وقيل : لما قتله ودخل جعفر بن حنظلة ، فقال : ما تقول في أمر أبي مسلم ؟ قال : إن كنت أخذت من شعره فاقتله ، فقال : وفقك الله . ها هو في البساط قتيلا ، فقال : يا أمير المؤمنين : عد هذا اليوم أول خلافتك ، وأنشد المنصور : [ ص: 70 ]
فألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
وقرأت في كتاب : أن المنصور لم يزل يخدع أبا مسلم ويتحيل عليه حتى وقع في براثنه بعهود وأيمان .
وكان أبو مسلم ينظر في الملاحم . ويجد أنه مميت دولة ، ومحيي دولة ، ثم يقتل ببلد الروم . وكان المنصور يومئذ برومية المدائن ، وهي معدودة من مدائن كسرى بينها وبين بغداد سبعة فراسخ ، قيل : بناها الإسكندر لما أقام بالمدائن . فلم يخطر ببال أبي مسلم أن بها مصرعه ، وذهب وهمه إلى الروم .
وقيل : إن المنصور كان يقول : فعلت وفعلت ، فقال أبو مسلم : ما يقال لي هذا بعد بيعتي واجتهادي ، قال : يا ابن الخبيثة ، إنما فعلت ذلك بجدنا وحظنا ، ولو كان مكانك أمة سوداء ، لعملت عملك ، وتفعل كذا ، وتخطب عمتي ، وتدعي أنك عباسي ، لقد ارتقيت مرتقى صعبا .
فأخذ يفرك يده ويقبلها ، ويخضع ، وأبو جعفر يتنمر .
وعن مسرور الخادم قال : لما رد أبو مسلم ، أمره أبو جعفر أن يركب في خواص أصحابه ، فركب في أربعة آلاف غلام جرد مرد ، عليهم أقبية الديباج والسيوف بمناطق الذهب ، فأمر المنصور عمومته أن يستقبلوه ، وكان [ ص: 71 ] قد بقي من عمومته : صالح ، وسليمان ، وداود ، فلما أن أصحر ، سايره صالح بجنبه ، فنظر إلى كتائب الغلمان ، ورأى شيئا لم يعهد مثله ، فأنشأ صالح يقول :
سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت وما حل في أكناف عاد وجرهم
ومن كان أقوى منك عزا ومفخرا وأقيد للجيش اللهام العرمرم
فبكى أبو مسلم ولم يحر جوابا .
قال أبو حسان الزيادي ، ويعقوب الفسوي ، وغيرهما : قتل في شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة .
قلت : وعمره سبعة وثلاثون عاما .
ولما قتل ، خرج بخراسان سنباذ للطلب بثأر أبي مسلم ، وكان سنباذ مجوسيا ، فغلب على نيسابور والري ، وظفر بخزائن أبي مسلم ، واستفحل أمره ، فجهز المنصور لحربه جمهور بن مرار العجلي في عشرة آلاف فارس ، وكان المصاف بين الري وهمذان ، فانهزم سنباذ ، وقتل من عسكره نحو من ستين ألفا ، وعامتهم كانوا من أهل الجبال ، فسبيت ذراريهم ، ثم قتل سنباذ بأرض طبرستان .
أنبأتنا فاطمة بنت علي ، أنبأنا فرقد بن عبد الله الكناني سنة ثمان وستمائة أنبأنا أبو طاهر السلفي ، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن سليم المعلم ، أنبأنا أبو علي الحسين بن عبد الله بن محمد بن المرزبان بن منجويه ، أنبأنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ . حدثني أبو نصر غلام ابن الأنباري ، سمعت ابن الأنباري ، سمعت محمد بن يحيى النحوي ، سمعت مسرورا الخادم يقول : لما استرد المنصور أبا مسلم من حلوان ، أمره أن ينصرف في خواص غلمانه ، فانصرف في أربعة آلاف غلام جرد مرد ، [ ص: 72 ] عليهم أقبية الديباج والسيوف ، ومناطق الذهب ، فأمر المنصور عمومته أن يستقبلوه . وكان قد بقي من عمومته يومئذ : صالح ، وسليمان وداود ، فلما أن أصحروا ، سايره صالح بجنبه ، فنظر إلى كتائب الغلمان فرأى شيئا لم يعهد مثله فأنشأ يقول :
سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت وما حل في أكناف عاد وجرهم
ومن كان أقوى منك عزا ومفخرا وأقيد للجيش اللهام العرمرم
فبكى أبو مسلم ولم يحر جوابا ، ولم ينطق حتى دخل على المنصور . فأجلسه بين يديه ، وجعل يعاتبه ويقول : تذكر يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا وكتبت إلي بكذا وكذا ثم أنشأ يقول :
زعمت أن الدين لا يقتضى فاقتض بالدين أبا مجرم
واشرب بكأس كنت تسقي بها أمر في الحلق من العلقم
ثم أمر أهل خراسان فقطعوه إربا إربا .
وبه إلى منجويه : حدثنا أبو أحمد بن عبد الله بن عبد الوهاب الأنماطي ، حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل ، حدثنا حسين بن فهم ، حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا محمد بن عمارة ، سمعت أبا مسلم صاحب الدولة يقرأ : ( فلا تسرف في القتل ) بالتاء .
قال ابن منجويه : حكى لي الثقة عن أبي أحمد ، أنبأنا الإمام أن عبد الله بن [ ص: 73 ] منده كتب عنه هذا ، وحسين بن فهم هو ابن بنت أبي مسلم .
وبه : حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطبري إملاء من أصله ، حدثنا أبو الحسين محمد بن موسى الحافظ ، حدثنا أحمد بن يحيى بن زكير ، حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن نجيح ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن منيب الخراساني ، حدثنا أبي عن أبي مسلم صاحب الدولة ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قريش أهانه الله -عز وجل . من أراد هوان
وبه أخبرناه أحمد بن موسى الحافظ ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثني محمد بن جعفر الرقي بحران ، حدثني جعفر بن موسى بدمشق ، حدثني عبد الرحمن بن خالد بهذا . لم يقل : ابن منيب عن أبيه وهو أشبه . . آخر سيرة أبي مسلم -والله سبحانه أعلم .