الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات  والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم  
استئناف ابتدائي ، نزلت بسبب حادث حدث في مدة نزول السورة ، ذلك أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - حث الناس على الصدقة فجاء  عبد الرحمن بن عوف  بأربعة آلاف درهم ، وجاء عاصم بن عدي  بأوسق كثيرة من تمر ، وجاء أبو عقيل  بصاع من تمر ، فقال المنافقون : ما أعطى عبد الرحمن  وعاصم  إلا رياء ، وأحب أبو عقيل  أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات فأنزل الله فيهم هذه الآية . 
 [ ص: 275 ] فالذين يلمزون مبتدأ وخبره جملة سخر الله منهم  
و ( اللمز ) الطعن . وتقدم في هذه السورة في قوله : ومنهم من يلمزك في الصدقات    . وقرأه يعقوب - بضم الميم - كما قرأ قوله : ومنهم من يلمزك في الصدقات  
و ( المطوعين ) أصله المتطوعين ، أدغمت التاء في الطاء لقرب مخرجيهما . 
و ( في ) للظرفية المجازية بجعل سبب اللمز كالظرف للمسبب . 
وعطف الذين لا يجدون إلا جهدهم على المطوعين وهم منهم ، اهتماما بشأنهم . و ( الجهد ) - بضم الجيم - الطاقة . وأطلقت الطاقة على مسببها الناشئ عنها . 
وحذف مفعول يجدون لظهوره من قوله : الصدقات أي لا يجدون ما يتصدقون به إلا جهدهم . 
والمراد لا يجدون سبيلا إلى إيجاد ما يتصدقون به إلا طاقتهم ، أي جهد أبدانهم . أو يكون ( وجد ) هنا هو الذي بمعنى كان ذا جدة ، أي غنى فلا يقدر له مفعول ، أي الذين لا مال لهم إلا جهدهم وهذا أحسن . 
وفيه ثناء على قوة البدن والعمل وأنها تقوم مقام المال . 
وهذا أصل عظيم في اعتبار أصول الثروة العامة والتنويه بشأن العامل . 
و ( السخرية ) الاستهزاء . يقال : سخر منه ، أي حصلت السخرية له من كذا ، فـ ( من ) اتصالية . 
واختير المضارع في يلمزون ويسخرون للدلالة على التكرر . 
وإسناد سخر إلى الله - تعالى - على سبيل المجاز الذي حسنته المشاكلة لفعلهم ، والمعنى أن الله عاملهم معاملة تشبه سخرية الساخر ، على طريقة التمثيل ، وذلك في أن أمر نبيه بإجراء أحكام المسلمين على ظاهرهم زمنا ثم أمره بفضحهم . 
ويجوز أن يكون إطلاق سخر الله منهم  على طريقة المجاز المرسل ، أي احتقرهم ولعنهم ولما كان كل ذلك حاصلا من قبل عبر عنه بالماضي في سخر الله منهم  
 [ ص: 276 ] وجملة ولهم عذاب أليم  عطف على الخبر ، أي سخر منهم وقضى عليهم بالعذاب في الآخرة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					