[ ص: 579 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28973_29706وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=82والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون
قيل الواو لعطف الجملة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75وقد كان فريق منهم فتكون حالا مثلها أي كيف تطمعون أن يؤمنوا لكم وهو يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ويقولون لن تمسنا النار .
والأظهر عندي أن الواو عطف على قوله يكتبون إلخ أي فعلوا ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80وقالوا لن تمسنا النار ووجه المناسبة أن قولهم لن تمسنا النار دل على اعتقاد مقرر في نفوسهم يشيعونه بين الناس بألسنتهم قد أنبأ بغرور عظيم من شأنه أن يقدموا على تلك الجريمة وغيرها إذ هم قد آمنوا من المؤاخذة إلا أياما معدودة تعادل أيام عبادة العجل أو أياما عن كل ألف سنة من العالم يوما وإن ذلك عذاب مكتوب على جميعهم فهم لا يتوقون الإقدام على المعاصي لأجل ذلك فبالعطف على أخبارهم حصلت فائدة الإخبار عن عقيدة من ضلالاتهم .
ولموقع هذا العطف حصلت فائدة الاستئناف البياني إذ يعجب السامع من جرأتهم على هذا الإجرام .
وقوله وقالوا أراد به أنهم قالوه عن اعتقاد لأن الأصل الصدق في القول حتى تقوم القرينة على أنه قول على خلاف الاعتقاد كما في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14قالوا آمنا ولأجل أن أصل القول أن يكون على وفق الاعتقاد ساغ استعمال القول في معنى الظن والاعتقاد في نحو قولهم : قال
مالك ، وفي نحو قول
عمرو بن معد يكرب " علام تقول الرمح يثقل عاتقي " . والمس حقيقته اتصال اليد بجرم من الأجرام وكذلك اللمس قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49والذين كفروا بآياتنا يمسهم العذاب وعبر عن نفيهم بحرف لن الدال على تأييد النفي تأكيدا لانتفاء العذاب عنهم بعد تأكيد ، ولدلالة لن على استغراق الأزمان تأتى الاستثناء من عموم الأزمنة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80إلا أياما معدودة على وجه التفريع فهو منصوب على الظرفية .
والوصف بمعدودة مؤذن بالقلة لأن المراد بالمعدود الذي يعده الناس إذا رأوه أو تحدثوا عنه ، وقد شاع في العرف والعوائد
[ ص: 580 ] أن الناس لا يعمدون إلى عد الأشياء الكثيرة دفعا للملل أو لأجل الشغل سواء عرفوا الحساب أم لم يعرفوه لأن المراد العد بالعين واللسان لا العد بجمع الحسابات إذ ليس مقصودا هنا .
وتأنيث ( معدودة ) وهو صفة ( أياما ) مراعى فيه تأويل الجمع بالجماعة وهي طريقة عربية مشهورة ولذلك كثر في صفة الجمع إذا أنثوها أن يأتوا بها بصيغة الإفراد إلا إذا أرادوا تأويل الجمع بالجماعات ، وسيأتي ذلك في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184أياما معدودات وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80قل أتخذتم عند الله عهدا جواب لكلامهم ولذلك فصل على طريقة المحاورات كما قدمناه في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها والاستفهام غير حقيقي بدليل قوله بعده بلى فهو استفهام تقريري للإلجاء إلى الاعتراف بأصدق الأمرين . وليس إنكاريا لوجود المعادل وهو أم تقولون لأن الاستفهام الإنكاري لا معادل له . والمراد بالعهد الوعد المؤكد فهو استعارة ، لأن أصل العهد هو الوعد المؤكد بقسم والتزام ، ووعد الذي لا يخلف الوعد كالعهد . ويجوز أن يكون العهد هنا حقيقة لأنه في مقام التقرير دال على انتفاء ذلك .
وذكر الاتخاذ دون أعاهدتم أو عاهدكم لما في الاتخاذ من توكيد العهد و عند لزيادة التأكيد يقولون اتخذ يدا عند فلان . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80فلن يخلف الله عهده الفاء فصيحة دالة على شرط مقدر وجزائه ، وما بعد الفاء هو علة الجزاء والتقدير فإن كان ذلك فلكم العذر في قولكم لأن الله لا يخلف عهده وتقدم ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=60فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ولكون ما بعد فاء الفصيحة دليل شرط وجزائه لم يلزم أن يكون ما بعدها مسببا عما قبلها ولا مترتبا عنه حتى يشكل عليه عدم صحة ترتب الجزاء في الآية على الشرط المقدر لأن لن للاستقبال . وأما في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80أم تقولون على الله ما لا تعلمون معادلة همزة الاستفهام فهي متصلة وتقع بعدها الجملة كما صرح به
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب في الإيضاح وهو التحقيق كما قال
عبد الحكيم فما قاله صاحب المفتاح من أن علامة أم المنقطعة كون ما بعدها جملة أمر أغلبي ولا معنى للانقطاع هنا لأنه يفسد ما أفاده الاستفهام من الإلجاء والتقرير .
