[ ص: 344 ] الطفيل بن عمرو الدوسي
صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان سيدا مطاعا من أشراف العرب ، ودوس بطن من الأزد ، وكان الطفيل يلقب ذا النور ، أسلم قبل الهجرة بمكة .
قال : سمي هشام بن الكلبي الطفيل بن عمرو بن طريف ذا النور لأنه قال : دوسا قد غلب عليهم الزنا ، فادع الله عليهم . قال : اللهم اهد دوسا . ثم قال : يا رسول الله ، ابعث بي إليهم ، واجعل لي آية . فقال : اللهم نور له وذكر الحديث . يا رسول الله ، إن
وفي مغازي يحيى بن سعيد الأموي : حدثنا الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن الطفيل الدوسي . [ ص: 345 ]
وذكره ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث ، عن صالح بن كيسان أن الطفيل بن عمرو قال : كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي ، فقدمت مكة ، فمشيت إلى رجالات قريش ، فقالوا : إنك امرؤ شاعر سيد ، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل ، فيصيبك ببعض حديثه ; فإنما حديثه كالسحر ، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا ، فإنه فرق بين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وابنه .
فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه ، وينهوني أن أسمع منه حتى قلت : والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني ، قال : فعمدت إلى أذني ، فحشوتها كرسفا ثم غدوت إلى المسجد ، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما في المسجد ، فقمت قريبا منه ، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فقلت في نفسي : والله إن هذا للعجز ، وإني امرؤ ثبت ، ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها ، والله لأتسمعن منه ، فإن كان أمره رشدا أخذت منه ، وإلا اجتنبته . فنزعت الكرسفة ، فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به ، فقلت : يا سبحان الله ! ما سمعت كاليوم لفظا أحسن ولا أجمل منه .
فلما انصرف تبعته ، فدخلت معه بيته ، فقلت : يا محمد ، إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا ، فأخبرته بما قالوا ، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول ، وقد وقع في نفسي أنه حق ، فاعرض علي دينك ، فعرض علي الإسلام فأسلمت ، ثم قلت : إني أرجع إلى دوس ، وأنا فيهم مطاع ، وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم ، فادع الله أن يجعل لي آية قال : اللهم اجعل له آية تعينه .
فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي ، وأبي هناك شيخ كبير ، وامرأتي وولدي ، فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نورا كالشهاب يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل ، وأنا منهبط من الثنية ، فقلت : اللهم في غير وجهي ، [ ص: 346 ] فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم ، فتحول فوقع في رأس سوطي ، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم ، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق ، قال : فأتاني أبي فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني . قال : وما ذاك ؟ قلت : إني أسلمت واتبعت دين محمد . فقال : أي بني ، ديني دينك ، وكذلك أمي ، فأسلما ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبت علي وتعاصت ، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : غلب على دوس الزنا والربا فادع عليهم . فقال : اللهم اهد دوسا .
ثم رجعت إليهم ، وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام ، حتى استجاب منهم من استجاب ، وسبقتني بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس ، فكنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح مكة . فقلت : يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين ، صنم عمرو بن حممة ، حتى أحرقه . قال : أجل ، فاخرج إليه . فأتيت ، فجعلت أوقد عليه النار ، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمت معه حتى قبض .
ثم خرجت إلى بعث مسيلمة ومعي ابني عمرو ، حتى إذا كنت ببعض الطريق رأيت رؤيا ، رأيت كأن رأسي حلق ، وخرج من فمي طائر ، وكأن امرأة أدخلتني في فرجها ، وكأن ابني يطلبني طلبا حثيثا ، فحيل بيني وبينه ، فحدثت بها قومي ، فقالوا : خيرا ، فقلت : أما أنا فقد أولتها : أما حلق رأسي فقطعه ، وأما الطائر فروحي ، والمرأة الأرض أدفن فيها ، فقد روعت أن أقتل شهيدا ، وأما طلب ابني إياي ، فما أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة ، ولا أراه يلحق في سفره هذا . قال : فقتل الطفيل يوم اليمامة ، وجرح ابنه ، ثم قتل يوم اليرموك بعد . [ ص: 347 ]
قلت : وقد عد ولده عمرو في الصحابة ، وكذا أبوه ينبغي أن يعد في الصحابة فقد أسلم فيما ذكرنا ، لكن ما بلغنا أنه هاجر ولا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم .