الملك الرحيم
السلطان بدر الدين أبو الفضائل لؤلؤ الأرمني النوري الأتابكي مملوك السلطان نور الدين أرسلان شاه بن السلطان عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صاحب
الموصل .
كان من أعز مماليك
نور الدين عليه ، وصيره أستاذ داره وأمره ، فلما توفي تملك ابنه
القاهر ، وفي سنة وفاة
الملك العادل سلطن
القاهر عز الدين مسعود ولده ومات رحمه الله ، فنهض
لؤلؤ بتدبير المملكة ، والصبي وأخوه
صورة ، وهما
ابنا بنت مظفر الدين صاحب
إربل ، أقامهما
لؤلؤ واحدا بعد واحد ، ثم تسلطن هو في سنة ثلاثين وستمائة .
وكان بطلا شجاعا حازما مدبرا سائسا جبارا ظلوما ، ومع هذا فكان محببا إلى الرعية ، فيه كرم ورئاسة ، وكان من أحسن الرجال شكلا ، وكان يبذل للقصاد ويداري ويتحرز ويصانع
التتار وملوك الإسلام ، وكان عظيم
[ ص: 357 ] الهيبة خليقا للإمارة ، قتل عدة أمراء وقطع وشنق وهذب ممالك
الجزيرة ، وكان الناس يتغالون ويسمونه قضيب الذهب ، وكان كثير البحث عن أحوال رعيته . عاش قريبا من تسعين سنة ووجهه مورد وقامته حسنة ، يظنه من يراه كهلا ، وكان يحتفل لعيد الشعانين لبقايا فيه من شعار أهله ، فيمد سماطا عظيما إلى الغاية ، ويحضر المغاني ، وفي غضون ذلك أواني الخمور ، فيفرح وينثر الذهب من القلعة ، ويتخاطفه الرجال ، فمقت لإحياء شعار
النصارى ، وقيل فيه :
يعظم أعياد النصارى محبة ويزعم أن الله عيسى ابن مريم إذا نبهته نخوة أريحية
إلى المجد قالت أرمنيته : نم
وقيل : إنه سار إلى خدمة
هولاكو ، وتلطف به وقدم تحفا جليلة ، منها جوهرة يتيمة ، وطلب أن يضعها في أذن
هولاكو فاتكأ ففرك أذنه ، وأدخل الحلقة في أذنه ثم رجع إلى بلاده متوليا من قبله ، وقرر عليه مالا يحمله ، ثم مات في ثالث شعبان
بالموصل سنة سبع وخمسين وستمائة .
فلما مات تملك ولده
الملك الصالح إسماعيل وتزوج بابنة
هولاكو فأغضبها وأغارها ، ونازلت
التتار الموصل ، واستمر الحصار عشرة أشهر ، ثم أخذت ، وخرج إليهم
الصالح بالأمان فغدروا به ، واستباحوا
الموصل ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وبدر الدين ممن كمل الثمانين ، وكان ابنه
الصالح إسماعيل قد سار في العام الذي قتل فيه إلى
مصر ، واستنجد بالمسلمين وأقبل فالتقى العدو
بنصيبين فهزمهم ، وقتل مقدمهم
إيلكا ، فتنمر
هولاكو ، وبعث
سنداغو ،
[ ص: 358 ] فنازل
الموصل أشهرا ، وجرى ما لا يعبر عنه .
الْمَلِكُ الرَّحِيمُ
السُّلْطَانُ بَدْرُ الدِّينِ أَبُو الْفَضَائِلِ لُؤْلُؤٌ الْأَرْمَنِيُّ النُّورِيُّ الْأَتَابِكِيُّ مَمْلُوكُ السُّلْطَانِ نُورِ الدِّينِ أَرَسْلَانَ شَاهْ بْنِ السُّلْطَانِ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زِنْكِيِّ بْنِ أقسنقر صَاحِبُ
الْمَوْصِلِ .
كَانَ مِنْ أَعَزِّ مَمَالِيكِ
نُورِ الدِّينِ عَلَيْهِ ، وَصَيَّرَهُ أُسْتَاذَ دَارِهِ وَأَمَّرَهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ تَمَلَّكَ ابْنُهُ
الْقَاهِرُ ، وَفِي سَنَةِ وَفَاةِ
الْمَلِكِ الْعَادِلِ سَلْطَنَ
الْقَاهِرُ عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودٌ وَلَدَهُ وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَنَهَضَ
لُؤْلُؤٌ بِتَدْبِيرِ الْمَمْلَكَةِ ، وَالصَّبِيُّ وَأَخُوهُ
صُورَةٌ ، وَهُمَا
ابْنَا بِنْتِ مُظَفَّرِ الدِّينِ صَاحِبِ
إِرْبِلَ ، أَقَامَهُمَا
لُؤْلُؤٌ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، ثُمَّ تَسَلْطَنَ هُوَ فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ .
