محمد بن المنكدر ( ع ) 
ابن عبد الله بن الهدير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، الإمام الحافظ القدوة ، شيخ الإسلام أبو عبد الله القرشي التيمي المدني . ويقال : أبو بكر أخو أبي بكر وعمر . ولد سنة بضع وثلاثين . وحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن سلمان  ، وأبي رافع  ،  وأسماء بنت عميس  ،  وأبي قتادة  وطائفة مرسلا . وعن عائشة  ،  وأبي هريرة  ، وعن ابن عمه ، وجابر  ،  وابن عباس  ، وابن الزبير  ، وأميمة بنت رقيقة  ،  [ ص: 354 ] وربيعة بن عباد  ،  وأنس بن مالك  ،  وأبي أمامة بن سهل  ، ومسعود بن الحكم  ، وعبد الله بن حنين  ، وحمران  ، وذكوان أبي صالح  ،  وسعيد بن المسيب  ، وعروة  ، وعبد الرحمن بن يربوع  ، وأبيه المنكدر  ، وخلق . 
وعنه  عمرو بن دينار  ،  والزهري  ،  وهشام بن عروة  ، وأبو حازم الأعرج  ،  وموسى بن عقبة  ، ومحمد بن واسع  ، ويحيى بن سعيد الأنصاري  ،  ومحمد بن سوقة  ،  وعبيد الله بن عمر  ،  وابن جريج  ، ومعمر  ،  ومالك  ،  وجعفر الصادق  ، وشعبة  ، والسفيانان ،  وروح بن القاسم  ،  وشعيب بن أبي حمزة  ،  والأوزاعي  ، وعبد العزيز بن الماجشون  ،  وعمرو بن الحارث  ،  وأبو حنيفة  ،  وابن أبي ذئب  ، والمنكدر  ابنه ، وورقاء بن عمر  ، وأبو عوانة  ، والوليد بن أبي ثور  ، ويوسف بن يعقوب بن الماجشون  ، وابنه الآخر يوسف بن محمد  ، ويوسف بن إسحاق السبيعي  وخلق كثير . 
قال علي   : له نحو مائتي حديث ، وروى  ابن راهويه  ، عن سفيان  قال : كان من معادن الصدق ، ويجتمع إليه الصالحون ، ولم يدرك أحدا أجدر أن يقبل الناس منه إذا قال : قال رسول الله منه . 
وقال  الحميدي   : هو حافظ ، وقال ابن معين  وأبو حاتم   : ثقة . 
وقال الترمذي   : سألت محمدا  يعني :  البخاري  ، سمع من عائشة  ؟ فقال : نعم . يقول في حديثه : سمعت عائشة   . 
قلت : إن ثبت الإسناد إلى ابن المنكدر  بهذا فجيد ، وذلك ممكن ; لأنه قرابتها ، وخصيص بها ، ولحقها وهو ابن نيف وعشرين سنة . 
وقال أبو حاتم البستي   : كان من سادات القراء ، لا يتمالك البكاء إذا قرأ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وكان يصفر لحيته ورأسه بالحناء . 
وقال أبو القاسم اللالكائي   : كان المنكدر  خال عائشة  ، فشكا إليها الحاجة ،  [ ص: 355 ] فقالت : إن لي شيئا يأتيني ، أبعث به إليك فجاءتها عشرة آلاف ، فبعثت بها إليه ، فاشترى جارية ، فولدت له محمدا  ، وأبا بكر  ، وعمر   . 
وقال مالك   : كان ابن المنكدر  سيد القراء  . 
وقال  أحمد بن إبراهيم الدورقي   : حدثنا يحيى بن الفضل الأنيسي  ، سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر  ، أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى ، فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله ، وسألوه ، فاستعجم عليهم ، وتمادى في البكاء ، فأرسلوا إلى أبي حازم  فجاء إليه ، فقال : ما الذي أبكاك ؟ قال : مرت بي آية ، قال : وما هي ؟ قال : وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون  فبكى أبو حازم  معه ، فاشتد بكاؤهما  . 
وروى عفيف بن سالم  ، عن عكرمة بن إبراهيم  ، عن ابن المنكدر  ، أنه جزع عند الموت ، فقيل له : لم تجزع ؟ قال : أخشى آية من كتاب الله . وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون  فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب  . 
قال ابن عيينة   : كان لمحمد بن المنكدر  جار مبتلى ، فكان يرفع صوته بالبلاء ، وكان محمد  يرفع صوته بالحمد  . 
