nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=28981_30549هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=21وإذا أذقنا الناس رحمة إلى آخرها لأن البغي في الأرض اشتمل عليه المكر في آيات الله . والمقصود من هذه الجملة هو قوله :
[ ص: 135 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض وما سواه تمهيد وإدماج للامتنان . أعقب التهديد على
nindex.php?page=treesubj&link=19614_32490كفران النعمة بذكر بعض نعم الله عليهم ثم ضراء تعقب النعمة للابتلاء والتذكير بخالقهم ، ثم كيف تفرج عنهم رحمة بهم فيكفر فريق منهم كلتا النعمتين ولا يتذكر ، فكان المقصود أن في ذلك أعظم الآيات على الوحدانية فكيف يقولون
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=20لولا أنزل عليه آية من ربه وفي كل شيء له آية ، وفي كل ذلك امتنان عليهم بالنعمة وتسجيل لكفرانها ولتوارد الآيات عليهم ولكيلا يغتروا بالإمهال فيحسبوه رضى بكفرهم أو عجزا عن أخذهم ، وهذا موقع رشيق جد الرشاقة لهذه الآية القرآنية .
وإسناد التسيير إلى الله - تعالى - باعتبار أنه سببه لأنه خالق إلهام التفكير وقوى الحركة العقلية والجسدية ، فالإسناد مجاز عقلي ، فالقصر المفاد من جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22هو الذي يسيركم قصر ادعائي . والكلام مستعمل في الامتنان والتعريض بإخلالهم بواجب الشكر .
و حتى ابتدائية ، وهي غاية للتسيير في البحار خاصة . وإنما كانت غاية باعتبار ما عطف على مدخولها من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22دعوا الله إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بغير الحق ، والمغيا هو ما في قوله : يسيركم من المنة المؤذنة بأنه تسيير رفق ملائم للناس ، فكان ما بعد حتى ومعطوفاتها نهاية ذلك الرفق ; لأن تلك الحالة التي بعد حتى ينتهي عندها السير المنعم به ويدخلون في حالة البأساء والضراء ، وهذا النظم نسج بديع في أفانين الكلام .
ومن بديع الأسلوب في الآية أنها لما كانت بصدد ذكر النعمة جاءت بضمائر الخطاب الصالحة لجميع السامعين ، فلما تهيأت للانتقال إلى ذكر الضراء وقع الانتقال من ضمائر الخطاب إلى ضمير الغيبة لتلوين الأسلوب بما يخلصه إلى الإفضاء إلى ما يخص المشركين فقال وجرين بهم على طريقة الالتفات ، أي وجرين بكم . وهكذا أجريت الضمائر جامعة للفريقين إلى أن قال
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق فإن هذا ليس من شيم المؤمنين فتمحض ضمير الغيبة هذا للمشركين ، فقد أخرج من الخبر من عدا الذين يبغون في الأرض بغير الحق تعويلا على القرينة لأن الذين يبغون في الأرض بغير الحق لا يشمل المسلمين .
وهذا ضرب من الالتفات لم ينبه عليه أهل المعاني وهو كالتخصيص بطريق الرمز .
[ ص: 136 ] وقد عدت هذه الآية من أمثلة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في ضمائر الغيبة كلها تبعا للكشاف بناء على جعل ضمائر الخطاب للمشركين وجعل ضمائر الغيبة لهم أيضا ، وما نحوته أنا أليق .
وابتدئ الإتيان بضمير الغيبة من آخر ذكر النعمة عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22وجرين بهم بريح طيبة للتصريح بأن النعمة شملتهم ، وللإشارة إلى أن مجيء العاصفة فجأة في حال الفرح مراد منه ابتلاؤهم وتخويفهم . فهو تمهيد لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22وجاءهم الموج من كل مكان
والسير في البر معروف للعرب . وكذلك السير في البحر . كانوا يركبون البحر إلى
اليمن وإلى
بلاد الحبشة . وكانت
لقريش رحلة الشتاء إلى
اليمن وقد يركبون البحر لذلك . وقد وصف
طرفة بن العبد السفن وسيرها ، وذكرها
عمرو بن كلثوم في معلقته ،
والنابغة في داليته .
