وأنا بريء مما تجرمون أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي
جملة معترضة بين جملة أجزاء القصة وليست من القصة ، ومن جعلها منها فقد أبعد ، وهي تأكيد لنظيرها السابق في أول السورة . ومناسبة هذا الاعتراض أن تفاصيل القصة التي لا يعلمها المخاطبون تفاصيل عجيبة تدعو المنكرين إلى أن يتذكروا إنكارهم ويعيدوا ذكره .
[ ص: 64 ] وكون ذلك مطابقا لما حصل في زمن نوح - عليه السلام - وشاهدة به كتب بني إسرائيل يدل على صدق النبيء - صلى الله عليه وسلم - لأن علمه بذلك مع أميته وبعد قومه عن أهل الكتاب آية على أنه وحي من الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
فالاستفهام الذي يؤذن به حرف ( أم ) المختص بعطف الاستفهام استفهام إنكاري . وموقع الإنكار بديع لتضمنه الحجة عليهم .
و أم هنا للإضراب للانتقال من غرض لغرض .
وضمير النصب عائد إلى القرآن المفهوم من السياق .
وجملة قل مفصولة عن التي قبلها لوقوعها في سياق المحاورة كما تقدم غير مرة .
وأمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض عن مجادلتهم بالدليل لأنهم ليسوا بأهل لذلك إذ قد أقيمت عليهم الحجة غير مرة فلم تغن فيهم شيئا ، فلذلك أجيبوا بأنه لو فرض ذلك لكانت تبعة افترائه على نفسه لا ينالهم منها شيء .
وتقديم علي مؤذن بالقصر ، أي إجرامي علي لا عليكم فلماذا تكثرون ادعاء الافتراء كأنكم ستؤاخذون بتبعته . وهذا جار على طريقة الاستدراج لهم والكلام المنصف .
ومعنى جعل الافتراء فعلا للشرط : أنه إن كان وقع الافتراء كقوله : إن كنت قلته فقد علمته
ولما كان الافتراء على الله إجراما عدل في الجواب عن التعبير بالافتراء مع أنه المدعي إلى التعبير بالإجرام فلا حاجة إلى تقدير : فعلي إجرام افترائي .
وذكر حرف على مع الإجرام مؤذن بأن الإجرام مؤاخذ به كما تقتضيه مادة الإجرام .
[ ص: 65 ] والإجرام : اكتساب الجرم وهو الذنب ، فهو يقتضي المؤاخذة لا محالة .
وجملة وأنا بريء مما تجرمون معطوفة على جملة الشرط والجزاء ، فهي ابتدائية . وظاهرها أنها تذييل للكلام وتأييده بمقابله ، أي فإجرامي علي لا عليكم كما أن إجرامكم لا تنالني منه تبعة . ولا حاجة إلى تقدير المضاف في قوله : مما تجرمون أي تبعته وإنما هو تقدير معنى لا تقدير إعراب ، والشيء يؤكد بضده كقوله : لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد
وفي هذه الجملة توجيه بديع وهو إفادة تبرئة نفسه من أن يفتري القرآن فإن ادعوها عليه فهي إجرام منهم عليه ، فيكون المعنى وأنا بريء من قولكم الذي تجرمونه علي باطلا . افتراء القرآن دعوى باطلة