الصالح
السلطان الملك الصالح عماد الدين أبو الخيش إسماعيل ابن الملك العادل محمد بن أيوب بن شاذي صاحب دمشق .
حدث عن أبيه بالسابع من " المحامليات " قرأه عليه السيف بن المجد ، وكان له ميل إلى المقادسة وإحسان .
[ ص: 135 ] تملك بصرى وبعلبك ، وتنقلت به الأحوال واستولى على دمشق أعواما ، فحاربه صاحب مصر ابن أخيه ، وجرت له أمور طويلة ، ما بين ارتفاع وانخفاض .
وكان قليل البخت بطلا شجاعا مهيبا شديد البطش ، مليح الشكل ، كان في خدمة أخيه الأشرف ، فلما مات الأشرف توثب على دمشق ، وتملك ، فجاء أخوه السلطان الملك الكامل ، وحاصره ، وأخذ منه دمشق ، ورده إلى بعلبك . فلما مات الكامل ، وتملك الجواد ثم الصالح نجم الدين ، وسار نجم الدين يقصد مصر ، هجم الصالح إسماعيل بإعانة صاحب حمص المجاهد ، فتملك دمشق ثانيا في سنة سبع وثلاثين فبقي بها إلى سنة اثنتين وأربعين . وحاربه الصالح بالخوارزمية ، واستعان هو بالفرنج وبذل لهم الشقيف وغيرها فمقت لذلك ، وكان فيه جور . واستقضى على الناس الرفيع الجيلي ، وتضرر الرعية بدمشق في حصار الخوارزمية حتى أبيع الخبز رطل بستة دراهم ، والجبن واللحم بنسبة ذلك ، وأكلوا الميتة ، ووقع فيهم وباء شديد .
قال المؤيد في " تاريخه " : سار الصالح نجم الدين من دمشق ليأخذ مصر ، ففر إليه عسكر من المصريين ، وكان استناب بدمشق ولده المغيث عمر ، وكاتب عمه إسماعيل يستدعيه من بعلبك ، فاعتذر وأظهر أنه معه ، وهو عمال في السر على دمشق ، وفهم ذلك نجم الدين أيوب ، فبعث طبيبه سعد الدين إلى بعلبك متفرجا ، وبعث معه قفص حمام نابلسي ، ليبطق [ ص: 136 ] إليه بأخبار إسماعيل فعلم إسماعيل بمجيئه ، فاستحضره واحترمه ، واختلس الحمام من القفص ، ووضع مكانها من حمام بعلبك ، ثم صار الطبيب يبطق : إن عمك قد جمع وعزم على قصد دمشق ، فيرسل الطير ، فيقع في الحال بالقلعة ، ويقرأ ذلك إسماعيل ، ثم يكتب على لسان الطبيب : إن عمك قد جمع ليعاضدك وهو قادم إليك ، ويرسل ذلك مع طير نابلسي فيفرح نجم الدين ، ويعرض عن ما يسمع ، إلى أن راحت منه دمشق . وأما الصالح إسماعيل فترك دمشق بعد ذاك الحصار الطويل ، وقنع ببعلبك .
وفي " معجم " القوصي في ترجمة الأشراف : فأخوه إسماعيل نصر الكافرين ، وسلم إليهم القلاع ، واستولى على دمشق سرقة ، وحنث في يمينه ، وقتل من الملوك والأمراء من كان ينفع في الجهاد ، وصادر على يد قضاته العباد ، وخرب الأملاك ، وطول ذيل الظلم ، وقصر ذيل العدل ، وظن أن الفلك له مستمر ، فسقط الدهر لغفلته ، وأراه بلايا . وطول القوصي .
ثم ذهبت منه بعلبك وبصرى ، وتلاشى أمره ، فمضى إلى حلب ، وافدا على ابن ابن أخته ، وصار من أمرائه ، وأتى به فتملكوا دمشق ، فلما ساروا ليأخذوا مصر غلب الشاميون ، وأسر جماعة ، منهم الملك الصالح ، في سنة ثمان وأربعين ، فسجن بالقاهرة ، ومروا به على تربة السلطان نجم الدين أيوب فصاحت البحرية يا خوند أين عينك تنظر إلى عدوك ؟ !
قال الخضر بن حمويه : وفي سلخ ذي القعدة من سنة ثمان أخرجوا الصالح ليلا ، ومضوا به إلى الجبل فقتلوه وعفي أثره . قلت : كفر عنه بالقتل . قال ابن واصل : لما أتوا بالصالح بكرة الواقعة أوقف إلى جانب المعز [ ص: 137 ] فقال لحسام الدين بن أبي علي : يا خوند أما تسلم على المولى الملك الصالح ؟ ! قال : فدنوت منه ، وسلمت عليه .
قال ابن واصل : رأيت الصالح يوم دخول الجيش منصورين وهو بين يدي المعز ، فحكى لي ابن أبي علي قال : قلت للصالح : هل رأيت القاهرة قبل اليوم ؟ قال : نعم ، وأنا صبي . ثم اعتقلوه أياما ، فقيل : خنقوه كما خنق الجواد .
وكان ملكا شهما ، محسنا إلى جنده ، كثير التجمل ، وكان أبوه العادل يحب أم هذا ، ولها تربة ومدرسة بدمشق .
ومن أولاده : الملك المنصور محمود الذي سلطنه أبوه بدمشق ، والملك السعيد عبد الملك والد الملك الكامل . والملك المسعود والد صاحبنا ناصر الدين .
ووزر له أمين الدولة أبو الحسن بن غزال السامري ثم المسلماني الطبيب واقف أمينية بعلبك ، وكان رقيق الدين ظلوما يتفلسف ، شنق بمصر في هذه الفتنة ، وترك أموالا عظيمة ، ومن الكتب نحو عشرة آلاف مجلد .