وفي سنة ثماني عشرة التقى خوارزم شاه ، وتولي ابن جنكزخان فانهزموا ، وقتل تولي ، وبلغ الخبر أباه فجن وتنمر ، وأسرع مجدا ، فالتقاه خوارزم شاه في شوالها ، فحمل على قلب فمزقه ، وانهزموا لولا كمين لهم خرجوا على المسلمين ، فانكسروا وأسر ولد جنكزخان جلال الدين وتقهقر إلى نهر السند فغرق حرمه ، ونجا في نحو من أربعة آلاف حفاة عراة ليختفي في الجبال والآجام يعيشون من النهب ، فحاربه ملك من ملوك الهند فرماه جلال الدين بسهم في فؤاده فسقط وتمزق جيشه ، وحاز جلال الدين الغنائم ، وعاش ، فسار إلى سجستان ، وبها خزائن له فأنفق في جنده .
وقال ابن واصل التقاهم جلال الدين بكابل فهزمهم ، ثم فارقه شطر جيشه لفتنة جرت ، وفاجأه ، فتحير جنكزخان جلال الدين ، وسار إلى نهر السند ، فلم يجد سفنا تكفيهم ، وضايقه فالتقاه حتى دام الحرب ثلاثة أيام ، وقتل خلق من الفريقين ، وجاءت سفن فعدوا فيها ، ونازلت جنكزخان التتار غزنة فاستباحوها .
قلت : هذا كله وجيش مصر والشام في مصابرة الفرنج بدمياط والأمر شديد .
ودخلت سنة تسع عشرة ، فتحزبت ملوك الهند على جلال الدين لأذيته [ ص: 241 ] لهم ، فاستناب أخاه جهان على ما فتحه من طريق الهند وقصد العراق ، وقاسى المشاق ، فتوصل في أربعة آلاف منهم من هو راكب البقر والحمر في سنة 621 ، فقدم شيراز فأتاه علاء الدولة أتابك مذعنا بطاعته ، فتزوج جلال الدين بابنته . وقدم أصبهان فسرهم قدومه ، وكان أخوه غياث الدين في ثلاثين ألفا ، وبينهم إحن ، وهرب غياث الدين ، ثم اصطلحا ، واجتمعا ، والتفت العساكر على جلال الدين وعظم شأنه .
وفي العام كانت الوقعة بين التتار الداخلين من الدربند وبين القفجاق والروس ، وصبروا أياما ، ثم استحر القتل بالروس والقفجاق .
وفي سنة 621 : أخذ الأشرف من أخيه غازي خلاط وأبقى عليه ميافارقين .
وفيها سار جلال الدين خوارزم شاه إلى أذربيجان ، فاستولى عليها ، وراسله المعظم لينصره على أخيه الأشرف .
وفيها خنق الملك بدر الدين لؤلؤ القاهر سرا وتملك الموصل . وبنيت دار الحديث الكاملية ، وشيخها ابن دحية .
وقدم صاحب اليمن أقسيس ابن الملك الكامل طامعا في أخذ الشام فمات وورث منه أبوه أموالا عظيمة . وفيها رجعت التتار من بلاد القفجاق فاستباحوا الري وساوة وقما ، ثم التقوا الخوارزمية . [ ص: 242 ] وفيها قصد غياث الدين أخو خوارزم شاه بلاد شيراز فأخذها من أتابك سعد ، وعصى أتابك في قلعة ، وتصالحا .
وفي ربيع الأول سنة 622 وصل جلال الدين فأخذ دقوقا بالسيف وفعل كل قبيح لكونهم سبوه على الأسوار ، وعزم على منازلة بغداد ، فانزعج الخليفة ، وكان قد فلج ، فأنفق ألف ألف دينار ، وفرق العدد والأهراء .
قال سبط الجوزي : قال لي المعظم : كتب إلي جلال الدين يقول : تجيء أنت واتفق معي حتى نقصد الخليفة ، فإنه كان السبب في هلاك أبي ، وفي مجيء التتار وجدنا كتبه إلى الخطا وتواقيعه لهم بالبلاد والخلع والخيل . فكتبت إليه : أنا معك إلا على الخليفة ، فإنه إمام الإسلام .
قال : وخرجت عليه الكرج فكر نحوهم ، وعمل مصافا ، فقتل منهم سبعين ألفا ، قاله أبو شامة . وأخذ تفليس بالسيف ، وافتتح مراغة ، ثم حاصر تبريز وتسلمها ، وبدع وظلم كعوائده .
وفي سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة توفي أمير المؤمنين ، فبويع ابنه الظاهر أبو نصر محمد كهلا ، فكانت دولة الناصر سبعا وأربعين سنة .
قال : بقي ابن الأثير الناصر ثلاث سنين عاطلا عن الحركة بالكلية ، [ ص: 243 ] وقد ذهبت عينه - رحمه الله - ، ثم مات وبويع الظاهر ابنه .