خوارزمشاه
السلطان الكبير جلال الدين منكوبري ابن السلطان الكبير علاء الدين [ ص: 327 ] محمد ابن السلطان خوارزمشاه تكش ابن خوارزمشاه أرسلان ابن الملك آتسز بن محمد بن نوشتكين الخوارزمي .
تملك البلاد ، ودانت له الأمم ، وجرت له عجائب وعندي سيرته في مجلد . ولما دهمت التتار البلاد الماوراء النهرية بادر والده علاء الدين وجعل جاليشه ولده جلال الدين في خمسة عشر ألفا ، فتوغل في البلاد ، وأحاطت به المغول ، فالتقاهم ، فانكسر ، وتخلص بعد الجهد ، وتوصل . وأما أبوه فما زال متقهقرا بين يدي العدو حتى مات غريبا سنة سبع عشرة وستمائة في جزيرة من البحر .
قال الشهاب النسوي الموقع
كان جلال الدين أسمر تركيا قصيرا منعجم العبارة ، يتكلم بالتركية وبالفارسية . وأما شجاعته فحسبك ما أوردته من وقعاته ، فكان أسدا ضرغاما ، وأشجع فرسانه إقداما ، لا غضوبا ولا شتاما ، وقورا ، لا يضحك إلا تبسما ، ولا يكثر كلاما ، وكان يختار العدل غير أنه صادف أيام الفتنة فغلب .
وقال الموفق عبد اللطيف : كان أسمر أصفر نحيفا سمجا لأن أمه [ ص: 328 ] هندية ، وكان يلبس طرطورا فيه من شعر الخيل مصبغا بألوان ، وكان أخوه غياث الدين أجمل الناس صورة وأرقهم بشرة ، لكنه ظلوم وأمه تركية .
قلت : وكان عسكره أوباشا فيهم شر وفسق وعتو .
قال الموفق : الزنا فيهم فاش واللواط غير معذوق بكبر ولا صغر والغدر خلق لهم ، أخذوا تفليس بالأمان ، ثم غدروا وقتلوا وسبوا .
قلت : كان يضرب بهم المثل في النهب والقتل ، وعملوا كل قبيح ، وهم جياع مجمعة ، ضعاف العدد والخيل . التقى جلال الدين التتار ، فهزمهم ، وهلك مقدمهم ابن جنكزخان ، فعظم على أبيه وقصده فالتقى الجمعان على نهر السند ، فانهزم ثم خرج له كمين فتفلل جمع جنكزخان جلال الدين وفر إلى ناحية غزنة في حال واهية ، ومعه أربعة آلاف في غاية الضعف ، فتوجه نحو كرمان فأحسن إليه ملكها ، فلما تقوى غدر به وقتله وسار إلى شيراز وعسكره على بقر وحمير ومشاة ففر منه صاحبها ، وجرت له أمور يطول شرحها ما بين ارتقاء وانخفاض ، وهابته التتار ، ولولاه لداسوا الدنيا .
وقد ذهب إليه محيي الدين ابن الجوزي رسولا فوجده يقرأ في مصحف ويبكي ، ثم اعتذر عما يفعله جنده بكثرتهم ، وعدم طاعتهم ، وقد [ ص: 329 ] تقاذفت به البلاد إلى الهند ثم إلى كرمان ثم إلى أعمال العراق ، وساق إلى أذربيجان ، فاستولى على كثير منها ، وغدر بأتابك أزبك ، وأخرجه من بلاده ، وأخذ زوجه ابنة السلطان طغرل ، فتزوجها ، ثم عمل مصافا مع الكرج فطحنهم ، وقتل ملوكهم ، وقوي ملكه ، وكثرت جموعه ، ثم في الآخر تلاشى أمره لما كسره الملك الأشرف موسى وصاحب الروم بناحية أرمينية ، ثم كبسته التتار ليلة ، فنجا في نحو من مائة فارس ، ثم تفرقوا عنه إلى أن بقي وحده .
فألح في طلبه خمسة عشر من التتار فثبت لهم وقتل اثنين فأحجموا عنه ، وصعد في جبل بناحية آمد ينزله أكراد فأجاره كبير منهم ، وعرف أنه السلطان ، فوعده بكل خير ، ففرح الكردي ، وذهب ليحضر خيلا له ويعلم بني عمه ، وتركه عند أمه ، فجاء كردي فيه جرأة فقال : ليش تخلوا هذا الخوارزمي عندكم ؟ قيل : اسكت هذا هو السلطان ، فقال : لأقتلنه فقد قتل أخي بخلاط ، ثم شد عليه بحربة ، قتله في الحال في نصف شوال سنة ثمان وعشرين وستمائة .