عطفت جملة وجاء المعذرون على جملة استأذنك أولوا الطول منهم ، وما بينهما اعتراض ، فالمراد بالمعذرين فريق من المؤمنين الصادقين من الأعراب ، كما تدل عليه المقابلة بقوله : وقعد الذين كذبوا الله ورسوله . وعلى هذا المعنى فسر ابن عباس ، ومجاهد ، وكثير . وجعلوا من هؤلاء غفارا ، وخالفهم قتادة فجعلهم المعتذرين كذبا وهم بنو عامر رهط عامر بن الطفيل ، قالوا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - إن خرجنا معك أغارت أعراب طيء على بيوتنا . ومن المعذرين الكاذبين أسد ، وغطفان .
وعلى الوجهين في التفسير يختلف التقدير في قوله : ( المعذرون ) فإن كانوا المحقين في العذر فتقدير المعذرون أن أصله المعتذرون ، من ( اعتذر ) أدغمت التاء في الذال لتقارب المخرجين لقصد التخفيف ، كما أدغمت التاء في الصاد في قوله : وهم يخصمون ، أي يختصمون .
وإن كانوا الكاذبين في عذرهم فتقدير المعذرون : أنه اسم فاعل من ( عذر ) بمعنى تكلف العذر ، فعن " لعن الله المعذرين " . قال ابن عباس الأزهري : ذهب إلى أنهم الذين يعتذرون بلا عذر فكأن الأمر عنده أن المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر اعتلالا وهو لا عذر له اهـ . وقال شارح ديوان النابغة عند قول النابغة :
ودع أمامة والتوديع تعذير
أي لا يجد عذرا غير التوديع .
ويجوز أن يكون اختيار صيغة المعذرين من لطائف القرآن لتشمل الذين صدقوا في العذر والذين كذبوا فيه .
والاعتذار افتعال من باب ما استعمل فيه مادة الافتعال للتكلف في الفعل والتصرف مثل الاكتساب والاختلاق . وليس لهذا المزيد فعل مجرد بمعناه وإنما المجرد هو ( عذر ) [ ص: 293 ] بمعنى قبل العذر . والعذر البينة والحالة التي يتنصل المحتج بها من تبعة أو ملام عند من يعتذر إليه .
وقرأ يعقوب ( المعذرون ) - بسكون العين وتخفيف الذال - ، من ( أعذر ) إذا بالغ في الاعتذار .
والأعراب اسم جمع يقال في الواحد : أعرابي - بياء النسب - نسبة إلى اسم الجمع كما يقال مجوسي لواحد المجوس . وصيغة الأعراب من صيغ الجموع ولكنه لم يكن جمعا لأنه لا واحد له من لفظ جمعه فلذلك جعل اسم جمع . وهم سكان البادية .
وأما قوله : وقعد الذين كذبوا الله ورسوله فهم الذين أعلنوا بالعصيان في أمر الخروج إلى الغزو من الأعراب أيضا كما ينبئ عنه السياق ، أي قعدوا دون اعتذار . فالقعود هو عدم الخروج إلى الغزو . وعلم أن المراد القعود دون اعتذار من مقابلته بقوله : وجاء المعذرون من الأعراب
وجملة وقعد الذين كذبوا الله ورسوله عطف على جملة وجاء المعذرون من الأعراب وهذا فريق آخر من الأعراب خليط من مسلمين ومنافقين كذبوا بالتخفيف ، أي كانوا كاذبين . والمراد أنهم كذبوا في الإيمان الذي أظهروه من قبل ، ويحتمل أنهم كذبوا في وعدهم النصر ثم قعدوا دون اعتذار بحيث لم يكن تخلفهم مترقبا لأن الذين اعتذروا قد علم النبيء - عليه الصلاة والسلام - أنهم غير خارجين معه بخلاف الآخرين فكانوا محسوبين في جملة الجيش . وتخلفهم أشد إضرارا لأنه قد يفل من حدة كثير من الغزاة .
وجملة سيصيب الذين كفروا مستأنفة لابتداء وعيد .
وضمير ( منهم ) يعود إلى المذكورين فهو شامل للذين كذبوا الله ورسوله ولمن كان عذره ناشئا عن نفاق وكذب .
وتنكير ( عذاب ) للتهويل والمراد به عذاب جهنم .