وقوله بلى إبطال لقولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80لن تمسنا النار إلا أياما معدودة وكلمات الجواب تدخل على الكلام السابق لا على ما بعدها فمعنى بلى بل أنتم تمسكم النار مدة طويلة . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81من كسب سيئة سند لما تضمنته ( بلى ) من إبطال قولهم أي ما أنتم إلا ممن كسب سيئة إلخ
[ ص: 581 ] و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81من كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته فأولئك أصحاب النار فأنتم منهم لا محالة على حد قول لبيد :
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
أي فلا أخلد كما لم يخلد
بنو ربيعة ومضر ، فمن في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81من كسب سيئة شرطية بدليل دخول الفاء في جوابها وهي في الشرط من صيغ العموم فلذلك كانت مؤذنة بجملة محذوفة دل عليها تعقيب بلى بهذا العموم لأنه لو لم يرد به أن المخاطبين من زمر هذا العموم لكان ذكر العموم بعدها كلاما متناثرا ففي الكلام إيجاز الحذف ليكون المذكور كالقضية الكبرى لبرهان قوله بلى . والمراد بالسيئة هنا السيئة العظيمة وهي الكفر بدليل العطف عليها بقوله : ( وأحاطت به خطيئاته ) . وقوله (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28652_30443وأحاطت به خطيئاته ) الخطيئة اسم لما يقترفه الإنسان من الجرائم وهي فعيلة بمعنى مفعولة من خطى إذا أساء ، والإحاطة مستعارة لعدم الخلو عن الشيء ؛ لأن ما يحيط بالمرء لا يترك له منفذا للإقبال على غير ذلك قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22وظنوا أنهم أحيط بهم وإحاطة الخطيئات هي حالة الكفر لأنها تجرئ على جميع الخطايا ولا يعتبر مع الكفر عمل صالح كما دل عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا فلذلك لم تكن في هذه الآية حجة للزاعمين خلود أصحاب الكبائر من المسلمين في النار إذ لا يكون المسلم محيطة به الخطيئات بل هو لا يخلو من عمل صالح وحسبك من ذلك سلامة اعتقاده من الكفر وسلامة لسانه من النطق بكلمة الكفر الخبيثة .
والقصر المستفاد من التعريف في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون قصر إضافي لقلب اعتقادهم . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=82والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون تذييل لتعقيب النذارة بالبشارة على عادة القرآن . والمراد بالخلود هنا حقيقته .
[ ص: 579 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28973_29706وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=82وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
قِيلَ الْوَاوُ لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى جُمْلَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ فَتَكُونُ حَالًا مِثْلَهَا أَيْ كَيْفَ تَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَهُوَ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ وَيَقُولُونَ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ .
وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْوَاوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَكْتُبُونَ إِلَخْ أَيْ فَعَلُوا ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ وَوَجْهُ الْمُنَاسِبَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ دَلَّ عَلَى اعْتِقَادٍ مُقَرَّرٍ فِي نُفُوسِهِمْ يُشِيعُونَهُ بَيْنَ النَّاسِ بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ أَنْبَأَ بِغُرُورٍ عَظِيمٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى تِلْكَ الْجَرِيمَةِ وَغَيْرِهَا إِذْ هُمْ قَدْ آمَنُوا مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً تُعَادِلُ أَيَّامَ عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَوْ أَيَّامًا عَنْ كُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ مِنَ الْعَالَمِ يَوْمًا وَإِنَّ ذَلِكَ عَذَابٌ مَكْتُوبٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَهُمْ لَا يَتَوَقَّوْنَ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمَعَاصِي لِأَجْلِ ذَلِكَ فَبِالْعَطْفِ عَلَى أَخْبَارِهِمْ حَصَلَتْ فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ عَقِيدَةٍ مِنْ ضَلَالَاتِهِمْ .
وَلِمَوْقِعِ هَذَا الْعَطْفِ حَصَلَتْ فَائِدَةُ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ إِذْ يَعْجَبُ السَّامِعُ مِنْ جُرْأَتِهِمْ عَلَى هَذَا الْإِجْرَامِ .
