صاحب الغرب
السلطان أبو عبد الله الملك الناصر محمد ابن السلطان يعقوب ابن [ ص: 338 ] السلطان يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي ، وأمه رومية اسمها زهر . تملك البلاد بعهد من أبيه متقدم . وكان أشقر أشهل ، أسيل الخد ، مليح الشكل ، كثير الصمت والإطراق ، شجاعا مهيبا ، بعيد الغور ، حليما ، عفيفا عن الدماء ، وفي لسانه لثغة ، وكان يبخل ، وله عدة أولاد . استوزر أبا زيد بن يوجان ، ثم عزله واستوزر الأمير إبراهيم أخاه ، وكتب سره ، ابن عياش وابن يخلفتن الفازازي ، وولي قضاءه غير واحد . حاربه ابن غانية ، واستولى على فاس . وخرج عليه بالسوس الأقصى يحيى بن الجزارة ، واستفحل أمره ، وهزم الموحدين مرات ، وكاد أن يملك المغرب ، ثم قتل . ويلقب بأبي قصبة . وفي سنة إحدى وستمائة سار السلطان وحاصر المهدية أشهرا ، وأخذها بالأمان من نواب ابن غانية ، وانحاز إلى السلطان أخو ابن غانية سير فاحترمه .
قال عبد الواحد بن علي في تاريخه بلغني أن جملة ما أنفقه أبو عبد الله في هذه السفرة مائة وعشرون حملا من الذهب ، ورد إلى مراكش سنة أربع وستمائة ، وفرغت هدنة الفرنج ، فعبر السلطان بجيوشه إلى إشبيلية .
ثم تحرك في سنة ثمان وستمائة لجهاد العدو ، فنازل حصنا لهم [ ص: 339 ] فأخذه فسار الفنش في أقاصي الممالك يستنفر عباد الصليب ، فاجتمعت له جيوش ما سمع بمثلها ، ونجدته فرنج الشام ، وعساكر قسطنطينية ، وملك أرغن البرشلوني ، واستنفر السلطان أيضا الناس ، والتقى الجمعان ، وتعرف بوقعة العقاب ، فتحمل الفنش حملة شديدة ، فهزم المسلمين ، واستشهد خلق كثير .
وكان أكبر أسباب الكسرة غضب الجند من تأخر عطائهم ، وثبت السلطان ثباتا كليا لولاه لاستؤصل جيشه ، وكانت الملحمة في صفر سنة تسع وستمائة ، ورجع العدو بغنائم لا توصف ، وأخذوا بياسة عنوة فإنا لله وإنا إليه راجعون .
مرض السلطان أياما بالسكتة ، ومات في شعبان سنة عشر وستمائة وكانت أيامه خمسة عشر عاما ، وقام بعده ابنه المستنصر يوسف عشرة أعوام ، ويقال : تنكر محمد ليلا فوقع به العسس فانتظموه برماحهم ، وهو يصيح : أنا الخليفة ، أنا الخليفة .