nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=28980_28842_18879_30563_30564كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون
قيل هذا الخطاب التفات ، عن ضمائر الغيبة الراجعة إلى المنافقين ، إلى خطابهم لقصد التفريع والتهديد بالموعظة ، والتذكير عن الغرور بما هم فيه من نعمة الإمهال بأن آخر ذلك حبط الأعمال في الدنيا والآخرة ، وأن يحق عليهم الخسران .
[ ص: 257 ] فكاف التشبيه في موضع الخبر عن مبتدأ محذوف دل عليه ضمير الخطاب ، تقديره : أنتم كالذين من قبلكم ، أو الكاف في موضع نصب بفعل مقدر ، أي : فعلتم كفعل الذين من قبلكم ، فهو في موضع المفعول المطلق الدال على فعله ، ومثله في حذف الفعل والإتيان بما هو مفعول الفعل المحذوف قول
النمر بن تولب :
حتى إذا الكلاب قال لها كاليوم مطلوبا ولا طالبا
أراد : لم أر كاليوم ، إلا أن عامل النصب مختلف بين الآية والبيت .
وقيل هذا من بقية المقول المأمور بأن يبلغه النبيء - صلى الله عليه وسلم - إياهم من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون الآية . فيكون ما بينهما اعتراضا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=67المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض إلخ فضمير الخطاب لهم جار على مقتضى الظاهر بدون التفات والكلام مسوق لتشبيه حالهم في مصيرهم إلى النار .
والإتيان بالموصول لأنه أشمل وأجمع للأمم التي تقدمت مثل عاد وثمود ممن ضرب العرب بهم المثل في القوة .
و " أشد " معناه أقوى ، والقوة هنا القدرة على الأعمال الصعبة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أو يراد بها العزة وعدة الغلب باستكمال العدد والعدد ، وبهذا المعنى أوقعت القوة تمييز الـ ( أشد ) كما أوقعت مضافا إليه ( شديد ) في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى
وكثرة الأموال لها أسباب كثيرة : منها طيب الأرض للزرع والغرس ورعي الأنعام والنحل ، ومنها وفرة التجارة بحسن موقع الموطن بين مواطن الأمم ، ومنها الاقتراب من البحار للسفر إلى الأقطار وصيد البحر ، ومنها اشتمال الأرض على المعادن من الذهب والفضة والحديد والمواد الصناعية والغذائية من النبات ، كأشجار التوابل ولحاء الدبغ والصبغ والأدوية والزراريع والزيوت .
وكثرة الأولاد تأتي من الأمن بسبب بقاء الأنفس ، ومن الخصب المؤثر قوة الأبدان والسلامة من المجاعات المعقبة للموتان ، ومن حسن المناخ بالسلامة من الأوبئة المهلكة ، ومن الثروة بكثرة الأزواج والسراري والمراضع .
[ ص: 258 ] والاستمتاع : التمتع ، وهو نوال أحد المتاع الذي به التذاذ الإنسان وملائمه ، وتقدم عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=24ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين في سورة الأعراف .
والسين والتاء فيه للمبالغة في قوة التمتع .
والخلاق : الحظ من الخير وقد تقدم عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق في سورة البقرة .
وتفرع
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فاستمتعوا بخلاقهم على
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69كانوا أشد : لأن المقصود إدخاله في الحالة المشبه بها كما سيأتي .
وتفرع
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فاستمتعتم بخلاقكم على ما أفاده حرف الكاف بقوله : كالذين من قبلكم من معنى التشبيه ، ولذلك لم تعطف جملة فاستمتعتم بواو العطف ، فإن هذه الجملة هي المقصد من التشبيه وما تفرع عليه ، وقد كان ذكر هذه الجملة يغني عن ذكر جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فاستمتعوا بخلاقهم لولا قصد الموعظة بالفريقين : المشبه بهم ، والمشبهين ، في إعراض كليهما عن أخذ العدة للحياة الدائمة وفي انصبابهما على التمتع العاجل فلم يكتف في الكلام بالاقتصار على حال أحد الفريقين ، قصدا للاعتناء بكليهما فذلك الذي اقتضى هذا الإطناب ولو اقتصر على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ولم يذكر قبله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فاستمتعوا بخلاقهم لحصل أصل المعنى ولم يستفد قصد الاهتمام بكلا الفريقين .
ولذلك لما تقرر هذا المقصد في أنفس السامعين لم يحتج إلى نسج مثل هذا النظم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69وخضتم كالذي خاضوا
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم تأكيد للتشبيه الواقع في قوله : كالذين من قبلكم إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فاستمتعتم بخلاقكم للتنبيه على أن ذلك الجزء بخصوصه ، من بين الحالة المشبهة والحالة المشبه بها ، هو محل الموعظة والتذكير ، فلا يغرهم ما هم فيه من نعمة الإمهال والاستدراج ، فقدم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فاستمتعوا بخلاقهم وأتى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم مؤكدا له دون أن يقتصر على هذا التشبيه الأخير ، ليتأتى التأكيد ، ولأن تقديم ما يتمم تصوير الحالة المشبه بها المركبة ، قبل إيقاع التشبيه ، أشد تمكينا لمعنى المشابهة عند السامع .
[ ص: 259 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69كالذي خاضوا تشبيه لخوض المنافقين بخوض أولئك ، وهو الخوض الذي حكي عنهم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ولبساطة هذا التشبيه لم يؤت فيه بمثل الأسلوب الذي أتي به في التشبيه السابق له . أي : وخضتم في الكفر والاستهزاء بآيات الله ورسوله كالخوض الذي خاضوه في ذلك ، فأنتم وهم سواء ، فيوشك أن يحيق بكم ما حاق بهم ، وكلامنا في هذين التشبيهين أدق ما كتب فيهما .
والذي اسم موصول ، مفرد ، وإذ كان عائد الصلة هنا ضمير جمع تعين أن يكون المراد بـ ( الذي ) : تأويله بالفريق أو الجمع ، ويجوز أن يكون الذي هنا أصله الذين فخفف بحذف النون على لغة
هذيل وتميم كقول
الأشهب بن رميلة النهشلي :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
ونحاة
البصرة يرون هذا الاستعمال خاصا بحالة أن تطول الصلة كالبيت فلا ينطبق عندهم على الآية ، ونحاة
الكوفة يجوزونه ولو لم تطل الصلة ، كما في الآية ، وقد ادعى
الفراء : أن " الذي " يكون موصولا حرفيا مؤولا بالمصدر ، واستشهد له بهذه الآية ، وهو ضعيف .
ولما وصفت حالة المشبه بهم من الأمم البائدة أعقب ذلك بالإشارة إليهم للتنبيه على أنهم بسبب ذلك كانوا جديرين بما سيخبر به عنهم ، فقال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون وفيه تعريض بأن الذين شابهوهم في أحوالهم أحرياء بأن يحل بهم ما حل بأولئك ، وفي هذا التعريض من التهديد والنذارة معنى عظيم .
والخوض تقدمت الحوالة على معرفته آنفا .
والحبط : الزوال والبطلان ، وتقدم في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة في سورة البقرة .
والمراد بأعمالهم ما كانوا يعملونه ويكدحون فيه : من معالجة الأموال والعيال والانكباب عليهما ، ومعنى حبطها في الدنيا استئصالها وإتلافها بحلول مختلف العذاب
[ ص: 260 ] بأولئك الأمم ، وفي الآخرة بعدم تعويضها لهم ، كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80ونرثه ما يقول أي في الدنيا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80ويأتينا فردا أي في الآخرة لا مال له ولا ولد ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=28ما أغنى عني ماليه nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=29هلك عني سلطانيه
وفي هذا كله تذكرة للنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بأن لا يظنوا أن الله لما أمهل المنافقين قد عفا عنهم .
ولما كانت خسارتهم جسيمة جعل غيرهم من الخاسرين كلا خاسرين فحصرت الخسارة في هؤلاء بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69وأولئك هم الخاسرون قصرا مقصودا به المبالغة .
