاور أسيرا ، وانهزم عسكره ، ثم قتل ، وأسر أولاده وأعوانه ، وعذبوا ، ثم ضربت أعناقهم ، وتمكن شيركوه ثمانية وخمسين يوما ، ثم مات بالخوانيق ، وقيل : [ ص: 517 ] بل سمه العاضد في منديل الحنك الذي للخلعة .