وَقَوْلُهُ وَقَالُوا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوهُ عَنِ اعْتِقَادٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّدْقُ فِي الْقَوْلِ حَتَّى تَقُومَ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ عَلَى خِلَافِ الِاعْتِقَادِ كَمَا فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14قَالُوا آمَنَّا وَلِأَجْلِ أَنَّ أَصْلَ الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَفْقِ الِاعْتِقَادِ سَاغَ اسْتِعْمَالُ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى الظَّنِّ وَالِاعْتِقَادِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ : قَالَ
مَالِكٌ ، وَفِي نَحْوِ قَوْلِ
عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ " عَلَامَ تَقُولُ الرُّمْحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي " . وَالْمَسُّ حَقِيقَتُهُ اتِّصَالُ الْيَدِ بِجِرْمٍ مِنَ الْأَجْرَامِ وَكَذَلِكَ اللَّمْسُ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ وَعَبَّرَ عَنْ نَفْيِهِمْ بِحَرْفِ لَنِ الدَّالِّ عَلَى تَأْيِيدِ النَّفْيِ تَأْكِيدًا لِانْتِفَاءِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ بَعْدَ تَأْكِيدٍ ، وَلِدِلَالَةِ لَنْ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْأَزْمَانِ تَأَتَّى الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ الْأَزْمِنَةِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً عَلَى وَجْهِ التَّفْرِيعِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ .
وَالْوَصْفُ بِمَعْدُودَةٍ مُؤْذِنٌ بِالْقِلَّةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْدُودِ الَّذِي يَعُدُّهُ النَّاسُ إِذَا رَأَوْهُ أَوْ تَحَدَّثُوا عَنْهُ ، وَقَدْ شَاعَ فِي الْعُرْفِ وَالْعَوَائِدِ
[ ص: 580 ] أَنَّ النَّاسَ لَا يَعْمِدُونَ إِلَى عَدِّ الْأَشْيَاءِ الْكَثِيرَةِ دَفْعًا لِلْمَلَلِ أَوْ لِأَجْلِ الشُّغْلِ سَوَاءٌ عَرَفُوا الْحِسَابَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَدُّ بِالْعَيْنِ وَاللِّسَانِ لَا الْعَدُّ بِجَمْعِ الْحِسَابَاتِ إِذْ لَيْسَ مَقْصُودًا هُنَا .
وَتَأْنِيثُ ( مَعْدُودَةً ) وَهُوَ صِفَةُ ( أَيَّامًا ) مُرَاعًى فِيهِ تَأْوِيلُ الْجَمْعِ بِالْجَمَاعَةِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي صِفَةِ الْجَمْعِ إِذَا أَنَّثُوهَا أَنْ يَأْتُوا بِهَا بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ إِلَّا إِذَا أَرَادُوا تَأْوِيلَ الْجَمْعِ بِالْجَمَاعَاتِ ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا جَوَابٌ لِكَلَامِهِمْ وَلِذَلِكَ فُصِلَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَالِاسْتِفْهَامُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ بَلَى فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ لِلْإِلْجَاءِ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِأَصْدَقِ الْأَمْرَيْنِ . وَلَيْسَ إِنْكَارِيًّا لِوُجُودِ الْمُعَادِلِ وَهُوَ أَمْ تَقُولُونَ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ الْإِنْكَارِيَّ لَا مُعَادِلَ لَهُ . وَالْمُرَادُ بِالْعَهْدِ الْوَعْدُ الْمُؤَكَّدُ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ ، لِأَنَّ أَصْلَ الْعَهْدِ هُوَ الْوَعْدُ الْمُؤَكَّدُ بِقَسَمٍ وَالْتِزَامٍ ، وَوَعْدُ الَّذِي لَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ كَالْعَهْدِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَهْدُ هُنَا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّقْرِيرِ دَالٌّ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ .
وَذَكَرَ الِاتِّخَاذَ دُونَ أَعَاهَدْتُمْ أَوْ عَاهَدَكُمْ لِمَا فِي الِاتِّخَاذِ مِنْ تَوْكِيدِ الْعَهْدِ وَ عِنْدَ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ يَقُولُونَ اتَّخَذَ يَدًا عِنْدَ فُلَانٍ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ الْفَاءُ فَصِيحَةٌ دَالَّةٌ عَلَى شَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَجَزَائِهِ ، وَمَا بَعْدَ الْفَاءِ هُوَ عِلَّةُ الْجَزَاءِ وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَلَكُمُ الْعُذْرُ فِي قَوْلِكُمْ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ عَهْدَهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=60فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا وَلِكَوْنِ مَا بَعْدَ فَاءِ الْفَصِيحَةِ دَلِيلَ شَرْطٍ وَجَزَائَهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُسَبَّبًا عَمَّا قَبْلَهَا وَلَا مُتَرَتِّبًا عَنْهُ حَتَّى يُشْكَلَ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ فِي الْآيَةِ عَلَى الشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ لِأَنَّ لَنْ لِلِاسْتِقْبَالِ . وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ مُعَادَلَةُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَهِيَ مُتَّصِلَةٌ وَتَقَعُ بَعْدَهَا الْجُمْلَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْإِيضَاحِ وَهُوَ التَّحْقِيقُ كَمَا قَالَ
عَبْدُ الْحَكِيمِ فَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ مِنْ أَنَّ عَلَامَةَ أَمِ الْمُنْقَطِعَةِ كَوْنُ مَا بَعْدَهَا جُمْلَةَ أَمْرٍ أَغْلَبِيٍّ وَلَا مَعْنَى لِلِانْقِطَاعِ هُنَا لِأَنَّهُ يُفْسِدُ مَا أَفَادَهُ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الْإِلْجَاءِ وَالتَّقْرِيرِ .
وَقَوْلُهُ بَلَى إِبْطَالٌ لِقَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً وَكَلِمَاتُ الْجَوَابِ تَدْخُلُ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ لَا عَلَى مَا بَعْدَهَا فَمَعْنَى بَلَى بَلْ أَنْتُمْ تَمَسُّكُمُ النَّارُ مُدَّةً طَوِيلَةً . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً سَنَدٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ ( بَلَى ) مِنْ إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ أَيْ مَا أَنْتُمْ إِلَّا مِمَّنْ كَسَبَ سَيِّئَةً إِلَخْ
[ ص: 581 ] وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ فَأَنْتُمْ مِنْهُمْ لَا مَحَالَةَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ لَبِيدٍ :
تَمَنَّى ابْنَتَايَ أَنْ يَعِيشَ أَبُوهُمَا وَهَلْ أَنَا إِلَّا مِنْ رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرْ
أَيْ فَلَا أُخَلَّدُ كَمَا لَمْ يُخَلَّدْ
بَنُو رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ، فَمَنْ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً شَرْطِيَّةٌ بِدَلِيلِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا وَهِيَ فِي الشَّرْطِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ مُؤْذِنَةً بِجُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا تَعْقِيبُ بَلَى بِهَذَا الْعُمُومِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مَنْ زُمَرِ هَذَا الْعُمُومِ لَكَانَ ذِكْرُ الْعُمُومِ بَعْدَهَا كَلَامًا مُتَنَاثِرًا فَفِي الْكَلَامِ إِيجَازُ الْحَذْفِ لِيَكُونَ الْمَذْكُورُ كَالْقَضِيَّةِ الْكُبْرَى لِبُرْهَانِ قَوْلِهِ بَلَى . وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّئَةِ هُنَا السَّيِّئَةُ الْعَظِيمَةُ وَهِيَ الْكُفْرُ بِدَلِيلِ الْعَطْفِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ : ( وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ ) . وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28652_30443وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ ) الْخَطِيئَةُ اسْمٌ لِمَا يَقْتَرِفُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْجَرَائِمِ وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُوِلَةٍ مِنْ خَطَى إِذَا أَسَاءَ ، وَالْإِحَاطَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِعَدَمِ الْخُلُوِّ عَنِ الشَّيْءِ ؛ لِأَنَّ مَا يُحِيطُ بِالْمَرْءِ لَا يَتْرُكُ لَهُ مَنْفَذًا لِلْإِقْبَالِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ وَإِحَاطَةُ الْخَطِيئَاتِ هِيَ حَالَةُ الْكُفْرِ لِأَنَّهَا تُجَرِّئُ عَلَى جَمِيعِ الْخَطَايَا وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْكُفْرِ عَمَلٌ صَالِحٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِلزَّاعِمِينَ خُلُودَ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّارِ إِذْ لَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ مُحِيطَةً بِهِ الْخَطِيئَاتُ بَلْ هُوَ لَا يَخْلُو مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ وَحَسْبُكَ مِنْ ذَلِكَ سَلَامَةُ اعْتِقَادِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَسَلَامَةُ لِسَانِهِ مِنَ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ الْخَبِيثَةِ .
وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ التَّعْرِيفِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِقَلْبِ اعْتِقَادِهِمْ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=82وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تَذْيِيلٌ لِتَعْقِيبِ النِّذَارَةِ بِالْبِشَارَةِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ . وَالْمُرَادُ بِالْخُلُودِ هُنَا حَقِيقَتُهُ .