وقرأ الجمهور يسيركم بتحتية في أوله مضمومة فسين مهملة بعدها تحتية بعدها راء من السير ، أي يجعلكم تسيرون . وقرأه
ابن عامر وأبو جعفر ( ينشركم ) بتحتية مفتوحة في أوله بعدها نون ثم شين معجمة ثم راء من النشر ، وهو التفريق على نحو قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=20إذا أنتم بشر تنتشرون وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فانتشروا في الأرض . قال
ابن عطية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16732عوف بن أبي جميلة وأبي الزغل : كانوا ( أي
أهل الكوفة ) يقرءون " ينشركم " فنظروا في مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان فوجدوها يسيركم ( أي بتحتية فسين مهملة فتحتية ) فأول من كتبها كذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15699الحجاج بن يوسف ، أي أمر بكتبها في مصاحف
أهل الكوفة .
و حتى غاية للتسيير . وهي هنا ابتدائية أعقبت بحرف المفاجأة وجوابه ، والجملة والغاية هي مفاد جواب إذا وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22جاءتها ريح عاصف ، فمجيء الريح العاصف هو غاية التسيير الهنيء المنعم به ، إذ حينئذ ينقلب التسيير كارثة ومصيبة .
والفلك : اسم لمركب البحر ، واسم جمع له بصيغة واحدة ، وقد تقدم عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس في سورة البقرة . وهو هنا مراد به الجمع .
[ ص: 137 ] والجري : السير السريع في الأرض أو في البحر ، قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41بسم الله مجراها والظاهر أنه حقيقة فيهما .
والريح مؤنثة في كلام العرب ، وتقدم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته ) في سورة الأعراف . والطيبة : الملائمة الرفيقة بالراكبين .
والطيب : الموصوف بالطيب الشديد . وأصل معنى الطيب الملاءمة فيما يراد من الشيء ، كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فلنحيينه حياة طيبة ، ويقال : طاب له المقام في مكان كذا . ومنه سمي الشيء الذي له ريح وعرف طيبا .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22جاءتها ريح عاصف جواب إذا . وفي ذكر جريهن بريح طيبة وفرحهم بها إيماء إلى أن مجيء العاصفة حدث فجأة دون توقع من دلالة علامات النوتية كما هو الغالب . وفيه إيماء إلى أن ذلك بتقدير مراد لله - تعالى - ليخوفهم ويذكرهم بوحدانيته .
وضمير جاءتها عائد إلى الفلك لأن جمع غير العاقل يعامل معاملة المفرد المؤنث .
والعاصف : وصف خاص بالريح ، أي شديدة السرعة . وإنما لم تلحقه علامة التأنيث لأنه مختص بوصف الريح فاستغنى عن التأنيث ، مثل : نافس وحائض ومرضع ، فشاع استعماله كذلك ، وذكر وصفا للريح فبقي لا تلحقه التاء . وقالوا : إنما لم تلحقه التاء لأنه في معنى النسب ، مثل : لابن ، وتامر ، وفيه نظر .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22من كل مكان من كل جهة من جهات الفلك ، فالابتداء الذي تفيده من ابتداء الأمكنة المتجهة إلى الفلك .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22أحيط بهم أخذوا وأهلكوا ، فالعرب يقولون : أحاط العدو بالقبيلة إذا تمكن منها وغلبها ; لأن الإحاطة بها تدل على الإحداق بها وتطويقها . ولما كان ذلك هزيمة وامتلاكا لها صار ترتيب
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22أحيط بهم استعارة تمثيلية للهلاك كما تقدم في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19والله محيط بالكافرين وقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=66لتأتنني به إلا أن يحاط بكم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42وأحيط بثمره أي هلكت . فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22وظنوا أنهم أحيط بهم ظنوا الهلاك .
[ ص: 138 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22دعوا الله مخلصين جواب إذا . ومعنى مخلصين له الدين ممحضين له العبادة في دعائهم ، أي دعوه ولم يدعوا معه أصنامهم . وليس المراد أنهم أقلعوا عن الإشراك في جميع أحوالهم بل تلك حالتهم في الدعاء عند الشدائد . وهذا إقامة حجة عليهم ببعض أحوالهم ، مثل قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40أغير الله تدعون إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بل إياه تدعون
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22لئن أنجيتنا بيان لجملة دعوا لأن مضمونها هو الدعاء .
