وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم
عطف على جملة قلنا احمل فيها أي قلنا له ذلك . وقال نوح - عليه السلام - لمن أمر بحمله ( اركبوا )
وضمير ( فيها ) لمفهوم من المقام ، أي السفينة كقوله : وحملناه على ذات ألواح ودسر أي سفينة .
وعدي فعل ( اركبوا ) بـ ( في ) جريا على الفصيح فإنه يقال : ركب الدابة إذا علاها . وأما ركوب الفلك فيعدى بفي لأن إطلاق الركوب عليه مجاز ، وإنما هو جلوس واستقرار فلا يقال : ركب السفينة ، فأرادوا التفرقة بين الركوب الحقيقي والركوب المشابه له ، وهي تفرقة حسنة .
والباء في باسم الله للملابسة مثل ما تقدم في تفسير البسملة ، وهي في موضع الحال من ضمير اركبوا أي ملابسين لاسم الله ، وهي ملابسة القول لقائله ، أي قائلين : باسم الله .
و مجراها ومرساها - بضم الميمين فيهما - في قراءة الجمهور . وهما مصدرا أجرى السفينة إذا جعلها جارية ، أي سيرها بسرعة ، وأرساها إذا جعلها راسية أي واقفة على الشاطئ . يقال : رسا إذا ثبت في المكان .
[ ص: 74 ] وقرأ حمزة ، ، والكسائي وحفص عن عاصم ، وخلف مجراها فقط - بفتح الميم - على أنه مفعل للمصدر أو الزمان أو المكان . وأما ( مرساها ) - فبضم الميم - مثل الجمهور ؛ لأنه لا يقال : مرساها - بفتح الميم - . والعدول عن الفتح في مرساها في كلام العرب مع أنه في القياس مماثل مجراها وجهه دفع اللبس لئلا يلتبس باسم المرسى الذي هو المكان المعد لرسو السفن .
ويجوز أن يكون مجراها ومرساها في محل نصب بالنيابة عن ظرف الزمان ، أي وقت إجرائها ووقت إرسائها . ويجوز أن يكون في محل رفع على الفاعلية بالجار والمجرور لما فيه من معنى الفعل ، وهو رأي نحاة الكوفة ، وما هو ببعيد .
وجملة إن ربي لغفور رحيم تعليل للأمر بالركوب المقيد بالملابسة لذكر اسم الله تعالى ، ففي التعليل بالمغفرة والرحمة رمز إلى أن الله وعده بنجاتهم ، وذلك من غفرانه ورحمته . وأكد بـ إن ولام الابتداء تحقيقا لأتباعه بأن الله رحمهم بالإنجاء من الغرق .