ابن الخشاب
الشيخ الإمام العلامة المحدث ، إمام النحو أبو محمد ، عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر ، البغدادي ابن الخشاب ، من يضرب به المثل في العربية ، حتى قيل : إنه بلغ رتبة أبي علي الفارسي .
[ ص: 524 ] ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة .
وسمع من : أبي القاسم علي بن الحسين الربعي ، وأبي النرسي ، ويحيى بن عبد الوهاب بن منده ، وأبي عبد الله البارع ، وأبي غالب البناء ، وهبة الله بن الحصين ، وعدة .
وقرأ كثيرا ، وحصل الأصول .
وأخذ الأدب عن أبي علي بن المحول شيخ اللغة ، وأبي السعادات بن الشجري ، وعلي بن أبي زيد الفصيحي ، وأبي منصور موهوب بن الجواليقي ، وأبي بكر بن جوامرد النحوي .
وفاق أهل زمانه في علم اللسان ، كتب بخطه المليح المضبوط شيئا كثيرا ، وبالغ في السماع حتى قرأ على أقرانه ، وحصل من الكتب شيئا لا يوصف ، وتخرج به في النحو خلق .
حدث عنه : السمعاني ، وأبو اليمن الكندي ، ، والحافظ عبد الغني والشيخ الموفق ، وأبو البقاء العكبري ، ومحمد بن عماد ، وفخر الدين بن تيمية ، ومنصور بن أحمد بن المعوج .
قال السمعاني : هو شاب كامل فاضل ، له معرفة تامة بالأدب واللغة والنحو والحديث ، يقرأ الحديث قراءة حسنة صحيحة سريعة مفهومة ، سمع الكثير ، وحصل الأصول من أي وجه ، كان يضن بها ، سمعت بقراءته كثيرا ، وكان يديم القراءة طول النهار من غير فتور ، سمعت أبا شجاع البسطامي يقول : قرأ علي بن الخشاب " غريب الحديث " لأبي محمد [ ص: 525 ] القتبي قراءة ما سمعت قبلها مثلها في الصحة والسرعة ، وحضر جماعة من الفضلاء ، فكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسان ، فما قدروا .
وقال ابن النجار : أخذ ابن الخشاب الحساب والهندسة عن أبي بكر قاضي المرستان ، وأخذ الفرائض عن أبي بكر المزرفي وكان ثقة ، ولم يكن في دينه بذاك ، وقرأت بخط الشيخ الموفق : كان ابن الخشاب إمام أهل عصره في علم العربية ، حضرت كثيرا من مجالسه ، ولم أتمكن من الإكثار عنه لكثرة الزحام عليه ، وكان حسن الكلام في السنة وشرحها .
قال ابن الأخضر : كنت عنده وعنده جماعة من الحنابلة ، فسأله مكي الغراد : هل عندك كتاب الجبال ؟ فقال : يا أبله ! ما تراهم حولي ؟
[ ص: 526 ] وقيل : إنه سئل : أيمد القفا أو يقصر ؟ فقال : يمد ، ثم يقصر . وكان مزاحا .
وقيل : عرض اثنان عليه شعرا لهما ، فسمع للأول ، ثم قال : أنت أردأ شعرا منه . قال : كيف تقول هذا ولم تسمع قول الآخر ؟ قال : لأن هذا لا يكون أردأ منه .
وقال لرجل : ما بك ؟ قال : فؤادي . قال : لو لم تهمزه لم يوجعك .
قال حمزة بن القبيطي : كان ابن الخشاب يتعمم بالعمامة وتبقى مدة حتى تسود وتتقطع من الوسخ وعليها ذرق العصافير .
وقال ابن الأخضر : ما تزوج ابن الخشاب ولا تسرى ، وكان قذرا يستقي بجرة مكسورة ، عدناه في مرضه ، فوجدناه بأسوء حال ، فنقله القاضي أبو القاسم بن الفراء إلى داره ، وألبسه ثوبا نظيفا ، وأحضر الأشربة والماورد ، فأشهدنا بوقف كتبه ، فتفرقت وباع أكثرها أولاد العطار حتى بقي عشرها ، فترك برباط المأمونية .
قال ابن النجار كان بخيلا متبذلا ، يلعب بالشطرنج على الطريق ، ويقف على المشعوذ ، ويمزح ، ألف في الرد على في [ ص: 527 ] " مقاماته " وشرح " اللمع " ، وصنف في الرد على الحريري أبي زكريا التبريزي .
وقال القفطي عبارته أجود من قلمه ، وكان ضيق العطن ، ما كمل تصنيفا .
قال ابن النجار : سمعت المبارك بن المبارك النحوي يقول : كان ابن الخشاب إذا نودي على كتاب ، أخذه وطالعه ، وغل ورقه ، ثم يقول : هو مقطوع ، فيشتريه برخص .
قلت : لعله تاب ، فقد قال عبد الله بن أبي الفرج الجبائي رأيت ابن الخشاب وعليه ثياب بيض ، وعلى وجهه نور ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي ، ودخلت الجنة ، إلا أن الله أعرض عني وعن كثير من العلماء ممن لا يعمل .
مات في ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة .
[ ص: 528 ] أخبرنا ابن الفراء ، أخبرنا ابن قدامة ، أخبرنا . . . فذكر حديثا . أبو محمد بن الخشاب