وَكَانَ بَطَلًا شُجَاعًا حَازِمًا مُدَبِّرًا سَائِسًا جَبَّارًا ظَلُومًا ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ مُحَبَّبًا إِلَى الرَّعِيَّةِ ، فِيهِ كَرَمٌ وَرِئَاسَةٌ ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الرِّجَالِ شَكْلًا ، وَكَانَ يَبْذُلُ لِلْقُصَّادِ وَيُدَارِي وَيَتَحَرَّزُ وَيُصَانِعُ
التَّتَارَ وَمُلُوكَ الْإِسْلَامِ ، وَكَانَ عَظِيمَ
[ ص: 357 ] الْهَيْبَةِ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ ، قَتَلَ عِدَّةَ أُمَرَاءَ وَقَطَعَ وَشَنَقَ وَهَذَّبَ مَمَالِكَ
الْجَزِيرَةِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَغَالَوْنَ وَيُسَمُّونَهُ قَضِيبَ الذَّهَبِ ، وَكَانَ كَثِيرَ الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ رَعِيَّتِهِ . عَاشَ قَرِيبًا مِنْ تِسْعِينَ سَنَةً وَوَجْهُهُ مُوَرِّدٌ وَقَامَتُهُ حَسَنَةٌ ، يَظُنُّهُ مَنْ يَرَاهُ كَهْلًا ، وَكَانَ يَحْتَفِلُ لِعِيدِ الشَّعَانِينَ لِبَقَايَا فِيهِ مِنْ شِعَارِ أَهْلِهِ ، فَيَمُدُّ سِمَاطًا عَظِيمًا إِلَى الْغَايَةِ ، وَيُحْضِرُ الْمَغَانِيَ ، وَفِي غُضُونِ ذَلِكَ أَوَانِي الْخُمُورِ ، فَيَفْرَحُ وَيَنْثُرُ الذَّهَبَ مِنَ الْقَلْعَةِ ، وَيَتَخَاطَفُهُ الرِّجَالُ ، فَمُقِتَ لِإِحْيَاءِ شِعَارِ
النَّصَارَى ، وَقِيلَ فِيهِ :
يُعَظِّمُ أَعْيَادَ النَّصَارَى مَحَبَّةً وَيَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِذَا نَبَّهَتْهُ نَخْوَةٌ أَرِيحِيَّةٌ
إِلَى الْمَجْدِ قَالَتْ أَرْمَنِيَّتُهُ : نَمِ
وَقِيلَ : إِنَّهُ سَارَ إِلَى خِدْمَةِ
هُولَاكُو ، وَتَلَطَّفَ بِهِ وَقَدَّمَ تُحُفًا جَلِيلَةً ، مِنْهَا جَوْهَرَةٌ يَتِيمَةٌ ، وَطَلَبَ أَنْ يَضَعَهَا فِي أُذُنِ
هُولَاكُو فَاتَّكَأَ فَفَرَكَ أُذُنَهُ ، وَأَدْخَلَ الْحَلْقَةَ فِي أُذُنِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ مُتَوَلِّيًا مِنْ قِبَلِهِ ، وَقَرَّرَ عَلَيْهِ مَالًا يَحْمِلُهُ ، ثُمَّ مَاتَ فِي ثَالِثِ شَعْبَانَ
بِالْمَوْصِلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ .
فَلَمَّا مَاتَ تَمَلَّكَ وَلَدُهُ
الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَتَزَوَّجَ بِابْنَةِ
هُولَاكُو فَأَغْضَبَهَا وَأَغَارَهَا ، وَنَازَلَتِ
التَّتَارُ الْمَوْصِلَ ، وَاسْتَمَرَّ الْحِصَارُ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ ، ثُمَّ أُخِذَتْ ، وَخَرَجَ إِلَيْهِمُ
الصَّالِحُ بِالْأَمَانِ فَغَدَرُوا بِهِ ، وَاسْتَبَاحُوا
الْمَوْصِلِ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
وَبَدْرُ الدِّينِ مِمَّنْ كَمَّلَ الثَّمَانِينَ ، وَكَانَ ابْنُهُ
الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ قَدْ سَارَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ إِلَى
مِصْرَ ، وَاسْتَنْجَدَ بِالْمُسْلِمِينَ وَأَقْبَلَ فَالْتَقَى الْعَدُوَّ
بِنَصِيبِينَ فَهَزَمَهُمْ ، وَقَتَلَ مُقَدَّمَهُمْ
إيلكا ، فَتَنَمَّرَ
هُولَاكُو ، وَبَعَثَ
سَنْدَاغُو ،
[ ص: 358 ] فَنَازَلَ
الْمَوْصِلَ أَشْهُرًا ، وَجَرَى مَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ .