ابن الصلاح
الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان بن المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي ، صاحب " علوم الحديث " .
مولده في سنة سبع وسبعين وخمسمائة .
و تفقه على والده بشهرزور ، ثم اشتغل بالموصل مدة ، وسمع من عبيد الله بن السمين ، ونصر بن سلامة الهيتي ، ومحمود بن علي الموصلي ، وأبي المظفر بن البرني ، وعبد المحسن بن الطوسي ، وعدة ، بالموصل . من أبي أحمد بن سكينة ، وأبي حفص بن طبرزذ وطبقتهما ببغداد ، ومن أبي الفضل بن المعزم بهمذان ، ومن أبي الفتح منصور بن [ ص: 141 ] عبد المنعم بن الفراوي ، والمؤيد بن محمد بن علي الطوسي ، وزينب بنت أبي القاسم الشعرية ، والقاسم بن أبي سعد الصفار ، ومحمد بن الحسن الصرام ، وأبي المعالي بن ناصر الأنصاري ، وأبي النجيب إسماعيل القارئ ، وطائفة بنيسابور . ومن أبي المظفر بن السمعاني بمرو ، ومن أبي محمد بن الأستاذ وغيره بحلب ، ومن الإمامين فخر الدين بن عساكر وموفق الدين بن قدامة وعدة بدمشق ، ومن الحافظ عبد القادر الرهاوي بحران .
نعم ، وبدمشق أيضا من القاضي أبي القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني ، ثم درس بالمدرسة الصلاحية ببيت المقدس مديدة ، فلما أمر المعظم بهدم سور المدينة نزح إلى دمشق فدرس بالرواحية مدة عندما أنشأها الواقف ، فلما أنشئت الدار الأشرفية صار شيخها ، ثم ولي تدريس الشامية الصغرى .
وأشغل ، وأفتى ، وجمع وألف ، تخرج به الأصحاب ، وكان من كبار الأئمة .
حدث عنه الإمام شمس الدين بن نوح المقدسي والإمام كمال الدين سلار ، والإمام كمال الدين إسحاق ، والقاضي تقي الدين بن رزين ، وتفقهوا به . وروى عنه أيضا العلامة تاج الدين عبد الرحمن ، وأخوه الخطيب شرف الدين ، ومجد الدين بن المهتار ، وفخر الدين عمر الكرجي ، والقاضي شهاب الدين بن الخويي ، والمحدث عبد الله بن يحيى الجزائري ، والمفتي جمال الدين محمد بن أحمد الشريشي ، والمفتي فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي ، وناصر الدين محمد بن عربشاه ، ومحمد بن أبي الذكر ، والشيخ أحمد بن عبد الرحمن الشهرزوري الناسخ ، وكمال الدين أحمد بن أبي الفتح الشيباني ، والشهاب محمد بن مشرف ، [ ص: 142 ] والصدر محمد بن حسن الأرموي ، والشرف محمد بن خطيب بيت الأبار ، وناصر الدين محمد بن المجد بن المهتار ، والقاضي أحمد بن علي الجيلي ، والشهاب أحمد بن العفيف الحنفي ، وآخرون .
قال القاضي شمس الدين بن خلكان بلغني أنه كرر على جميع " المهذب " قبل أن يطر شاربه ، ثم أنه صار معيدا عند العلامة عماد الدين بن يونس . وكان تقي الدين أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه ، وله مشاركة في عدة فنون ، وكانت فتاويه مسددة ، وهو أحد شيوخي الذين انتفعت بهم ، أقمت عنده للاشتغال ، ولازمته سنة ، وهي سنة اثنتين وثلاثين ، وله إشكالات على " الوسيط " .
وذكره المحدث عمر بن الحاجب في " معجمه " فقال : إمام ورع ، وافر العقل ، حسن السمت ، متبحر في الأصول والفروع ، بالغ في الطلب حتى صار يضرب به المثل ، وأجهد نفسه في الطاعة والعبادة .
قلت : كان ذا جلالة عجيبة ، ووقار وهيبة ، وفصاحة ، وعلم نافع ، وكان متين الديانة ، سلفي الجملة ، صحيح النحلة ، كافا عن الخوض في مزلات الأقدام ، مؤمنا بالله ، وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته ، حسن البزة ، وافر الحرمة ، معظما عند السلطان ، وقد سمع الكثير بمرو من محمد بن إسماعيل الموسوي ، وأبي جعفر محمد بن محمد السنجي ، ومحمد بن عمر المسعودي ، وكان قدومه دمشق في حدود سنة ثلاث عشرة بعد أن فرغ من خراسان والعراق والجزيرة . وكان مع تبحره في الفقه مجودا لما ينقله ، قوي المادة من اللغة والعربية ، متفننا في الحديث [ ص: 143 ] متصونا ، مكبا على العلم ، عديم النظير في زمانه ، وله مسألة ليست من قواعده شذ فيها وهي صلاة الرغائب قواها ونصرها مع أن حديثها باطل بلا تردد ، ولكن له إصابات وفضائل .
ومن فتاويه أنه سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة فأجاب : الفلسفة أس السفه والانحلال ، ومادة الحيرة والضلال ، ومثار الزيغ والزندقة ، ومن تفلسف ، عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين ، ومن تلبس بها ، قارنه الخذلان والحرمان ، واستحوذ عليه الشيطان ، وأظلم قلبه عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى أن قال : واستعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية من المنكرات المستبشعة ، والرقاعات المستحدثة ، وليس بالأحكام الشرعية - ولله الحمد - افتقار إلى المنطق أصلا ، هو قعاقع قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن ، فالواجب على السلطان أعزه الله أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم ، ويخرجهم من المدارس ويبعدهم .
توفي الشيخ تقي الدين رحمه الله في سنة الخوارزمية في سحر يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وحمل على الرءوس ، وازدحم الخلق على سريره ، وكان على جنازته هيبة وخشوع ، فصلي عليه بجامع دمشق ، وشيعوه إلى داخل باب الفرج فصلوا عليه بداخله ثاني مرة ، ورجع الناس لمكان حصار دمشق بالخوارزمية وبعسكر الملك الصالح نجم الدين أيوب لعمه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ، فخرج بنعشه نحو العشرة مشمرين ، ودفنوه بمقابر الصوفية ! [ ص: 144 ] وقبره ظاهر يزار في طرف المقبرة من غربيها على الطريق ، وعاش ستا وستين سنة .
وقد سمع منه " علوم الحديث " له الشيخ تاج الدين وأخوه ، والفخر الكرجي ، والزين الفارقي ، والمجد بن المهتار ، والمجد بن الظهير ، وظهير الدين محمود الزنجاني ، وابن عربشاه ، والفخر البعلي ، والشريشي ، والجزائري ، ومحمد بن الخرقي ، ومحمد بن أبي الذكر ، وابن الخويي ، والشيخ أحمد الشهرزوري ، والصدر الأرموي ، والصدر خطيب بعلبك ، والعماد محمد بن الصائغ ، والكمال بن العطار ، وأبو اليمن بن عساكر ، وعثمان بن عمر المعدل ، وكلهم أجازوا لي سوى الأول .