والإشارة بـ هذه إلى حالة حاضرة لهم ، وهي حالة إشرافهم على الغرق ، فالمشار إليه هو الحالة المشاهدة لهم .
وقد أكد وعدهم بالشكر بثلاث مؤكدات : لام توطئة القسم ، ونون التوكيد ، والتعبير بصيغة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22من الشاكرين دون " لنكونن شاكرين " ، لما يفيده من كونهم من هذه الزمرة التي ديدنها الشكر ، كما تقدم بيان خصوصية مثل هذا التركيب عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=56قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين في سورة الأنعام .
وأتى بحرف إذا الفجائية في جواب لما للدلالة على تعجيلهم بالبغي في الأرض عقب النجاة .
والبغي : الاعتداء . وتقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33والإثم والبغي بغير الحق في سورة الأعراف . والمراد به هنا الإشراك كما صرح به في نظيرها
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون . وسمي الشرك بغيا لأنه اعتداء على حق الخالق وهو أعظم اعتداء ، كما يسمى ظلما في آيات كثيرة منها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم . ولا يحسن تفسير البغي هنا بالظلم والفساد في الأرض ، إذ ليس ذلك شأن جميعهم فإن منهم حلماء قومهم ، ولأنه لا يناسب قوله بعد
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23إنما بغيكم على أنفسكم . ولمعنى هذه الآية في القرآن نظائر ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله الآية .
وزيادة ( في الأرض ) لمجرد تأكيد تمكنهم من النجاة . وهو كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد أي جعلوا مكان أثر النعمة بالنجاة مكانا للبغي .
[ ص: 139 ] وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بغير الحق هو قيد كاشف لمعنى البغي ، إذ البغي لا يكون بحق ، فهو كالتقييد في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=28981_30549هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=21وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً إِلَى آخِرِهَا لِأَنَّ الْبَغْيَ فِي الْأَرْضِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمَكْرُ فِي آيَاتِ اللَّهِ . وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ هُوَ قَوْلُهُ :
[ ص: 135 ] nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ وَمَا سِوَاهُ تَمْهِيدٌ وَإِدْمَاجٌ لِلِامْتِنَانِ . أَعْقَبَ التَّهْدِيدَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19614_32490كُفْرَانِ النِّعْمَةِ بِذِكْرِ بَعْضِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ضَرَّاءَ تَعْقُبَ النِّعْمَةَ لِلِابْتِلَاءِ وَالتَّذْكِيرِ بِخَالِقِهِمْ ، ثُمَّ كَيْفَ تُفْرَجُ عَنْهُمْ رَحْمَةً بِهِمْ فَيَكْفُرُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ كِلْتَا النِّعْمَتَيْنِ وَلَا يَتَذَكَّرُ ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ أَنَّ فِي ذَلِكَ أَعْظَمَ الْآيَاتِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ فَكَيْفَ يَقُولُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=20لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ عَلَيْهِمْ بِالنِّعْمَةِ وَتَسْجِيلٌ لِكُفْرَانِهَا وَلِتَوَارُدِ الْآيَاتِ عَلَيْهِمْ وَلِكَيْلَا يَغْتَرُّوا بِالْإِمْهَالِ فَيَحْسَبُوهُ رِضًى بِكُفْرِهِمْ أَوْ عَجْزًا عَنْ أَخْذِهِمْ ، وَهَذَا مَوْقِعٌ رَشِيقٌ جِدُّ الرَّشَاقَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ الْقُرْآنِيَّةِ .
وَإِسْنَادُ التَّسْيِيرِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَبَبُهُ لِأَنَّهُ خَالِقُ إِلْهَامِ التَّفْكِيرِ وَقُوَى الْحَرَكَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْجَسَدِيَّةِ ، فَالْإِسْنَادُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ ، فَالْقَصْرُ الْمُفَادُ مِنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ . وَالْكَلَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِامْتِنَانِ وَالتَّعْرِيضِ بِإِخْلَالِهِمْ بِوَاجِبِ الشُّكْرِ .