وإعادة اسم الإشارة للاهتمام بتمييز المتحدث عنهم لزيادة تقرير أحوالهم في ذهن السامع .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=28980_28842_18879_30563_30564كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
قِيلَ هَذَا الْخِطَابُ الْتِفَاتٌ ، عَنْ ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى الْمُنَافِقِينَ ، إِلَى خِطَابِهِمْ لِقَصْدِ التَّفْرِيعِ وَالتَّهْدِيدِ بِالْمَوْعِظَةِ ، وَالتَّذْكِيرِ عَنِ الْغُرُورِ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ نِعْمَةِ الْإِمْهَالِ بِأَنَّ آخِرَ ذَلِكَ حَبْطُ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يَحِقَّ عَلَيْهِمُ الْخُسْرَانُ .
[ ص: 257 ] فَكَافُ التَّشْبِيهِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ ضَمِيرُ الْخِطَابِ ، تَقْدِيرُهُ : أَنْتُمْ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، أَوِ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ ، أَيْ : فَعَلْتُمْ كَفِعْلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الدَّالِّ عَلَى فِعْلِهِ ، وَمِثْلُهُ فِي حَذْفِ الْفِعْلِ وَالْإِتْيَانِ بِمَا هُوَ مَفْعُولُ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ قَوْلُ
النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ :
حَتَّى إِذَا الْكَلَّابُ قَالَ لَهَا كَالْيَوْمِ مَطْلُوبًا وَلَا طَالِبَا
أَرَادَ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ ، إِلَّا أَنَّ عَامِلَ النَّصْبِ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْبَيْتِ .
وَقِيلَ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمَقُولِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يُبَلِّغَهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهُمْ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ الْآيَةَ . فَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=67الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إِلَخْ فَضَمِيرُ الْخِطَابِ لَهُمْ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِدُونِ الْتِفَاتِ وَالْكَلَامُ مَسُوقٌ لِتَشْبِيهِ حَالِهِمْ فِي مَصِيرِهِمْ إِلَى النَّارِ .
وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ وَأَجْمَعُ لِلْأُمَمِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِثْلَ عَادٍ وَثَمُودَ مِمَّنْ ضَرَبَ الْعَرَبُ بِهِمُ الْمَثَلَ فِي الْقُوَّةِ .
وَ " أَشَدَّ " مَعْنَاهُ أَقْوَى ، وَالْقُوَّةُ هُنَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّعْبَةِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً أَوْ يُرَادُ بِهَا الْعِزَّةُ وَعُدَّةُ الْغَلَبِ بِاسْتِكْمَالِ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى أُوقِعَتِ الْقُوَّةُ تَمْيِيزَ الْـ ( أَشَدَّ ) كَمَا أُوقِعَتْ مُضَافًا إِلَيْهِ ( شَدِيدُ ) فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى
وَكَثْرَةُ الْأَمْوَالِ لَهَا أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا طِيبُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَرَعْيُ الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ ، وَمِنْهَا وَفْرَةُ التِّجَارَةِ بِحُسْنِ مَوْقِعِ الْمَوْطِنِ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْأُمَمِ ، وَمِنْهَا الِاقْتِرَابُ مِنَ الْبِحَارِ لِلسَّفَرِ إِلَى الْأَقْطَارِ وَصَيْدِ الْبَحْرِ ، وَمِنْهَا اشْتِمَالُ الْأَرْضِ عَلَى الْمَعَادِنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالْمَوَادِّ الصِّنَاعِيَّةِ وَالْغِذَائِيَّةِ مِنَ النَّبَاتِ ، كَأَشْجَارِ التَّوَابِلِ وَلِحَاءِ الدَّبْغِ وَالصَّبْغِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالزَّرَارِيعِ وَالزُّيُوتِ .
وَكَثْرَةُ الْأَوْلَادِ تَأْتِي مِنَ الْأَمْنِ بِسَبَبِ بَقَاءِ الْأَنْفُسِ ، وَمِنَ الْخِصْبِ الْمُؤَثِّرِ قُوَّةُ الْأَبْدَانِ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْمَجَاعَاتِ الْمُعَقِّبَةِ لَلْمُوتَانِ ، وَمِنْ حُسْنِ الْمُنَاخِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْأَوْبِئَةِ الْمُهْلِكَةِ ، وَمِنَ الثَّرْوَةِ بِكَثْرَةِ الْأَزْوَاجِ وَالسَّرَارِي وَالْمَرَاضِعِ .
[ ص: 258 ] وَالِاسْتِمْتَاعُ : التَّمَتُّعُ ، وَهُوَ نَوَالُ أَحَدِ الْمَتَاعِ الَّذِي بِهِ الْتِذَاذُ الْإِنْسَانِ وَمُلَائِمُهُ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=24وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي قُوَّةِ التَّمَتُّعِ .
وَالْخَلَاقُ : الْحَظُّ مِنَ الْخَيْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَتَفَرَّعَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69كَانُوا أَشَدَّ : لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِدْخَالُهُ فِي الْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي .
وَتَفَرَّعَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ عَلَى مَا أَفَادَهُ حَرْفُ الْكَافِ بِقَوْلِهِ : كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ مَعْنَى التَّشْبِيهِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ جُمْلَةُ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِوَاوِ الْعَطْفِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هِيَ الْمَقْصِدُ مِنَ التَّشْبِيهِ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ كَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ لَوْلَا قَصْدُ الْمَوْعِظَةِ بِالْفَرِيقَيْنِ : الْمُشَبَّهِ بِهِمْ ، وَالْمُشَبَّهِينَ ، فِي إِعْرَاضِ كِلَيْهِمَا عَنْ أَخْذِ الْعُدَّةِ لِلْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَفِي انْصِبَابِهِمَا عَلَى التَّمَتُّعِ الْعَاجِلِ فَلَمْ يَكْتَفِ فِي الْكَلَامِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى حَالِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ، قَصْدًا لِلِاعْتِنَاءِ بِكِلَيْهِمَا فَذَلِكَ الَّذِي اقْتَضَى هَذَا الْإِطْنَابَ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ لَحَصَلَ أَصْلُ الْمَعْنَى وَلَمْ يُسْتَفَدْ قَصْدُ الِاهْتِمَامِ بِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ .
وَلِذَلِكَ لَمَّا تَقَرَّرَ هَذَا الْمَقْصِدُ فِي أَنْفُسِ السَّامِعِينَ لَمْ يُحْتَجَّ إِلَى نَسْجِ مِثْلِ هَذَا النَّظْمِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ تَأْكِيدٌ لِلتَّشْبِيهِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ : كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ بِخُصُوصِهِ ، مِنْ بَيْنِ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَالْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا ، هُوَ مَحَلُّ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ ، فَلَا يَغُرُّهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ نِعْمَةِ الْإِمْهَالِ وَالِاسْتِدْرَاجِ ، فَقَدَّمَ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ وَأَتَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ مُؤَكِّدًا لَهُ دُونَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا التَّشْبِيهِ الْأَخِيرِ ، لِيَتَأَتَّى التَّأْكِيدُ ، وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ مَا يُتَمِّمُ تَصْوِيرَ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا الْمُرَكَّبَةِ ، قَبْلَ إِيقَاعِ التَّشْبِيهِ ، أَشَدُّ تَمْكِينًا لِمَعْنَى الْمُشَابَهَةِ عِنْدَ السَّامِعِ .
[ ص: 259 ] وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69كَالَّذِي خَاضُوا تَشْبِيهٌ لِخَوْضِ الْمُنَافِقِينَ بِخَوْضِ أُولَئِكَ ، وَهُوَ الْخَوْضُ الَّذِي حُكِيَ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وَلِبَسَاطَةِ هَذَا التَّشْبِيهِ لَمْ يُؤْتَ فِيهِ بِمِثْلِ الْأُسْلُوبِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ فِي التَّشْبِيهِ السَّابِقِ لَهُ . أَيْ : وَخُضْتُمْ فِي الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَالْخَوْضِ الَّذِي خَاضُوهُ فِي ذَلِكَ ، فَأَنْتُمْ وَهَمَ سَوَاءٌ ، فَيُوشِكُ أَنْ يَحِيقَ بِكُمْ مَا حَاقَ بِهِمْ ، وَكَلَامُنَا فِي هَذَيْنِ التَّشْبِيهَيْنِ أَدَقُّ مَا كُتِبَ فِيهِمَا .
وَالَّذِي اسْمٌ مَوْصُولٌ ، مُفْرَدٌ ، وَإِذْ كَانَ عَائِدُ الصِّلَةِ هُنَا ضَمِيرَ جَمْعٍ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِـ ( الَّذِي ) : تَأْوِيلُهُ بِالْفَرِيقِ أَوِ الْجَمْعِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي هُنَا أَصْلُهُ الَّذِينَ فَخُفِّفَ بِحَذْفِ النُّونِ عَلَى لُغَةِ
هُذَيْلٍ وَتَمِيمٍ كَقَوْلِ
الْأَشْهَبِ بْنِ رُمَيْلَةَ النَّهْشَلِيِّ :
وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ هُمُ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ
وَنُحَاةُ
الْبَصْرَةِ يَرَوْنَ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ خَاصًّا بِحَالَةِ أَنْ تَطُولَ الصِّلَةُ كَالْبَيْتِ فَلَا يَنْطَبِقُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْآيَةِ ، وَنُحَاةُ
الْكُوفَةِ يُجَوِّزُونَهُ وَلَوْ لَمْ تَطُلِ الصِّلَةُ ، كَمَا فِي الْآيَةِ ، وَقَدِ ادَّعَى
الْفَرَّاءُ : أَنَّ " الَّذِي " يَكُونُ مَوْصُولًا حَرْفِيًّا مُؤَوَّلًا بِالْمَصْدَرِ ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَلَمَّا وُصِفَتْ حَالَةُ الْمُشَبَّهِ بِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْبَائِدَةِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَانُوا جَدِيرِينَ بِمَا سَيُخْبَرُ بِهِ عَنْهُمْ ، فَقَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الَّذِينَ شَابَهُوهُمْ فِي أَحْوَالِهِمْ أَحْرِيَاءُ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ ، وَفِي هَذَا التَّعْرِيضِ مِنَ التَّهْدِيدِ وَالنِّذَارَةِ مَعْنًى عَظِيمٌ .
وَالْخَوْضُ تَقَدَّمَتِ الْحَوَالَةُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ آنِفًا .
وَالْحَبْطُ : الزَّوَالُ وَالْبُطْلَانُ ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالْمُرَادُ بِأَعْمَالِهِمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ : مِنْ مُعَالَجَةِ الْأَمْوَالِ وَالْعِيَالِ وَالِانْكِبَابِ عَلَيْهِمَا ، وَمَعْنَى حَبْطِهَا فِي الدُّنْيَا اسْتِئْصَالُهَا وَإِتْلَافُهَا بِحُلُولِ مُخْتَلِفِ الْعَذَابِ
[ ص: 260 ] بِأُولَئِكَ الْأُمَمِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِعَدَمِ تَعْوِيضِهَا لَهُمْ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ أَيْ فِي الدُّنْيَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80وَيَأْتِينَا فَرْدًا أَيْ فِي الْآخِرَةِ لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=28مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=29هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ
وَفِي هَذَا كُلِّهِ تَذْكِرَةٌ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ لَا يَظُنُّوا أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمْهَلَ الْمُنَافِقِينَ قَدْ عَفَا عَنْهُمْ .
وَلَمَّا كَانَتْ خَسَارَتُهُمْ جَسِيمَةً جُعِلَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ كَلَا خَاسِرِينَ فَحُصِرَتِ الْخَسَارَةُ فِي هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=69وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ قَصْرًا مَقْصُودًا بِهِ الْمُبَالَغَةُ .
وَإِعَادَةُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِلِاهْتِمَامِ بِتَمْيِيزِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ أَحْوَالِهِمْ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ .