nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48nindex.php?page=treesubj&link=28982قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم
فصلت الجملة ولم تعطف لوقوعها في سياق المحاورة بين
نوح - عليه السلام - وربه ، فإن
نوحا - عليه السلام - لما أجاب بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم إلى آخره خاطبه ربه إتماما للمحاورة بما يسكن جأشه .
وكان مقتضى الظاهر أن يقول : قال يا
نوح اهبط ، ولكنه عدل عنه إلى بناء الفعل للنائب ليجيء على وتيرة حكاية أجزاء القصة المتقدمة من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل يا أرض ابلعي . . .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل بعدا للقوم الظالمين فحصل بذلك البناء قضاء حق الإشارة إلى جزء القصة ، كما حصل بالفصل قضاء حق الإشارة إلى أن ذلك القول جزء المحاورة .
[ ص: 89 ] ونداء
نوح - عليه السلام - للتنويه به بين الملأ .
والهبوط : النزول . وتقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61اهبطوا مصرا في سورة البقرة . والمراد : النزول من السفينة لأنها كانت أعلى من الأرض .
والسلام : التحية ، وهو مما يخاطب بها عند الوداع أيضا ، يقولون : اذهب بسلام ، ومنه قول
لبيد :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
وخطابه بالسلام حينئذ إيماء إلى أنه كان في ضيافة الله - تعالى - لأنه كان كافلا له النجاة ، كما قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وحملناه على ذات ألواح ودسر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا
وأصل السلام السلامة ، فاستعمل عند اللقاء إيذانا بتأمين المرء ملاقيه وأنه لا يضمر له سوءا ، ثم شاع فصار قولا عند اللقاء للإكرام . وبذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين قالوا : السلام على الله ، فقوله هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48اهبط بسلام نظير قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادخلوها بسلام آمنين فإن السلام ظاهر في التحية لتقييده بـ ( آمنين ) . ولو كان السلام مرادا به السلامة لكان التقييد بـ ( آمنين ) توكيدا وهو خلاف الأصل .
و ( منا ) تأكيد لتوجيه السلام إليه لأن ( من ) ابتدائية ، فالمعنى : بسلام ناشئ من عندنا ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام قولا من رب رحيم . وذلك كثير في كلامهم . وهذا التأكيد يراد به زيادة الصلة والإكرام فهو أشد مبالغة من الذي لا تذكر معه ( من ) .
والباء للمصاحبة ، أي اهبط مصحوبا بسلام منا . ومصاحبة السلام الذي هو التحية مصاحبة مجازية .
[ ص: 90 ] والبركات : الخيرات النامية ، واحدتها بركة ، وهي من كلمات التحية مستعملة في الدعاء .
ولما كان الداعون بلفظ التحية إنما يسألون الله بدعاء بعضهم لبعض فصدور هذا الدعاء من لدنه قائم مقام إجابة الدعاء فهو إفاضة بركات على
نوح - عليه السلام - ومن معه ، فحصل بذلك تكريمهم وتأمينهم والإنعام عليهم .
و ( عليك ) يتعلق ( بسلام ) و ( بركات ) وكذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وعلى أمم ممن معك
والأمم : جمع أمة . والأمة : الجماعة الكثيرة من الناس التي يجمعها نسب إلى جد واحد . يقال : أمة العرب ، أو لغة مثل أمة الترك ، أو موطن مثل أمة أمريكا ، أو دين مثل الأمة الإسلامية ، فـ ( أمم ) دال على عدد كثير من الأمم يكون بعد
نوح - عليه السلام - . وليس الذين ركبوا في السفينة أمما لقلة عددهم لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40وما آمن معه إلا قليل . وتنكير ( أمم ) لأنه لم يقصد به التعميم تمهيدا لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وأمم سنمتعهم
و ( من ) في
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48ممن معك ابتدائية ، و ( من ) الموصولة صادقة على الذين ركبوا مع
نوح - عليه السلام - في السفينة . ومنهم أبناؤه الثلاثة . فالكلام بشارة
لنوح - عليه السلام - ومن معه بأن الله يجعل منهم أمما كثيرة يكونون محل كرامته وبركاته . وفيه إيذان بأن يجعل منهم أمما بخلاف ذلك ، ولذلك عطف على هذه الجملة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم
