الشيخ العلامة المحدث الرحال المتفنن مجد الدين أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي بن الجميل - واسم الجميل محمد بن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملال بن أحمد بن بدر بن دحية بن خليفة الكلبي الداني ثم السبتي
هكذا ساق نسبه ، وما أبعده من الصحة والاتصال ! وكان يكتب لنفسه : ذو النسبتين بين دحية والحسين .
قال أبو عبد الله الأبار كان يذكر أنه من ولد دحية -رضي الله عنه- ، [ ص: 390 ] وأنه سبط أبي البسام الحسيني . سمع أبا بكر بن الجد ، وأبا القاسم بن بشكوال ، وأبا عبد الله بن المجاهد ، وأبا عبد الله بن زرقون ، وأبا القاسم بن حبيش ، وأبا محمد بن عبيد الله ، وأبا محمد بن بونه . وحدث بتونس ب " صحيح مسلم " عن طائفة ، وروى عن آخرين منهم أبو عبد الله بن بشكوال ، وقال : سمعت منه كتاب " الصلة " ، وأبو عبد الله بن المناصف ، وأبو القاسم بن دحمان ، وصالح بن عبد الملك ، وأبو إسحاق بن قرقول ، وأبو العباس بن سيده ، وأبو عبد الله بن عميرة ، وأبو خالد بن رفاعة ، وأبو القاسم بن رشد الوراق ، وأبو عبد الله القباعي ، وأبو بكر بن مغاور .
قال : وكان بصيرا بالحديث معتنيا بتقييده ، مكبا على سماعه ، حسن الخط ، معروفا بالضبط ، له حظ وافر من اللغة ومشاركة في العربية وغيرها . ولي قضاء دانية مرتين ، وصرف لسيرة نعتت عليه ، فرحل ، ولقي بتلمسان أبا الحسن بن أبي حيون ، فحمل عنه ، وحدث بتونس في سنة 595 ، ثم حج . وكتب بالمشرق : بأصبهان ، ونيسابور عن أصحاب الحداد والفراوي ، وعاد إلى مصر فاستأدبه الملك العادل لابنه الكامل ولي عهده ، وأسكنه القاهرة فنال بذلك دنيا عريضة ، وكان يسمع ويدرس . وله تواليف ، منها كتاب " إعلام النص المبين في المفاصلة بين أهل صفين " .
قلت : سمع من أبي القاسم البوصيري بمصر ، ومن أبي جعفر الصيدلاني بأصبهان ، ومن منصور الفراوي بنيسابور ; سمع بها " صحيح مسلم " عاليا ، بعد أن رواه نازلا ، وحدث بدمشق وسمع بها ، وسمع بواسط من أبي الفتح المندائي ، سمع منه " مسند أحمد " . [ ص: 391 ]
روى عنه ابن الدبيثي ، فقال كان له معرفة حسنة بالنحو واللغة ، وأنسة بالحديث ، فقيها على مذهب مالك ، وكان يقول : إنه حفظ " صحيح مسلم " جميعه ، وإنه قرأه على شيخ بالمغرب من حفظه ، ويدعي أشياء كثيرة . ولابن عنين فيه :
دحية لم يعقب فلم تعتزي إليه بالبهتان والإفك ما صح عند الناس سوى
أنك من كلب بلا شك
قال ابن مسدي : رأيت بخطه أنه سمع قبل سنة سبعين من جماعة كأبي بكر بن خليل ، واللواتي ، وابن حنين ، قال : وليس ينكر عليه ، ثم لم يزل يسمع حتى سمع من أقرانه ، وحصل ما لم يحصله غيره .
قال الضياء : لقيته بأصبهان ، ولم أسمع منه ، ولم يعجبني حاله ; كان كثير الوقيعة في الأئمة . وأخبرني إبراهيم السنهوري بأصبهان أنه دخل المغرب ، وأن مشايخ المغرب كتبوا له جرحه وتضعيفه .
قال الضياء : وقد رأيت منه غير شيء مما يدل على ذلك .
وقال ابن نقطة كان موصوفا بالمعرفة والفضل ولم أره ، إلا أنه كان يدعي أشياء لا حقيقة لها ، ذكر لي أبو القاسم بن عبد السلام : ثقة ، قال : نزل [ ص: 392 ] عندنا ابن دحية فكان يقول : أحفظ " صحيح مسلم " و " الترمذي " قال : فأخذت خمسة أحاديث من " الترمذي " وخمسة من " المسند " وخمسة من الموضوعات فجعلتها في جزء ، ثم عرضت عليه حديثا من الترمذي ، فقال : ليس بصحيح ، وآخر فقال : لا أعرفه ، ولم يعرف منها شيئا !