وَ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ ، وَهِيَ غَايَةٌ لِلتَّسْيِيرِ فِي الْبِحَارِ خَاصَّةً . وَإِنَّمَا كَانَتْ غَايَةً بِاعْتِبَارِ مَا عُطِفَ عَلَى مَدْخُولِهَا مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22دَعَوُا اللَّهَ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَالْمُغَيَّا هُوَ مَا فِي قَوْلِهِ : يُسَيِّرُكُمْ مِنَ الْمِنَّةِ الْمُؤْذِنَةِ بِأَنَّهُ تَسْيِيرُ رِفْقٍ مُلَائِمٍ لِلنَّاسِ ، فَكَانَ مَا بَعْدَ حَتَّى وَمَعْطُوفَاتِهَا نِهَايَةَ ذَلِكَ الرِّفْقِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ الَّتِي بَعْدَ حَتَّى يَنْتَهِي عِنْدَهَا السَّيْرُ الْمُنْعَمُ بِهِ وَيَدْخُلُونَ فِي حَالَةِ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَهَذَا النَّظْمُ نَسْجٌ بَدِيعٌ فِي أَفَانِينِ الْكَلَامِ .
وَمِنْ بَدِيعِ الْأُسْلُوبِ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ بِصَدَدِ ذِكْرِ النِّعْمَةِ جَاءَتْ بِضَمَائِرِ الْخِطَابِ الصَّالِحَةِ لِجَمِيعِ السَّامِعِينَ ، فَلَمَّا تَهَيَّأَتْ لِلِانْتِقَالِ إِلَى ذِكْرِ الضَّرَّاءِ وَقَعَ الِانْتِقَالُ مِنْ ضَمَائِرِ الْخِطَابِ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ لِتَلْوِينِ الْأُسْلُوبِ بِمَا يُخَلِّصُهُ إِلَى الْإِفْضَاءِ إِلَى مَا يَخُصُّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ وَجَرَيْنَ بِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ ، أَيْ وَجَرَيْنَ بِكُمْ . وَهَكَذَا أُجْرِيَتِ الضَّمَائِرُ جَامِعَةً لِلْفَرِيقَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ شِيَمِ الْمُؤْمِنِينَ فَتَمَحَّضَ ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ ، فَقَدْ أَخْرَجَ مِنَ الْخَبَرِ مَنْ عَدَا الَّذِينَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ تَعْوِيلًا عَلَى الْقَرِينَةِ لِأَنَّ الَّذِينَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ لَا يَشْمَلُ الْمُسْلِمِينَ .
وَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الِالْتِفَاتِ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَعَانِي وَهُوَ كَالتَّخْصِيصِ بِطَرِيقِ الرَّمْزِ .
[ ص: 136 ] وَقَدْ عُدَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَمْثِلَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ فِي ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ كُلِّهَا تَبَعًا لِلْكَشَّافِ بِنَاءً عَلَى جَعْلِ ضَمَائِرِ الْخِطَابِ لِلْمُشْرِكِينَ وَجَعْلِ ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ لَهُمْ أَيْضًا ، وَمَا نَحَوْتُهُ أَنَا أَلْيَقُ .
وَابْتُدِئَ الْإِتْيَانُ بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ مِنْ آخِرِ ذِكْرِ النِّعْمَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ النِّعْمَةَ شَمِلَتْهُمْ ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مَجِيءَ الْعَاصِفَةِ فَجْأَةً فِي حَالِ الْفَرَحِ مُرَادٌ مِنْهُ ابْتِلَاؤُهُمْ وَتَخْوِيفُهُمْ . فَهُوَ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
وَالسَّيْرُ فِي الْبَرِّ مَعْرُوفٌ لِلْعَرَبِ . وَكَذَلِكَ السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ . كَانُوا يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ إِلَى
الْيَمَنِ وَإِلَى
بِلَادِ الْحَبَشَةِ . وَكَانَتْ
لِقُرَيْشٍ رِحْلَةُ الشِّتَاءِ إِلَى
الْيَمَنِ وَقَدْ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ لِذَلِكَ . وَقَدْ وَصَفَ
طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ السُّفُنَ وَسَيْرَهَا ، وَذَكَرَهَا
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ فِي مُعَلَّقَتِهِ ،
وَالنَّابِغَةُ فِي دَالِيَّتِهِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُسَيِّرُكُمْ بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ مَضْمُومَةٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ بَعْدَهَا رَاءٌ مِنَ السَّيْرِ ، أَيْ يَجْعَلُكُمْ تَسِيرُونَ . وَقَرَأَهُ
ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ ( يَنْشُرُكُمْ ) بِتَحْتِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ فِي أَوَّلِهِ بَعْدَهَا نُونٌ ثُمَّ شِينٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مِنَ النَّشْرِ ، وَهُوَ التَّفْرِيقُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=20إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16732عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ وَأَبِي الزَّغَلِ : كَانُوا ( أَيْ
أَهْلُ الْكُوفَةِ ) يَقْرَءُونَ " يَنْشُرُكُمْ " فَنَظَرُوا فِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَوَجَدُوهَا يُسَيِّرُكُمْ ( أَيْ بِتَحْتِيَّةٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ ) فَأَوَّلُ مَنْ كَتَبَهَا كَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=15699الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ ، أَيْ أَمَرَ بِكَتْبِهَا فِي مَصَاحِفِ
أَهْلِ الْكُوفَةِ .
وَ حَتَّى غَايَةٌ لِلتَّسْيِيرِ . وَهِيَ هُنَا ابْتِدَائِيَّةٌ أُعْقِبَتْ بِحَرْفِ الْمُفَاجَأَةِ وَجَوَابِهِ ، وَالْجُمْلَةُ وَالْغَايَةُ هِيَ مُفَادُ جَوَابِ إِذَا وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ، فَمَجِيءُ الرِّيحِ الْعَاصِفِ هُوَ غَايَةُ التَّسْيِيرِ الْهَنِيءِ الْمُنْعَمِ بِهِ ، إِذْ حِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ التَّسْيِيرُ كَارِثَةً وَمُصِيبَةً .
وَالْفُلْكُ : اسْمٌ لِمَرْكَبِ الْبَحْرِ ، وَاسْمُ جَمْعٍ لَهُ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَهُوَ هَنَا مُرَادٌ بِهِ الْجَمْعُ .
[ ص: 137 ] وَالْجَرْيُ : السَّيْرُ السَّرِيعُ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الْبَحْرِ ، قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا .
وَالرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ . وَالطَّيِّبَةُ : الْمُلَائِمَةُ الرَّفِيقَةُ بِالرَّاكِبِينَ .
وَالطَّيِّبُ : الْمَوْصُوفُ بِالطِّيبِ الشَّدِيدِ . وَأَصْلُ مَعْنَى الطَّيِّبِ الْمُلَاءَمَةُ فِيمَا يُرَادُ مِنَ الشَّيْءِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ، وَيُقَالُ : طَابَ لَهُ الْمُقَامُ فِي مَكَانِ كَذَا . وَمِنْهُ سُمِّيَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ رِيحٌ وَعُرْفٌ طِيبًا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ جَوَابُ إِذَا . وَفِي ذِكْرِ جَرْيِهِنَّ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرَحِهِمْ بِهَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مَجِيءَ الْعَاصِفَةِ حَدَثَ فَجْأَةً دُونَ تَوَقُّعٍ مِنْ دَلَالَةِ عَلَامَاتِ النَّوْتِيَّةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ . وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرٍ مُرَادٍ لِلَّهِ - تَعَالَى - لِيُخَوِّفَهُمْ وَيُذَكِّرَهُمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ .
وَضَمِيرُ جَاءَتْهَا عَائِدٌ إِلَى الْفُلْكِ لِأَنَّ جَمْعَ غَيْرِ الْعَاقِلِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُفْرَدِ الْمُؤَنَّثِ .
وَالْعَاصِفُ : وَصْفٌ خَاصٌّ بِالرِّيحِ ، أَيْ شَدِيدَةُ السُّرْعَةِ . وَإِنَّمَا لَمْ تَلْحَقْهُ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِوَصْفِ الرِّيحِ فَاسْتَغْنَى عَنِ التَّأْنِيثِ ، مِثْلُ : نَافِسٍ وَحَائِضٍ وَمُرْضِعٍ ، فَشَاعَ اسْتِعْمَالُهُ كَذَلِكَ ، وَذُكِرَ وَصْفًا لِلرِّيحِ فَبَقِيَ لَا تَلْحَقُهُ التَّاءُ . وَقَالُوا : إِنَّمَا لَمْ تَلْحَقْهُ التَّاءُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّسَبِ ، مِثْلُ : لَابِنٍ ، وَتَامِرٍ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22مِنْ كُلِّ مَكَانٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْفُلْكِ ، فَالِابْتِدَاءُ الَّذِي تُفِيدُهُ مِنْ ابْتِدَاءُ الْأَمْكِنَةِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى الْفُلْكِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22أُحِيطَ بِهِمْ أُخِذُوا وَأُهْلِكُوا ، فَالْعَرَبُ يَقُولُونَ : أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِالْقَبِيلَةِ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهَا وَغَلَبَهَا ; لِأَنَّ الْإِحَاطَةَ بِهَا تَدُلُّ عَلَى الْإِحْدَاقِ بِهَا وَتَطْوِيقِهَا . وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ هَزِيمَةً وَامْتِلَاكًا لَهَا صَارَ تَرْتِيبُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22أُحِيطَ بِهِمْ اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً لِلْهَلَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ وَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=66لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ أَيْ هَلَكَتْ . فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ظَنُّوا الْهَلَاكَ .
[ ص: 138 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ جَوَابُ إِذَا . وَمَعْنَى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ مُمْحِضِينَ لَهُ الْعِبَادَةَ فِي دُعَائِهِمْ ، أَيْ دَعَوْهُ وَلَمْ يَدْعُوا مَعَهُ أَصْنَامَهُمْ . وَلَيْسَ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ أَقْلَعُوا عَنِ الْإِشْرَاكِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ بَلْ تِلْكَ حَالَتُهُمْ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ . وَهَذَا إِقَامَةُ حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِمْ ، مِثْلَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ دَعَوُا لِأَنَّ مَضْمُونَهَا هُوَ الدُّعَاءُ .
وَالْإِشَارَةُ بـِ هَذِهِ إِلَى حَالَةٍ حَاضِرَةٍ لَهُمْ ، وَهِيَ حَالَةُ إِشْرَافِهِمْ عَلَى الْغَرَقِ ، فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ الْحَالَةُ الْمُشَاهَدَةُ لَهُمْ .
وَقَدْ أَكَّدَ وَعْدَهُمْ بِالشُّكْرِ بِثَلَاثِ مُؤَكِّدَاتٍ : لَامِ تَوْطِئَةِ الْقَسَمِ ، وَنُونِ التَّوْكِيدِ ، وَالتَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22مِنَ الشَّاكِرِينَ دُونَ " لَنَكُونَنَّ شَاكِرِينَ " ، لِمَا يُفِيدُهُ مِنْ كَوْنِهِمْ مِنْ هَذِهِ الزُّمْرَةِ الَّتِي دَيْدَنُهَا الشُّكْرُ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ خُصُوصِيَّةِ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=56قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَأَتَى بِحَرْفِ إِذَا الْفُجَائِيَّةِ فِي جَوَابِ لَمَّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَعْجِيلِهِمْ بِالْبَغْيِ فِي الْأَرْضِ عَقِبَ النَّجَاةِ .
وَالْبَغْيُ : الِاعْتِدَاءُ . وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ . وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِشْرَاكُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي نَظِيرِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ . وَسُمِّيَ الشِّرْكُ بَغْيًا لِأَنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى حَقِّ الْخَالِقِ وَهُوَ أَعْظَمُ اعْتِدَاءٍ ، كَمَا يُسَمَّى ظُلْمًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . وَلَا يَحْسُنُ تَفْسِيرُ الْبَغْيِ هُنَا بِالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ شَأْنُ جَمِيعِهِمْ فَإِنَّ مِنْهُمْ حُلَمَاءَ قَوْمِهِمْ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ بَعْدَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ . وَلِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الْآيَةَ .
وَزِيَادَةُ ( فِي الْأَرْضِ ) لِمُجَرَّدِ تَأْكِيدِ تَمَكُّنِهِمْ مِنَ النَّجَاةِ . وَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ أَيْ جَعَلُوا مَكَانَ أَثَرِ النِّعْمَةِ بِالنَّجَاةِ مَكَانًا لِلْبَغْيِ .
[ ص: 139 ] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23بِغَيْرِ الْحَقِّ هُوَ قَيْدٌ كَاشِفٌ لِمَعْنَى الْبَغْيِ ، إِذِ الْبَغْيُ لَا يَكُونُ بِحَقٍّ ، فَهُوَ كَالتَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