قال  عبد العزيز الأويسي   : حدثنا مالك  قال : كان محمد بن المنكدر  لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا كان يبكي  . 
وعن ابن المنكدر  قال : كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت  . أبو خالد الأحمر  ، عن محمد بن سوقة  ، عن ابن المنكدر  قال : إن الله يحفظ العبد المؤمن في ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله ، فما يزالون في حفظ أو في عافية ما كان بين ظهرانيهم  . وسمعت ابن المنكدر  يقول : نعم العون على تقوى الله الغنى  . 
 [ ص: 356 ] وقال أبو معشر السندي   : بعث ابن المنكدر  إلى صفوان بن سليم  بأربعين دينارا ، ثم قال لبنيه : يا بني ما ظنكم بمن فرغ صفوان بن سليم  لعبادة ربه  . أبو معاوية  ، عن عثمان بن واقد  قال : قيل لابن المنكدر   : أي الدنيا أحب إليك ؟ قال : الإفضال على الإخوان  . 
قال أبو معشر   : كان سيدا يطعم الطعام ، ويجتمع عنده القراء . 
وروى جعفر بن سليمان  ، عن محمد بن المنكدر  ، أنه كان يضع خده على الأرض ، ثم يقول لأمه : قومي ضعي قدمك على خدي  . 
قرأت على إسحاق الأسدي  ، أخبركم يوسف الحافظ  ، أنبأنا أبو المكارم التيمي  ، أنبأنا أبو علي الحداد  ، أنبأنا  أبو نعيم الحافظ  ، حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان  ، حدثنا إسماعيل القاضي  ، حدثنا نصر بن علي  ، حدثنا الأصمعي  ، حدثنا أبو مودود  ، عن محمد بن المنكدر   . قال : جئت إلى المسجد ، فإذا شيخ يدعو عند المنبر بالمطر ، فجاء المطر ، وجاء بصوت ، فقال : يا رب ليس هكذا أريد . فتبعته حتى دخل دار آل حرام  ، أو دار آل عثمان  ، فعرضت عليه شيئا فأبى ، فقلت : أتحج معي ؟ فقال : هذا شيء لك فيه أجر ، فأكره أن أنفس عليك ، وأما شيء آخذه ، فلا  . 
وبه إلى أبي نعيم  ، حدثنا أبو محمد بن حيان  ، حدثنا أبو العباس الهروي  ، حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  ، حدثنا ابن وهب  ، حدثنا ابن زيد  ، قال : قال ابن المنكدر   : إني لليلة مواجه هذا المنبر في جوف الليل أدعو ، إذا إنسان عند أسطوانة مقنع رأسه ، فأسمعه يقول : أي رب إن القحط قد اشتد على عبادك ، وإني مقسم عليك يا رب إلا سقيتهم ، قال : فما كان إلا ساعة إذا سحابة قد أقبلت ، ثم أرسلها الله ، وكان عزيزا على ابن المنكدر  أن يخفى عليه أحد من أهل الخير ، فقال : هذا بالمدينة  ولا أعرفه !! فلما سلم الإمام ، تقنع وانصرف ، وأتبعه ، ولم يجلس للقاص حتى أتى دار أنس  ، فدخل موضعا ، ففتح ودخل . قال : ورجعت ، فلما سبحت ،  [ ص: 357 ] أتيته ، فقلت : أدخل ؟ قال : ادخل ، فإذا هو ينجز أقداحا ، فقلت : كيف أصبحت ؟ أصلحك الله ، قال : فاستشهرها وأعظمها مني ، فلما رأيت ذلك ، قلت : إني سمعت إقسامك البارحة على الله ، يا أخي هل لك في نفقة تغنيك عن هذا ، وتفرغك لما تريد من الآخرة ؟ قال : لا ولكن غير ذلك ، لا تذكرني لأحد ، ولا تذكر هذا لأحد حتى أموت ، ولا تأتني يابن المنكدر  ، فإنك إن تأتني شهرتني للناس ، فقلت : إني أحب أن ألقاك ، قال : القني في المسجد ، قال : وكان فارسيا ، فما ذكر ذلك ابن المنكدر  لأحد حتى مات الرجل . قال ابن وهب   : بلغني أنه انتقل من تلك الدار ، فلم ير ، ولم يدر أين ذهب . فقال أهل تلك الدار : الله بيننا وبين ابن المنكدر  ، أخرج عنا الرجل الصالح  . 