وهذا النظم يقتضي أن الله بدأ
نوحا بالسلام والبركات وشرك معه فيهما أمما ناشئين ممن هم معه ، وفيهم الناشئون من
نوح - عليه السلام - لأن في جملة من معه أبناءه الثلاثة الذين انحصر فيهم نسله من بعده . فتعين أن الذين معه يشملهم السلام والبركات بادئ بديء قبل نسلهم إذ عنون عنهم بوصف معية
نوح - عليه السلام - تنبيها على سبب كرامتهم . وإذ كان التنويه بالناشئين
[ ص: 91 ] عنهم إيماء إلى أن اختصاصهم بالكرامة لأجل كونهم ناشئين عن فئة مكرمة بمصاحبة
نوح - عليه السلام - ، فحصل تنويه
نوح - عليه السلام - وصحبته ونسلهم بطريق إيجاز بديع .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وأمم سنمتعهم إلخ ، عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48اهبط بسلام منا إلى آخرها ، وهي استئناف بياني لأنها تبيين لما أفاده التنكير في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وعلى أمم ممن معك من الاحتراز عن أمم آخرين . وهذه الواو تسمى استئنافية وأصلها الواو العاطفة وبعضهم يرجعها إلى الواو الزائدة ، ويجوز أن تكون الواو للتقسيم ، والمقصود : تحذير قوم
نوح من اتباع سبيل الذين أغرقوا ، والمقصود من حكاية ذلك في القرآن التعريض بالمشركين من العرب فإنهم من ذرية
نوح ولم يتبعوا سبيل جدهم ، فأشعروا بأنهم من الأمم التي أنبأ الله
نوحا بأنه سيمتعهم ثم يمسهم عذاب أليم . ونظير هذا قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا أي وكان المتحدث عنهم غير شاكرين للنعمة .
وإطلاق المس على الإصابة القوية تقدم عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=17وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو في الأنعام .
وذكر ( منا ) مع يمسهم لمقابلة قوله في ضده
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48بسلام منا ليعلموا أن ما يصيب الأمة من الأحوال الزائدة على المعتاد في الخير والشر هو إعلام من الله بالرضى أو الغضب لئلا يحسبوا ذلك من سنة ترتب المسببات العادية على أسبابها ، إذ
nindex.php?page=treesubj&link=19784_29723من حق الناس أن يتبصروا في الحوادث ويتوسموا في جريان أحوالهم على مراد الله - تعالى - منهم ويعلموا أن الله يخاطبهم بدلالة الكائنات عند انقطاع خطابه إياهم على ألسنة الرسل ، فإن الرسل يبينون لهم طرق الدلالة ويكلون إليهم النظر في وضع المدلولات عند دلالاتها . ومثاله ما هنا فقد بين لهم على لسان
نوح - عليه السلام - أنه يمتع أمما ثم يمسهم عذاب أليم بما يصنعون .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48nindex.php?page=treesubj&link=28982قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ وَلَمْ تُعْطَفْ لِوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ بَيْنَ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَرَبِّهُ ، فَإِنَّ
نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَجَابَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ إِلَى آخِرِهِ خَاطَبَهُ رَبُّهُ إِتْمَامًا لِلْمُحَاوَرَةِ بِمَا يُسَكِّنُ جَأْشَهُ .
وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ : قَالَ يَا
نُوحُ اهْبِطْ ، وَلَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ إِلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلنَّائِبِ لِيَجِيءَ عَلَى وَتِيرَةِ حِكَايَةِ أَجْزَاءِ الْقِصَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي . . .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فَحَصَلَ بِذَلِكَ الْبِنَاءِ قَضَاءُ حَقِّ الْإِشَارَةِ إِلَى جُزْءِ الْقِصَّةِ ، كَمَا حَصَلَ بِالْفَصْلِ قَضَاءُ حَقِّ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ جُزْءُ الْمُحَاوَرَةِ .
[ ص: 89 ] وَنِدَاءُ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلتَّنْوِيهِ بِهِ بَيْنَ الْمَلَأِ .
وَالْهُبُوطُ : النُّزُولُ . وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61اهْبِطُوا مِصْرًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَالْمُرَادُ : النُّزُولُ مِنَ السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ .
وَالسَّلَامُ : التَّحِيَّةُ ، وَهُوَ مِمَّا يُخَاطَبُ بِهَا عِنْدَ الْوَدَاعِ أَيْضًا ، يَقُولُونَ : اذْهَبْ بِسَلَامٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
لَبِيَدٍ :
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمِ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا
وَخِطَابُهُ بِالسَّلَامِ حِينَئِذٍ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي ضِيَافَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِأَنَّهُ كَانَ كَافِلًا لَهُ النَّجَاةَ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا
وَأَصْلُ السَّلَامِ السَّلَامَةُ ، فَاسْتُعْمِلَ عِنْدَ اللِّقَاءِ إِيذَانًا بِتَأْمِينِ الْمَرْءِ مُلَاقِيَهُ وَأَنَّهُ لَا يُضْمِرُ لَهُ سُوءًا ، ثُمَّ شَاعَ فَصَارَ قَوْلًا عِنْدَ اللِّقَاءِ لِلْإِكْرَامِ . وَبِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ قَالُوا : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ ، فَقَوْلُهُ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48اهْبِطْ بِسَلَامٍ نَظِيرُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ فَإِنَّ السَّلَامَ ظَاهِرٌ فِي التَّحِيَّةِ لِتَقْيِيدِهِ بِـ ( آمِنِينَ ) . وَلَوْ كَانَ السَّلَامُ مُرَادًا بِهِ السَّلَامَةُ لَكَانَ التَّقْيِيدُ بِـ ( آمَنِينَ ) تَوْكِيدًا وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ .
وَ ( مِنَّا ) تَأْكِيدٌ لِتَوْجِيهِ السَّلَامِ إِلَيْهِ لِأَنَّ ( مِنِ ) ابْتِدَائِيَّةٌ ، فَالْمَعْنَى : بِسَلَامٍ نَاشِئٍ مِنْ عِنْدِنَا ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ . وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ . وَهَذَا التَّأْكِيدُ يُرَادُ بِهِ زِيَادَةُ الصِّلَةِ وَالْإِكْرَامِ فَهُوَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الَّذِي لَا تُذْكَرُ مَعَهُ ( مِنْ ) .
وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ ، أَيِ اهْبِطْ مَصْحُوبًا بِسَلَامٍ مِنَّا . وَمُصَاحَبَةُ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ مُصَاحِبَةٌ مَجَازِيَّةٌ .
[ ص: 90 ] وَالْبَرَكَاتُ : الْخَيْرَاتُ النَّامِيَةُ ، وَاحِدَتُهَا بَرَكَةٌ ، وَهِيَ مِنْ كَلِمَاتِ التَّحِيَّةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الدُّعَاءِ .
وَلَمَّا كَانَ الدَّاعُونَ بِلَفْظِ التَّحِيَّةِ إِنَّمَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ بِدُعَاءِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَصُدُورُ هَذَا الدُّعَاءِ مِنْ لَدُنْهِ قَائِمٌ مَقَامَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ فَهُوَ إِفَاضَةُ بَرَكَاتٍ عَلَى
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَنْ مَعَهُ ، فَحَصَلَ بِذَلِكَ تَكْرِيمُهُمْ وَتَأْمِينُهُمْ وَالْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ .
وَ ( عَلَيْكَ ) يَتَعَلَّقُ ( بِسَلَامٍ ) وَ ( بَرَكَاتٍ ) وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ
وَالْأُمَمُ : جَمْعُ أُمَّةٍ . وَالْأُمَّةُ : الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنَ النَّاسِ الَّتِي يَجْمَعُهَا نَسَبٌ إِلَى جَدٍّ وَاحِدٍ . يُقَالُ : أُمَّةُ الْعَرَبِ ، أَوْ لُغَةٌ مِثْلَ أُمَّةِ التُّرْكِ ، أَوْ مَوْطِنٌ مِثْلَ أُمَّةِ أَمْرِيكَا ، أَوْ دِينٌ مِثْلَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، فَـ ( أُمَمٌ ) دَالٌّ عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ يَكُونُ بَعْدَ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - . وَلَيْسَ الَّذِينَ رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ أُمَمًا لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ . وَتَنْكِيرُ ( أُمَمٍ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّعْمِيمَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ
وَ ( مِنْ ) فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48مِمَّنْ مَعَكَ ابْتِدَائِيَّةٌ ، وَ ( مَنْ ) الْمَوْصُولَةُ صَادِقَةٌ عَلَى الَّذِينَ رَكِبُوا مَعَ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي السَّفِينَةِ . وَمِنْهُمْ أَبْنَاؤُهُ الثَّلَاثَةُ . فَالْكَلَامُ بِشَارَةٌ
لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَنْ مَعَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ مِنْهُمْ أُمَمًا كَثِيرَةً يَكُونُونَ مَحَلَّ كَرَامَتِهِ وَبَرَكَاتِهِ . وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنْ يَجْعَلَ مِنْهُمْ أُمَمًا بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
وَهَذَا النَّظْمُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ بَدَأَ
نُوحًا بِالسَّلَامِ وَالْبَرَكَاتِ وَشَرَكَ مَعَهُ فِيهِمَا أُمَمًا نَاشِئِينَ مِمَّنْ هُمْ مَعَهُ ، وَفِيهِمُ النَّاشِئُونَ مِنْ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ مَعَهُ أَبْنَاءَهُ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ انْحَصَرَ فِيهِمْ نَسْلُهُ مِنْ بَعْدِهِ . فَتَعَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ مَعَهُ يَشْمَلُهُمُ السَّلَامُ وَالْبَرَكَاتُ بَادِئَ بَدِيءٍ قَبْلَ نَسْلِهِمْ إِذْ عُنْوِنَ عَنْهُمْ بِوَصْفِ مَعِيَّةِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ كَرَامَتِهِمْ . وَإِذْ كَانَ التَّنْوِيهُ بِالنَّاشِئِينَ
[ ص: 91 ] عَنْهُمْ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ اخْتِصَاصَهُمْ بِالْكَرَامَةِ لِأَجْلِ كَوْنِهِمْ نَاشِئِينَ عَنْ فِئَةٍ مُكَرَّمَةٍ بِمُصَاحَبَةِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، فَحَصَلَ تَنْوِيهُ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَصُحْبَتِهِ وَنَسْلِهِمْ بِطَرِيقِ إِيجَازٍ بَدِيعٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ إِلَخْ ، عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا إِلَى آخِرِهَا ، وَهِيَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّهَا تَبْيِينٌ لِمَا أَفَادَهُ التَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ مِنَ الِاحْتِرَازِ عَنْ أُمَمٍ آخَرِينَ . وَهَذِهِ الْوَاوُ تُسَمَّى اسْتِئْنَافِيَّةً وَأَصْلُهَا الْوَاوُ الْعَاطِفَةُ وَبَعْضُهُمْ يُرْجِعُهَا إِلَى الْوَاوِ الزَّائِدَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ ، وَالْمَقْصُودُ : تَحْذِيرُ قَوْمِ
نُوحٍ مِنَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الَّذِينَ أُغْرِقُوا ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ حِكَايَةِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ
نُوحٍ وَلَمْ يَتَّبِعُوا سَبِيلَ جَدِّهِمْ ، فَأُشْعِرُوا بِأَنَّهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي أَنْبَأَ اللَّهُ
نُوحًا بِأَنَّهُ سَيُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا أَيْ وَكَانَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ غَيْرَ شَاكِرِينَ لِلنِّعْمَةِ .
وَإِطْلَاقُ الْمَسِّ عَلَى الْإِصَابَةِ الْقَوِيَّةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=17وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ فِي الْأَنْعَامِ .
وَذِكْرُ ( مِنَّا ) مَعَ يَمَسُّهُمْ لِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ فِي ضِدِّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48بِسَلَامٍ مِنَّا لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا يُصِيبُ الْأُمَّةَ مِنَ الْأَحْوَالِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمُعْتَادِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ هُوَ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ بِالرِّضَى أَوِ الْغَضَبِ لِئَلَّا يَحْسَبُوا ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ تُرَتَّبِ الْمُسَبَّبَاتِ الْعَادِيَّةِ عَلَى أَسْبَابِهَا ، إِذْ
nindex.php?page=treesubj&link=19784_29723مِنْ حَقِّ النَّاسِ أَنْ يَتَبَصَّرُوا فِي الْحَوَادِثِ وَيَتَوَسَّمُوا فِي جَرَيَانِ أَحْوَالِهِمْ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْهُمْ وَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُخَاطِبُهُمْ بِدَلَالَةِ الْكَائِنَاتِ عِنْدَ انْقِطَاعِ خِطَابِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ ، فَإِنَّ الرُّسُلَ يُبَيِّنُونَ لَهُمْ طُرُقَ الدَّلَالَةِ وَيَكِلُونَ إِلَيْهِمُ النَّظَرَ فِي وَضْعِ الْمَدْلُولَاتِ عِنْدَ دَلَالَاتِهَا . وَمِثَالُهُ مَا هُنَا فَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يُمَتِّعُ أُمَمًا ثُمَّ يَمَسُّهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ .