الخليفة أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن حبر الأمة ، عبد الله بن عباس ، بن عبد المطلب ، بن هاشم بن عبد مناف ، القرشي ، الهاشمي ، العباسي . أول الخلفاء من بني العباس .
كان شابا ، مليحا ، مهيبا ، أبيض ، طويلا ، وقورا .
هرب السفاح وأهله من جيش مروان الحمار ، وأتوا الكوفة ، لما استفحل لهم الأمر بخراسان ، ثم بويع في ثالث ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة . ثم جهز عمه عبد الله بن علي في جيش ، فالتقى هو ومروان الحمار على كشاف فكانت وقعة عظيمة ، ثم تفلل جمع مروان ، وانطوت سعادته . ولكن لم تطل أيام السفاح ، ومات في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وعاش ثمانيا وعشرين سنة في قول .
[ ص: 78 ] وقال الهيثم بن عدي : عاش ثلاثا وثلاثين سنة ، وقام بعده وابن الكلبي المنصور أخوه .
وقيل : بل مولده سنة خمس ومائة وقيل : خرج آل العباس هاربين إلى الكوفة ، فنزلوا على أبي سلمة الخلال ، فآواهم في سرب في داره . وكان أبو مسلم قد استولى على خراسان ، وعين لهم يوما يخرجون فيه ، فخرجوا في جمع كثيف من الخيالة ، والحمارة والرجالة ، فنزل الخلال إلى السرداب ، وصاح يا عبد الله ، مد يدك ، فتبارى إليه الأخوان . فقال : أيكما الذي معه العلامة ؟ .
قال المنصور : فعلمت أني أخرت ، لأني لم يكن معي علامة ، فتلا أخي العلامة وهي : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة الآية فبايعه أبو سلمة ، وخرجوا جميعا إلى جامع الكوفة ، فبويع ، وخطب الناس وهو يقول : فأملى الله لبني أمية حينا فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ، ورد علينا حقنا ، فأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير . . وكان موعوكا ، فجلس على المنبر ، فنهض عمه داود من بين يديه ، فقال : إنا -والله- ما خرجنا لنحفر نهرا ، ولا لنبني قصرا ، ولا لنكثر مالا ، وإنما خرجنا أنفة من ابتزازهم حقنا ، ولقد كانت أموركم تتصل بنا ، لكم ذمة الله ، وذمة رسوله ، وذمة العباس ، أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونسير فيكم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج عنا ، حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم .
فقام السيد الحميري وقال قصيدة . ثم نزل السفاح ودخل القصر ، وأجلس أخاه يأخذ بيعة العامة .
ومن كلامه : من شدد نفر ، ومن لان تألف ، ويقال : له هذان البيتان : [ ص: 79 ]
يا آل مروان إن الله مهلككم ومبدل أمنكم خوفا وتشريدا لا عمر الله من أنسالكم أحدا
وبثكم في بلاد الله تبديدا
ثم تحول إلى الأنبار ، وبها توفي .
وكان إذا علم بين اثنين تعاديا لم يقبل شهادة ذا على ذا ، ويقول : العداوة تزيل العدالة .
ثم إن أبا مسلم جهز من قتل أبا سلمة الخلال الوزير بعد العتمة غيلة ، بعد أن قام من السمر عند السفاح ، فقالت العامة : قتلته الخوارج ، فقال سليمان بن مهاجر البجلي :
إن المساءة قد تسر وربما كان السرور بما كرهت جديرا
إن الوزير وزير آل محمد أودى فمن يشناك كان وزيرا
وقيل : بعد البيعة بأربعة أشهر .
وقيل : وجه عبد الله بن علي عم السفاح مشيخة شاميين إلى السفاح ليعجبه منهم ، فحلفوا له : إنهم ما علموا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرابة يرثونه سوى بني أمية ، حتى وليتم .
وعن السفاح قال : إذا عظمت القدرة ، قلت الشهوة . قل تبرع إلا ومعه حق مضاع ، الصبر حسن إلا على ما أوتغ الدين وأوهن السلطان .
قال الصولي : أحضر السفاح جوهرا من جوهر بني أمية ، فقسمه بينه وبين عبد الله بن حسن بن حسن ، وكان يضرب بجود السفاح المثل ، وكان إذا تعادى اثنان من خاصته ، لم يسمع من أحدهما في الآخر ، ويقول : الضغائن تولد العداوة .
[ ص: 80 ] وكان يحضر الغناء من وراء ستارة ، كما كان يفعل أزدشير ، ويجزل العطاء .
ولما جيء برأس مروان الحمار ، سجد لله وقال : أخذنا بثأر الحسين وآله ، وقتلنا مائتين من بني أمية بهم .
وقيل : إن السفاح أعطى عبد الله بن حسن بن حسن ألفي ألف درهم .