ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة
عطف على جملة لا يصيبهم ظمأ ، وهو انتقال من عداد الكلف التي تصدر عنهم بلا قصد في سبيل الله إلى بعض الكلف التي لا تخلو عن استشعار من تحل بهم بأنهم [ ص: 58 ] لقوها في سبيل الله .
فالنفقة في سبيل الله لا تكون إلا عن قصد يتذكر به المنفق أنه يسعى إلى ما هو وسيلة لنصر الدين ، والنفقة الكبيرة أدخل في القصد ، فلذلك نبه عليهما وعلى النفقة الصغيرة ليعلم بذكر الكبيرة حكم النفقة الصغيرة لأن العلة في الكبيرة أظهر وكان هذا الإطناب في عد مناقبهم في الغزو لتصوير ما بذلوه في سبيل الله .
وقطع الوادي : هو اجتيازه . وحقيقة القطع : تفريق أجزاء الجسم . وأطلق على الاجتياز على وجه الاستعارة .
والوادي : المنفرج يكون بين جبال أو إكام فيكون منفذا لسيول المياه ، ولذلك اشتق من ودى بمعنى سال . وقطع الوادي أثناء السير من شأنه أن يتذكر السائرون بسببه أنهم سائرون إلى غرض ما لأنه يجدد حالة في السير لم تكن من قبل . ومن أجل ذلك ندب الحجيج إلى تجديد التلبية عندما يصعدون شرفا أو ينزلون واديا أو يلاقون رفاقا .
والضمير في ( كتب ) عائد إلى عمل صالح . ولام التعليل متعلقة بـ ( كتب ) ، أي كتب الله لهم صالحا ليجزيهم عن أحسن أعمالهم .
ولما كان هذا جزاء عن عملهم المذكور علم أن عملهم هذا من أحسن أعمالهم .
وانتصب ( أحسن ) على نزع الخافض ، أي عن أحسن ما كانوا يعملون أو بأحسن ما كانوا يعملون كقوله - تعالى : ويزيدهم من فضله ليجزيهم الله أحسن ما عملوا وأما قوله : ليجزيك أجر ما سقيت لنا فالظاهر أنه من غير هذا القبيل وأن ( أجر ) مفعول مطلق .
وفي ذكر " كانوا " والإتيان بخبرها مضارعا إفادة أن مثل هذا العمل كان ديدنهم .