ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون
الظاهر أنها معطوفة على جملة يحلفون بالله لكم ليرضوكم أو على جملة ومنهم الذين يؤذون النبيء . فيكون المراد بجملة يحلفون بالله لكم أنهم يحلفون إن لم تسألهم . فالحلف الصادر منهم حلف على الأعم من براءتهم من النفاق والطعن ، وجواب السؤال عن أمور خاصة يتهمون بها جواب يراد منه أن ما صدر منهم ليس من جنس [ ص: 250 ] ما يتهمون به ، فإذا سئلوا عن حديث يجري بينهم يستراب منهم أجابوا بأنه خوض ولعب ، يريدون أنه استجمام للراحة بين أتعاب السفر لما يحتاجه الكاد عملا شاقا من الراحة بالمزح واللعب . وروي أن المقصود من هذه الآية : أن ركبا من المنافقين الذين خرجوا في غزوة تبوك نفاقا ، منهم : وديعة بن ثابت العوفي ، ومخشي بن حمير الأشجعي ، حليف بني سلمة ، وقفوا على عقبة في الطريق ينظرون جيش المسلمين فقالوا : انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح حصون الشام هيهات هيهات فسألهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - عن مناجاتهم فأجابوا إنما كنا نخوض ونلعب .
وعندي أن هذا لا يتجه لأن صيغة الشرط مستقبلة فالآية نزلت فيما هو أعم ، مما يسألون عنه في المستقبل ، إخبارا بما سيجيبون ، فهم يسألون عما يتحدثون في مجالسهم ونواديهم ، التي ذكرها الله - تعالى - في قوله : وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون لأنهم كانوا كثيري الانفراد عن مجالس المسلمين . وحذف متعلق السؤال لظهوره من قرينة قوله : إنما كنا نخوض ونلعب . والتقدير : ولئن سألتهم عن حديثهم في خلواتهم ، أعلم الله رسوله بذلك وفيه شيء من دلائل النبوءة . ويجوز أن تكون الآية قد نزلت قبل أن يسألهم الرسول ، وأنه لما سألهم بعدها أجابوا بما أخبرت به الآية .
والقصر للتعيين : أي ما تحدثنا إلا في خوض ولعب دون ما ظننته بنا من الطعن والأذى .
والخوض تقدم في قوله - تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا في سورة الأنعام .
واللعب تقدم في قوله : وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو في الأنعام ، ولما كان اللعب يشمل الاستهزاء بالغير جاء الجواب عن اعتذارهم بقوله : كنتم تستهزئون فلما كان اعتذارهم مبهما رد عليهم ذلك إذ أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبهم جواب الموقن بحالهم بعد أن أعلمه بما سيعتذرون به فقال لهم [ ص: 251 ] أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ، على نحو قوله - تعالى : فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة .
والاستفهام إنكاري توبيخي . وتقديم المعمول وهو أبالله على فعله العامل فيه لقصد قصر التعيين لأنهم لما أتوا في اعتذارهم بصيغة قصر تعيين جيء في الرد عليهم بصيغة قصر تعيين لإبطال مغالطتهم في الجواب ، فأعلمهم بأن لعبهم الذي اعترفوا به ما كان إلا استهزاء بالله وآياته ورسوله لا بغير أولئك ، فقصر الاستهزاء على تعلقه بمن ذكر اقتضى أن الاستهزاء واقع لا محالة لأن القصر قيد في الخبر الفعلي ، فيقتضي وقوع الفعل ، على ما قرره عبد القاهر في معنى القصر الواقع في قول القائل : أنا سعيت في حاجتك وأنه يؤكد بنحو : وحدي ، أو لا غيري ، وأنه يقتضي وقوع الفعل فلا يقال : ما أنا قلت هذا ولا غيري ، أي ولا يقال : أنا سعيت في حاجتك وغيري ، وكذلك هنا لا يصح أن يفهم أبالله كنتم تستهزئون أم لم تكونوا مستهزئين .
والاستهزاء بالله وبآياته إلزام لهم : لأنهم استهزءوا برسوله وبدينه ، فلزمهم الاستهزاء بالذي أرسله بآيات صدقه .