قال محمد بن الفيض الغساني   : حدثنا عبد الله بن يزيد الدمشقي  ، حدثنا صدقة بن عبد الله  ، قال : جئت محمد بن المنكدر  ، وأنا مغضب ، فقلت له : أحللت للوليد أم سلمة  ؟ قال : أنا ! ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثني جابر  أنه -صلى الله عليه وسلم- قال : لا طلاق لما لا تملك ، ولا عتق لما لا تملك ورواه أحمد بن خليد الكندي  عن عبد الله بن يزيد   . 
وقد كان الوليد بن يزيد  استقدم محمد بن المنكدر  في عدة من الفقهاء أفتوه في طلاق زوجته أم سلمة   . 
محمد بن سعد   : حدثنا أحمد بن أبي إسحاق العبدي  ، حدثنا  حجاج بن محمد  ، عن أبي معشر  ، أن المنكدر  جاء إلى أم المؤمنين عائشة  ، فشكى إليها  [ ص: 358 ] الحاجة ، فقالت : أول شيء يأتيني أبعث به إليك . فجاءتها عشرة آلاف درهم ، فقالت : ما أسرع ما امتحنت يا عائشة  ، وبعثت بها إليه فاتخذ منها جارية ، فولدت له محمدا  وأبا بكر  وعمر   . كنى أبو خيثمة  ، وابن سعد  وجماعة محمدا   : أبا عبد الله  ، وكناه  البخاري  ومسلم   والنسائي   : أبا بكر   . 
قال يعقوب الفسوي   : هو غاية في الإتقان والحفظ والزهد ، حجة . 
وقال  الحميدي   : حدثنا سفيان  ، قال : كان ابن المنكدر يقول : كم من عين ساهرة في رزقي في ظلمات البر والبحر . وكان إذا بكى ، مسح وجهه ولحيته من دموعه ، ويقول : بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع . وروي أنه كان يقترض ويحج ، فكلم في ذلك ، فقال : أرجو وفاءها . 
وقال سهل بن محمود   : حدثنا سفيان  ، قال : تعبد ابن المنكدر  وهو غلام ، وكانوا أهل بيت عبادة . قال يحيى بن بكير   : محمد  ، وأبو بكر  ، وعمر  لا يدرى أيهم أفضل ؟  . 
قال سعيد بن عامر   : قال ابن المنكدر   : إني لأدخل في الليل فيهولني ، فأصبح حين أصبح وما قضيت منه أربي  . 
وقال إبراهيم بن سعد   : رأيت ابن المنكدر  يصلي في مقدم المسجد ، فإذا انصرف ، مشى قليلا ، ثم استقبل القبلة ومد يديه ودعا ، ثم ينحرف عن القبلة ويشهر يديه ويدعو ، يفعل ذلك حين يخرج فعل المودع  . 
وقال مصعب بن عبد الله   : حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي  قال : كان ابن المنكدر  يجلس مع أصحابه ، فكان يصيبه صمات ، فكان يقوم كما هو حتى  [ ص: 359 ] يضع خده على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يرجع . فعوتب في ذلك ، فقال : إنه يصيبني خطر ، فإذا وجدت ذلك ، استعنت بقبر النبي -صلى الله عليه وسلم . 
وكان يأتي موضعا من المسجد يتمرغ فيه ويضطجع ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الموضع . 
ويروى أنه حج ، فوهب كل ما معه حتى بقي في إزار ، فلما نزل بالروحاء  ، قال وكيله : ما بقي معنا درهم ، فرفع صوته بالتلبية ، فلبى أصحابه ، ولبى الناس ، وبالماء محمد بن هشام  ، فقال : إني أظن محمد بن المنكدر  بالماء ، فنظروا ، فقالوا : نعم . قال : ما أظن معه شيئا ، احملوا إليه أربعة آلاف ، فأتي محمد  بها . 
قال المنكدر بن محمد   : كان أبي يحج بولده ، فقيل له : لم تحج بهؤلاء ؟ . 
قال : أعرضهم لله  . 
قال سعيد بن عامر   : قال ابن المنكدر   . بات أخي عمر  يصلي ، وبت أغمز قدم أمي ، وما أحب أن ليلتي بليلته  . 
