الكامل
الملك الكامل الشهيد ناصر الدين محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن السلطان الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب .
تملك ميافارقين وغيرها بعد أبيه سنة خمس وأربعين ، وكان شابا ، عاقلا ، شجاعا ، مهيبا ، محسنا إلى رعيته ، مجاهدا ، غازيا ، دينا ، تقيا ، حميد الطريقة ، حاصره عسكر هولاكو نحوا من عشرين شهرا حتى فني الناس جوعا ووباء ، حتى لم يبق بالبلد سوى سبعين رجلا فيما قيل ; فحدثني الشيخ محمود بن عبد الكريم الفارقي قال :
سار الكامل إلى قلاع بنواحي آمد فأخذها ، ثم نقل إليها أهله ، وكان أبي في خدمته ، فرحل بنا إلى قلعة منها ، فعبرت التتار علينا ، فاستنزلوا أهل الملك الكامل بالأمان من قلعة أخرى ، وردوا بهم علينا ، وأنا صبي مميز ، وحاصروا ميافارقين أشهرا ، فنزل عليهم الثلج ، وهلك بعضهم ، وكان الكامل يبرز إليهم ويقاتلهم ، وينكي فيهم فهابوه ، ثم بنوا عليهم سورا بإزاء [ ص: 202 ] البلد ، بأبرجة ، ونفدت الأقوات ، حتى كان الرجل يموت فيؤكل ، ووقع فيهم الموت ، وفتر عنهم التتار وصابروهم ، فخرج إليهم غلام أو أكثر وجلوا للتتار أمر البلد ، فما صدقوا ، ثم قربوا من السور وبقوا أياما لا يجسرون على الهجوم ، فدلى إليهم مملوك للكامل حبالا فطلعوا إلى السور فبقوا أسبوعا لا يجسرون ، وبقي بالبلد نحو التسعين بعد ألوف من الناس ، فدخلت التتار دار الكامل وأمنوه ، وأتوا به هولاكو بالرها فإذا هو يشرب الخمر ، فناول الكامل كأسا فأبى ، وقال : هذا حرام ، فقال لامرأته : ناوليه أنت ، فناولته فأبى ، وشتم وبصق - فيما قيل - في وجه هولاكو . وكان الكامل ممن سار قبل ذلك ورأى القان الكبير ، وفي اصطلاحهم من رأى وجه القان لا يقتل ، فلما واجه هولاكو بهذا استشاط غضبا وقتله .
ثم قال : وكان الكامل شديد البأس ، قوي النفس ، لم ينقهر للتتار بحيث إنهم أخذوا أولاده من حصنهم ، وأتوه بهم إلى تحت سور ميافارقين ، وكلموه أن يسلم البلد بالأمان فقال : ما لكم عندي إلا السيف .
قلت : طيف برأسه بدمشق بالطبول ، وعلق على باب الفراديس ، فلما انقلعوا ، وجاء المظفر دفن الرأس . وكان في سنة ست وخمسين قدم دمشق مستنجدا بالناصر فبالغ في إكرامه واحترامه ، ووعده بالإنجاد ، ورجع إلى ميافارقين وقتل في سنة ثمان وخمسين رحمه الله .