وقال ابن واصل الحموي : كان ابن دحية مع فرط معرفته بالحديث وحفظه الكثير له متهما بالمجازفة في النقل ، وبلغ ذلك الملك الكامل فأمره أن يعلق شيئا على كتاب الشهاب ، فعلق كتابا تكلم فيه على أحاديثه وأسانيده ، فلما وقف الكامل على ذلك خلاه أياما وقال : ضاع ذاك الكتاب فعلق لي مثله ، ففعل ، فجاء الثاني فيه مناقضة للأول ، فعلم السلطان صحة ما قيل عنه ، ونزلت مرتبته عنده ، وعزله من دار الحديث التي أنشأها آخرا ، وولاها أخاه أبا عمرو .
قرأت بخط ابن مسدي في " معجمه " ، قال : كان والد ابن دحية تاجرا يعرف بالكلبي - بين الفاء والباء - وهو اسم موضع بدانية ، وكان أبو الخطاب أولا يكتب " الكلبي معا " إشارة إلى المكان والنسب ، وإنما كان يعرف بابن الجميل تصغير جمل . قال : وكان أبو الخطاب علامة زمانه ، وقد ولي أولا قضاء دانية .
قلت : وذكر أن سبب عزل ابن دحية أنه خصى مملوكا له فغضب الملك ، وهرب ابن دحية . ولفظ ابن مسدي ، قال : كان له مملوك يسمى [ ص: 393 ] ريحان ، فجبه واستأصل أنثييه وزبه وأتى بزامر فأمر بثقب شدقه ، فغضب عليه المنصور ، وجاءه النذير ، فاختفى ، ثم سار متنكرا .
قلت : وكان ممن يترخص في الإجازة ، ويطلق عليها " حدثنا " . وقد سمع منه " الموطأ " بعيد سنة ستمائة . وأخبره به عن جماعة منهم : أبو عمرو بن الصلاح أبو عبد الله بن زرقون بإجازته من أحمد بن محمد الخولاني ، أخبرنا أبو عمرو القيشطالي سماعا ، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله .
وقال ابن دحية مرة أخرى : حدثني القاضي علي بن الحسين اللواتي ، وابن زرقون قالا : حدثنا الخولاني .
وقد قرأت بخط الحافظ علم الدين القاسم أنه قرأ بخط ابن الصلاح : سمعت " الموطأ " على الحافظ ابن دحية . وحدثنا به بأسانيد كثيرة جدا ، وأقربها ما حدثه به الفقيهان أبو الحسن علي بن حنين الكناني ، والمحدث أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسي قالا : حدثنا محمد بن فرج بن الطلاع ، وأبو بكر خازم بن محمد قالا : حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث .
قال ابن الذهبي : لم يلق ابن دحية هذين ، وبالجهد أن تكون روايته عنهما إجازة ، وكانا ببلاد العدوة ، لم يكونا بالأندلس ، فكان القيسي بمراكش ، وكان ابن حنين بفاس ، ولمتأخري المغاربة مذهب في إطلاق " حدثنا " على الإجازة ، وهذا تدليس . [ ص: 394 ]
قال التقي عبيد أبو الخطاب ذو النسبين صاحب الفنون والرحلة الواسعة ، له المصنفات الفائقة والمعاني الرائقة ، كان معظما عند الخاص والعام ، سئل عن مولده فقال : سنة ست وأربعين وخمسمائة وحكي عنه في مولده غير ذلك .
قلت : فقيل : سنة أربع وأربعين وخمسمائة وقيل : سنة ثمان وأربعين وخمسمائة .
روى عنه بالإجازة شيخانا شرفا الدين أبو الحسين اليونيني ، وابن خواجا إمام ، وغيرهما .
قرأت بخط الحافظ الضياء : أن ابن دحية توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة .
قال ابن النجار قدم علينا وأملى من حفظه ، وذكر أنه سمع من وسمع ابن الجوزي بأصبهان " معجم " من الطبراني الصيدلاني ، وسمع بنيسابور وبمرو وواسط ، وأنه سمع من جماعة بالأندلس ، غير أني رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادعائه ما لم يسمعه ، وكانت أمارات ذلك لائحة على كلامه وفي حركاته ، وكان القلب يأبى سماع كلامه . سكن مصر ، وصادف قبولا من السلطان الكامل ، وأقبل عليه إقبالا عظيما ، وسمعت أنه كان يسوي له المداس حين يقوم . إلى أن قال : ونسبه ليس بصحيح . وكان حافظا ماهرا تام المعرفة بالنحو واللغة ، ظاهري المذهب ، كثير الوقيعة في [ ص: 395 ] السلف ، أحمق ، شديد الكبر ، خبيث اللسان ، متهاونا في دينه ، وكان يخضب بالسواد .
حكى ابن النجار في " تاريخه " وابن العديم في " تاريخ حلب " وأبو صادق محمد بن العطار ، وابن المستوفي في " تاريخه " عنه أشياء تسقطه .