وقال ابن عيينة   : تبع ابن المنكدر  جنازة سفيه ، فعوتب ، فقال : والله إني لأستحيي من الله أن أرى رحمته عجزت عن أحد  . الفسوي   : حدثنا زيد بن بشر  ، حدثنا ابن وهب  ، حدثني ابن زيد  ، قال : خرج ناس غزاة في الصائفة ، فيهم محمد بن المنكدر  ، فبيناهم يسيرون في الساقة ، قال رجل منهم : أشتهي جبنا رطبا ، قال محمد   : فاستطعمه الله ، فإنه قادر ، فدعا القوم ، فلم يسيروا إلا شيئا حتى وجدوا مكتلا ، فإذا هو جبن رطب ، فقال بعضهم : لو كان لهذا عسل ، فقال : الذي أطعمكموه قادر على ذلك . فدعوا ،  [ ص: 360 ] فساروا قليلا ، فوجدوا فاقرة عسل على الطريق ، فنزلوا فأكلوا الجبن والعسل  .  سويد بن سعيد   : حدثنا خالد بن عبد الله اليمامي  ، قال : استودع محمد بن المنكدر  وديعة فاحتاج فأنفقها . فجاء صاحبها فطلبها ، فتوضأ وصلى ودعا ، فقال : يا ساد الهواء بالسماء ، ويا كابس الأرض على الماء ، ويا واحد قبل كل أحد وبعد كل أحد ، أد عني أمانتي ، فسمع قائلا يقول : خذ هذه فأد بها عن أمانتك ، واقصر في الخطبة ، فإنك لن تراني . رواها ابن أبي الدنيا  عن سويد  ، وقيل : كانت مائة دينار . 
قال : فإذا بصرة في نعله ، فأداها إلى صاحبها  . 
قال الواقدي   : فأصحابنا يتحدثون أن الذي وضعها  عامر بن عبد الله بن الزبير  ، كان كثيرا ما يفعل مثل هذا . 
وقال ابن الماجشون   : إن رؤية محمد بن المنكدر  لتنفعني في ديني  . 
قال الواقدي   وابن المديني  وخليفة  وجماعة : مات ابن المنكدر  سنة ثلاثين ومائة وقال الفسوي   : سنة إحدى وثلاثين . قيل : بلغت أحاديث ابن المنكدر  المسندة أزيد من مائتي حديث . 
أخبرنا محمد بن عبد العزيز المقرئ  في سنة اثنتين وتسعين وستمائة وأحمد بن أبي الفتح  ، وأحمد بن سليمان  ،  والحسن بن علي  ، وإبراهيم بن غالب  ، ومحمد بن يوسف  ، وأبو المحاسن محمد بن أبي الحزم  ، وإبراهيم بن عبد الرحمن الفارسي  ، ومحمد بن أحمد العقيلي  سماعا منهم في أوقات ، قالوا : أنبأنا علي بن محمد السخاوي  ، وقرأت على علي بن محمد  الحافظ ، ولؤلؤ المحسني  ، وعلي بن أحمد القناديلي  ، وسليمان بن قدامة  ، قالوا : أنبأنا علي بن هبة الله الخطيب  ، وقرأت على عبد المعطي بن الباشق  ، وعبد الحسن بن هبة الله  [ ص: 361 ] الفوي  ، أخبركما عبد الرحمن بن مكي  ، قالوا : أنبأنا أبو طاهر السلفي  ، أنبأنا مكي بن علان الكرجي  ، وأخبرتنا عاثشة بنت عيسى  سنة اثنتين وتسعين . أنبأنا الإمام أبو محمد بن قدامة  حضورا في سنة أربع عشرة وستمائة أنبأنا أبو زرعة المقدسي  ، أنبأنا محمد بن أحمد الساوي  قالا : حدثنا زكريا بن يحيى بن أسد المروزي  ببغداد  ، حدثنا سفيان بن عيينة  ، عن ابن المنكدر  ، سمع ابن الزبير  ، يقول : إذا رميت الجمرة يوم النحر ، فقد حل لك ما وراء النساء أخرجاه من حديث سفيان   . وبه حدثنا سفيان  ، عن ابن المنكدر  ، أنه سمع جابرا  يقول : ولد لرجل منا غلام ، فسماه القاسم  فقلنا : لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعم لك عينا . فأتينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له . فقال : سم ابنك عبد الرحمن وأخرجاه عن جماعة ، عن سفيان بن عيينة   . 
أخوه عمر بن المنكدر المدني  العابد من كبار الصالحين . وله ترجمة في طبقات ابن سعد  قلما روى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					