عطف على أهلكنا وحرف ثم مؤذن ببعد ما بين الزمنين ، أي ثم جعلناكم تخلفونهم في الأرض . وكون حرف ثم هنا عاطفا جملة على جملة تقتضي التراخي الرتبي لأن جعلهم خلائف أهم من إهلاك القرون قبلهم لما فيه من المنة عليهم ، ولأنه عوضهم بهم .
والخلائف : جمع خليفة . وتقدم في قوله : وهو الذي جعلكم خلائف الأرض في سورة الأنعام .
والمراد بـ الأرض بلاد العرب ، فالتعريف فيه للعهد لأن المخاطبين خلفوا عادا وثمودا وطسما وجديسا وجرهما في منازلهم على الجملة .
[ ص: 115 ] والنظر : مستعمل في العلم المحقق ; لأن النظر أقوى طرق المعرفة ، فمعنى لننظر لنعلم ، أي لنعلم علما متعلقا بأعمالكم . فالمراد بالعلم تعلقه التنجيزي .
و كيف اسم استفهام معلق لفعل العلم عن العمل ، وهو منصوب بـ ننظر ، والمعنى في مثله : لنعلم جواب كيف تعملون ، قال إياس بن قبيصة :
وأقبلت والخطي يخطر بيننا لأعلم من جبانها من شجاعها
أي : لأعلم جواب من جبانها .
وإنما جعل استخلافهم في الأرض علة لعلم الله بأعمالهم كناية عن ظهور أعمالهم في الواقع إن كانت مما يرضي الله أو مما لا يرضيه ، فإذا ظهرت أعمالهم علمها الله علم الأشياء النافعة وإن كان يعلم أن ذلك سيقع علما أزليا ، كما أن بيت إياس بن قبيصة معناه ليظهر الجبان من الشجاع . وليس المقصود بتعليل الإقدام حصول علمه بالجبان والشجاع ولكنه كنى بذلك عن ظهور الجبان والشجاع . وقد تقدم نظير هذا في قوله - تعالى : وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء في سورة آل عمران .