صاحب دمشق السلطان الملك الأشرف مظفر الدين أبو الفتح موسى شاه أرمن ابن العادل .
[ ص: 123 ] ولد بالقاهرة في سنة ست وسبعين فهو من أقران أخيه المعظم .
وروى عن ابن طبرزذ .
حدثنا عنه أبو الحسين اليونيني .
وحدث عنه أيضا القوصي في " معجمه " .
وسمع " الصحيح " في ثمانية أيام من ابن الزبيدي .
تملك القدس أولا ، ثم أعطاه أبوه حران والرها وغير ذلك ، ثم تملك خلاط ، وتنقلت به الأحوال ، ثم تملك دمشق بعد حصار الناصر بها ، فعدل وخفف الجور ، وأحبته الرعية . وكان فيه دين وخوف من الله على لعبه . وكان جوادا ، سمحا ، فارسا شجاعا ، لديه فضيلة . ولما مر بحلب سنة خمس وستمائة تلقاه الملك الظاهر ابن عمه وأنزله في القلعة ، وبالغ في الإنفاق عليه ، فأقام عنده خمسة وعشرين يوما ، فلعله نابه فيها لأجله خمسون ألف دينار ، ثم قدم له تقدمة وهي : مائة بقجة مع مائة مملوك فيها فاخر الثياب وخمسة وعشرون رأسا من الخيل ، وعشرون بغلا وقطارا جمال ، وعدة خلع لخواصه ومائة ألف درهم ، وأشياء سوى ذلك .
ومن سعادته أن أخاه الملك الأوحد صاحب خلاط مرض فعاده الأشرف [ ص: 124 ] فأسر الطبيب إليه : إن أخاك سيموت ، فمات بعد يوم واستولى الأشرف على إرمينية .
وكان مليح الهيئة ، حلو الشمائل . قيل : ما هزمت له راية . وكان له عكوف على الملاهي والمسكر - عفا الله عنه - ويبالغ في الخضوع للفقراء ويزورهم ويعطيهم ، ويجيز على الشعر ، ويبعث في رمضان بالحلاوات إلى أماكن الفقراء ، ويشارك في صنائع ، وله فهم وذكاء وسياسة . أخرب خان العقيبة ، وعمله جامعا .
قال سبط الجوزي فجلست فيه ، وحضر الأشرف وبكى وأعتق جماعة . وعمل مسجد باب النصر ، ودار السعادة ، ومسجد ، وجامع جراح ، وداري الحديث بالبلد وبالسفح والدهشة ، وجامع بيت الأبار . أبي الدرداء
قال سبط الجوزي كان الأشرف يحضر مجالسي بحران ، وبخلاط ، ودمشق ، وكان ملكا عفيفا ، قال لي : ما مددت عيني إلى حريم أحد ولا ذكر ولا أنثى ، جاءتني عجوز من عند بنت صاحب خلاط شاه أرمن بأن الحاجب عليا أخذ لها ضيعة فكتبت بإطلاقها فقالت العجوز : تريد أن تحضر بين يديك . فقلت : باسم الله ، فجاءت بها فلم أر أحسن من قوامها ولا أحسن من شكلها ، فخدمت فقمت لها ، وقلت : أنت في هذا البلد وأنا لا [ ص: 125 ] أدري ؟ فسفرت عن وجه أضاءت منه الغرفة ، فقلت : لا ، استتري . فقالت : مات أبي واستولى على المدينة بكتمر ، ثم أخذ الحاجب قريتي ، وبقيت أعيش من عمل النقش وفي دار بالكراء . فبكيت لها ، وأمرت لها بدار وقماش ، فقالت العجوز : يا خوند ألا تحظى الليلة بك ؟ فوقع في قلبي تغير الزمان وأن خلاط يملكها غيري ، وتحتاج بنتي أن تقعد هذه القعدة ، فقلت : معاذ الله ما هذا من شيمتي . فقامت الشابة باكية تقول : صان الله عواقبك . وحدثني أن غلاما له مات فخلف ابنا كان مليح زمانه ، وكنت أتهم به ، وهو أعز من ولد ، وبلغ عشرين سنة ، فاتفق أنه ضرب غلاما له فمات ; فاستغاث أولياؤه ، فاجتمع عليهم مماليكي ، حتى بذلوا لهم مائة ألف فأبوا إلا قتله ، فقلت : سلموه إليهم ، فسلموه فقتلوه .
وقضيته مشهورة بحران ; أتاه أصحاب الشيخ حياة وبددوا المسكر من بين يديه ، فسكت ، وكان يقول : بها نصرت . وقد خلع علي مرة وأعطاني بغلة وعشرة آلاف درهم .
وحدثني الفقيه محمد اليونيني قال : حكى لي فقير صالح ، قال : لما مات الأشرف رأيته في ثياب خضر وهو يطير مع الأولياء .
وله شعر فيما قيل .
قال : وكنت أغشاه في مرضه ، فقلت له : استعد للقاء الله فما يضر ، فقال : لا والله بل ينفع ، ففرق البلاد ، وأعتق مماليكه نحو مائتين ، ووقف دار السعادة والدهشة على بنته .
[ ص: 126 ] وقال ابن واصل : خلف بنتا فتزوجها الملك الجواد ، فلما تسلطن عمها الصالح فسخ نكاحها ; ولأنه حلف بطلاقها على شيء فعله ، ثم زوجها بولده المنصور محمد ، فدامت في صحبته إلى اليوم .
وكان للأشرف ميل إلى المحدثين والحنابلة ; قال ابن واصل : وقعت فتنة بين الشافعية والحنابلة بسبب العقائد . قال : وتعصب الشيخ عز الدين بن عبد السلام على الحنابلة ، وجرت خبطة ، حتى كتب عز الدين - رحمه الله - إلى الأشرف يقع فيهم ، وأن الناصح ساعد على فتح باب السلامة لعسكر الظاهر والأفضل عندما حاصروا العادل ، فكتب الأشرف : يا عز الدين الفتنة ساكنة لعن الله مثيرها ، وأما باب السلامة فكما قيل :
وجرم جره سفهاء قوم فحل بغير جانيه العذاب
وقد تاب الأشرف في مرضه وابتهل ، وأكثر الذكر والاستغفار .قلت : مرض مرضين مختلفين في أعلاه وأسفله ، فقيل : كان الجرائحي يخرج من رأسه عظاما ، وهو يحمد الله .
ولما احتضر قال لابن موسك : هات وديعتي ، فجاء بمئزر صوف فيه خرق من آثار المشايخ ، وإزار عتيق ، فقال : يكون هذا على بدني أتقي به النار ، وهبنيه إنسان حبشي من الأبدال كان بالرها .
وقال ابن حمويه : كان به دمامل في رأسه ومخرجه ، وتأسف الخلق عليه .
قلت : كان يبالغ في تعظيم الشيخ الفقيه توضأ الفقيه يوما ، فوثب [ ص: 127 ] الأشرف ، وحل من تخفيفته ورماها على يدي الشيخ لينشف بها ، رأى ذلك شيخنا أبو الحسين ، وحكاه لي .
مات في رابع المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة وكان آخر كلامه " لا إله إلا الله " فيما قيل .